حرب تشرين مستمرة

«توب نيوز»

في السادس من تشرين الأول عام 1973 ظهر أنّ لدى العرب جيوشاً تستطيع اتخاذ قرار الحرب وصناعة موجباته، وإعداد ساعة الصفر والبدء بإطلاق النار وتحقيق الانتصار، فكان التحوّل الذي سيفرض معادلات لا يمكن تقبّلها بالنسبة للغرب نظراً إلى خطورة وحجم المصالح المختزنة في بلاد العرب، أما بالنسبة إلى «إسرائيل» فقد كانت الحرب تذكيراً بأنّ الخطر على الوجود لم يحسم بنتيجة حرب العام1967.

كانت العين الأميركية و»الإسرائيلية» على الجيش السوري، لقناعة بأنّ تزاوج الإرادة السياسية والقدرة العسكرية يمنحانه دور المحرك الفاعل لصناعة الأحداث الكبرى، بينما الجيش المصري رغم كلّ ميزاته وكفاءاته فقد كان متاحاً إخراجه من المعادلة بقوة السيطرة على صانع القرار السياسي في مصر، فكانت «كامب ديفيد» إعلان تحوّل قدرة مصر إلى مساحة خارج مصادر القلق «الإسرائيلي»، بمثل ما هي إعلان انضباط القيادة السياسية المصرية بالروزنامة التي تحدّدها الإدارة الأميركية وفقاً لمصالحها في المنطقة.

القضية مع سورية صارت بعنوان تدمير القدرة وتعطيل الإرادة، حتى يتحقق أمن «إسرائيل» الاستراتيجي وأمان المصالح الأميركية وثقتها بأنّ كلّ شيء تحت السيطرة.

تعادل تأثير «كامب ديفيد» بإخراج مصر وكشف ظهر سورية، مع انتصار الثورة الإيرانية وتشكيلها ظهيراً بديلاً عوّض غياب مصر، وتعادل تأثير الإجتياح «الإسرائيلي» للبنان مع ولادة المقاومة لشلّ مفاعيل الاحتلال ومنعه من بلوغه مرحلة تهديد سورية.

قرابة أربعة عقود من المواجهات المتواصلة منذ ذلك التاريخ، يظهر فيها مع كلّ اختبار جديد، أنّ الإرادة تصلّبت والقدرة تعاظمت، وأنّ سورية تدخل نادي صناع الاستراتيجيات في الشرق الأوسط، ما يعني مزيداً من الخطر الداهم على «إسرائيل»، ومزيداً من القلق على الهيمنة الأميركية، رغم احتلال العراق وأفغانستان ورغم حرب على لبنان وعدة حروب على غزة.

هكذا شكل الجيش السوري والإرادة التي تقف وراء القرار، سنداً للمقاومات التي غيّرت وجه المنطقة في لبنان وفلطسين والعراق، وهكذا صارت سورية بجيشها المتعاظم القدرة وإرادتها السياسية الصلبة، المرجع العربي الأول، وبتحالفها مع المقاومة وإيران القلعة الثابتة، التي سيضعها الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان بعد نصر المقاومة في تموز 2006 في مكانة قلب الشرق الجديد، لتصير مع الصعود الروسي والصيني قلب العالم.

لذلك كانت الحرب التي لا هوادة فيها ولا محرّمات، حرب استباح فيها الغرب و»إسرائيل» لنفسيهما مع عرب وعثمانيّي حكومات النعاج كلّ شيء، الدين والمال والإعلام والمخابرات، وصولاً إلى صفقة وعد «الإخوان المسلمين» بتسليمهم قيادة العالم العربي ومعهم في الخلفية حجم تركيا العسكري والسكاني ومال وإعلام قطر، إنْ أسقطوا سورية، وبعدهم كان التعهّد لـ»القاعدة» بتنوّع مفرداتها، بتسليمها إمارة في سورية والعراق وأخرى في بلاد المغرب، إنْ نجحت حيث فشل «الإخوان».

فشل «الإخوان» و»القاعدة» بالتنفيذ، ولم يتمّ التسليم وفقاً للاتفاق، فصارت الحروب الجانبية لاسترداد الدفعات الأولى التي منحت لكلّ منهما، من مصر وتونس إلى ليبيا واليمن وصولاً إلى العراق وسورية، وهكذا هي الحرب على «داعش»، ومثلها صار المطلوب من الدول التي تعهّدت بتسليم رأس سورية، من قطر والسعودية وتركيا، أن تشارك بإعادة الدفعات الأولى التي قدمت لـ»الإخوان» و»القاعدة».

هذا هو المشهد الحقيقي الذي تعيشه المنطقة، لكن الخلفية الأشدّ حقيقية هي أنّ الجيش السوري والإرادة السورية، لا يزالان الحصرمة التي تفقأ حموضتها وملحها في عيون الأميركي و»الإسرائيلي».

هي حرب تشرين مستمرّة بأشكال أخرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى