أخيراً… اقتصاد الإنتاج
رمزي عبد الخالق
ليس خطأ القول إنّ «ملائكة» رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حاضرة بوضوح في الرؤية الاقتصادية الشاملة التي أعلنها قبل أيام قليلة رئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل.
فمعظم بنود هذه الرؤية التي طرحها الوزير باسيل ومعه وزير الاقتصاد رائد خوري كان العماد عون قد تحدّث عنها من الرابية، أحياناً بالتفاصيل وأحياناً بالخطوط العريضة. ثمّ عاد وأكدها في مستهلّ جلسة الحوار الوطني التي عُقدت برئاسته في قصر بعبدا بحضور الأقطاب العشرة، وقد نوّه يومها رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو خلال الجلسة نفسها بما ورد في كلمة رئيس الجمهورية بشكل عام، لافتاً بنوع خاص إلى العناوين الاقتصادية التي تضمّنتها الكلمة لا سيما لجهة ضرورة أن تنصبّ أولوية الاهتمام على تنمية الإنتاج في القطاعات كلّها.
وقد تبلورت هذه العناوين أكثر فأكثر في الرؤية المعلنة بالأمس، وصولاً إلى قول باسيل «إنّ الأساس الذي استندت إليه رؤيتنا الاقتصادية هو اقتصاد الإنتاج وليس اقتصاد الريع».
لم يُكمل باسيل الجملة، ولم يقل إنّ اقتصاد الريع الذي ساد في لبنان لنحو ربع قرن، وقوامه عاملان رئيسيّان هما الفوائد المرتفعة والمضاربات العقارية، هو الذي أوصل البلد إلى ما وصل إليه من مديونية عالية جداً، وأزمات متفاقمة على المستويات كلّها، وتحديداً نتيجة تراجع النموّ وتراكم المشاكل في مختلف قطاعات الاقتصاد الحقيقي، الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات، مضافة إليها طبعاً التعقيدات البيئية التي لا تكاد تغيب أو تُغيَّب لبعض الوقت حتى تعود لتطلّ برأسها مجدّداً وبشكل يجعل الحلول تبدو مستعصية أو مستحيلة…
ربما حالت دون التوضيح والتصريح مقتضيات التحالف الجديد بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل صاحب سياسة اقتصاد الريع ، ولكن لم يعُد من الممكن إخفاء الحقائق، وهو ما كان يحصل في السابق من خلال الاستدانة وضخّ المزيد من السيولة في الأسواق لتعود وتختفي إما في خزنات المصارف أو في الباطون المسلّح، خصوصاً أنّ هذه السياسة قد انكشفت عيوبها وبانت سيّئاتها في كلّ مكان جرى اعتمادها فيه، سواء في الدول النامية أو في الدول المتقدّمة، ولعلّ الأزمة الضخمة التي عاشها قطاع العقارات في الولايات المتحدة أبرز دليل على ذلك، ومثلها أزمة دبي التي استطاعت تخطيها إلى حدّ كبير بمساعدة «حنفية» النفط في أبو ظبي.
على أيّ حال… أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً. والمهمّ الآن ألا يبقى طرح الرؤية الاقتصادية الجديدة القائمة على أساس اقتصاد الإنتاج في الإطار النظري، بل المطلوب الإسراع لا التسرّع في نقلها إلى حيّز التنفيذ من خلال طرحها على مجلس الوزراء لمناقشتها وتطويرها حيث يلزم، وبالتالي إقرارها كخطة عمل متكاملة يتمّ تنفيذها تدريجياً، وفق أولويات محدّدة ومدروسة، طبعاً بعد إقرار ما يجب إقراره في مجلس النواب.
الإنتاج إذن هو الترياق الشافي للمشاكل الاقتصادية كلّها، ودائماً بالعودة إلى أنطون سعاده نجد العلاج، حيث جاء في شرحه للمبدأ الاقتصادي: «الإنتاج هو الأساس الهامّ للاقتصاد القومي، بدون الإنتاج لا يمكننا مطلقاً التفكير برفاهية الشعب. إذا كانت الثروة قليلة والناس كثراً لم يفد الناس كثيراً توزيع كمية قليلة عليهم، بالكاد تسدّ رمقهم. فالإنتاج هو المفتاح للقضية الاقتصادية كلها»…