غزة تغرق في أزماتها.. الكهرباء نموذجاً!
وسام زغبر
تشتعل غزة على وقع صيفها الحار وكهربائها التي لا تكاد تصل إلى مواطنيها سويعات أقلّ من عدد أصابع اليد الواحدة ملحقة بنقص في مياه الشرب التي تعدّ نسبة 95 في المئة منها غير صالحة للاستخدام الآدمي، ويبدو أنّ أزمات القطاع تزداد تعقيداً ليصبح قبل العام 2020 مكاناً غير صالح للعيش.
تغرق غزة في أزماتها وتعيش الواقع المرّ في هذا الصيف الحار، حيث لا كهرباء ولا غاز ولا مياه ولا بحر.. ينهشها الفقر والبطالة ويهرب شبابها بحثاً عن موت آخر ربما يكون أقلّ قسوة.. في غزة يمد الله في غنى بعض الناس ويفقر آخرين في صراع الأزمات وتجارة الحروب والانقسام، حتى بحر غزة ملاذ الفقراء لا يريد أحداً ولا يتقبّل هموم أحد لأنّ في باطنه أوجاع.. هذا هو حال غزة التي تسير بماضيها وحاضرها ومستقبلها نحو الانفجار.. انفجار لا هو موت ولا انتحار.
لا تتجاوز المساحة الجغرافية لغزة المدينة الفقيرة الصغيرة 365 كلم مربع، وتقتطع المنطقة العازلة على حدودها الشرقية والشمالية 24 في المئة من مساحتها، وقد أنهكها الحصار والفقر والأزمات، وسُلبت كرامة أهلها بسلاح الإخوة في معركة الخلافات الداخلية والصراع على السلطة والنفوذ وسط تغييب للقضايا والحقوق الوطنية.
يشتاق قطاع غزة إلى الكهرباء لمقاومة صيفه الساخن ومصارعة أزماته المفتعلة، ما يدفع بسكانه إلى الهروب نحو بحره الأزرق ملاذ الفقراء الذي تحول إلى مصبّ للمياه العادمة لتلوث أكثر من 70 في المئة من ساحله الذي يبلغ طوله 41 كلم، إضافة إلى ارتفاع معدل انجراف وتآكل شاطئه وتناقص الجغرافيا المُخصّصة للاستجمام، ما يدفع بأغنياء القطاع وميسوريه نحو المنتجعات والشاليهات السياحية، في حين لا يستطيع فقراؤه تحمل تكلفتها العالية التي تصل إلى نحو مئة دولار لاثنتي عشرة ساعة في اليوم الواحد، رغم أنّ عدداً كبيراً منها يفتقر إلى معايير السلامة البيئية، ويعود الكثير منها إلى تجار الحروب والأزمات التي تنعكس سلباً على الواقع المعيشي.
بين الواقع المؤلم والإحصائيات المرعبة، تدخل غزة منعطفاً خطيراً وسط ارتفاع نسبة البطالة لتتجاوز 42 في المئة، خصوصاً في صفوف الشباب، ويعيش ما بين 30 و65 في المئة من السكان تحت خط الفقر المدقع، فيما يعتمد نحو 80 في المئة من الأسر على المساعدات الإنسانية من جهات عدة، ويتلقى 960 ألف فرد مساعدات من وكالة الغوث فيما تحصل 80 ألف أسرة فقيرة على مساعدات برنامج الحماية الاجتماعية.
أمام تلك الأرقام المخيفة التي تعكس هول المأساة، والانقطاع المستمر للكهرباء يبحث سكان القطاع الصامد عن بدائل للشموع ومولدات الموت التي أحرقت 29 مواطناً بينهم 23 طفلاً منذ عام 2010.
الأزمات المفتعلة كثيرة في غزة وفي كلّ فصل يولد تجار كثر أيضاً، ولعلّ مشكلة الكهرباء المتفاقمة لعامها العاشر على التوالي واحدة منها وقد دفعت أصحاب المصالح وتجار الأزمات نحو استيراد الطاقة المتجدّدة والبديلة من الخلايا الشمسية والليدات والأنفيرتر لاستنزاف جيوب المواطنين بعد سقوط ضحايا شموع الموت، إضافة إلى المولدات الكهربائية التجارية المنتشرة في شوارع ومحافظات قطاع غزة حيث تبلغ تكلفة الكيلووات الواحد في الساعة أكثر من دولار أميركي في حين لا تزيد تكلفته من محطة توليد الكهرباء عن 0.14 دولار.
ارحموا غزة مفجِّرة انتفاضة الحجارة ومفخرة الثورة.. أعيدوا إليها مجدها الوطني.. يكفيها ما أصابها من الأزمات والويلات.. ارحموا عزيز قوم ذلّ في غزة، فقد طفح الكيل بسكانها.. والسؤال المطروح: لصالح من تُدوّل معاناتها؟ انهوا انقسام الوطن وعودوا إلى رشدكم ولا تسيروا بسكان القطاع نحو الهاوية. ربما لا تستطيعون العودة إلى رحاب الوحدة الوطنية بل وتدفعون بالقطاع نحو الانفصال والانسلاخ عن بقايا الوطن الكبير لينهشه الاستعمار ويبتلع الاستيطان أكثر من 85 في المئة منه.. ربما هي لعبة السياسية أو كما يطلق عليها «لعبة الأمم». فكلّ المشاريع «الإسرائيلية» التي تطفو على السطح مثل مشروع «غيورا آيلاند» ومشاريع أخرى لن تمنح دولة للفلسطينيين بل شبه دولة حكم ذاتي وإدارات محلية من دون سيادة على الأرض في ظلّ الكانتونات التي تجتاح الضفة الغربية فيما غزة تُدفع نحو مصر، بينما الاحتلال لم يعد مكلفاً ويعيش أزهى عصوره.
ألم يحن الوقت لإنقاذ الوطن بطي صفحة الخلافات والانقسامات التي أضعفتنا جميعاً وإطلاق عجلة الحوارات الوطنية؟
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة
swisam2009 hotmail.com