يامن سليمان: سورية أمّ التاريخ وولّادة المعرفة والفنون… وفخورٌ بعقيدتي القومية القائمة على نهضة الأمة
حاورته رنا صادق
شاء ذاك الشاب الطموح المضي على أجنحة النجاح. داخله متشعّبٌ، فيه الحكاية بألف حكاية، ممزوجٌ بعشق أرضه سورية وفخورٌ بقوميته. تعيش فيه حتى الآن روح الطفل الشقيّ الذي يهوى اللعب، لعبة الحياة.
يامن سليمان ممثلٌ ذو شخصية شفافة، وميولٍ طامحة للمستقبل، مع إصرارٍ غير مستتر على إيمانه العقائدي. سوريّ قوميٌّ اجتماعيّ عن حقّ لأجل الحقّ، علاقته والحزب السوري القومي الاجتماعي عميقة وقديمة، إذ تأثر بمحيطه وبيئته من القوميين، وشاء المضيّ في رحلة قائمة على عقيدة سعادة للنهوض بالأمّة.
هواه الرياضة السياسة والفنون، وما بالك إذا اجتمع هذا المزيج بشخصية عفوية ضاحكة كتلك التي لدى يامن. إن أردنا إنصافه بالوصف، فهو شخصية متواضعة، رصينة وجذّابة، لديه مقدرة على جذب كلّ من حوله بخفّة ظلّه، ويترك تأثيراً إيجابياً عنه أنّى حلّ أو وُجد. احتكاكه خلال فترة المراهقة التي عاشها في طرطوس بأناس وأصدقاء يعملون داخل الوسط الفنّي، دفعه نحو خوض تجربة التمثيل.
شارك في سبعة أفلام سينمائية طويلة مع المؤسّسة العامة للسينما، أربعة أفلام مع المخرج جود سعيد هي: «بانتظار الخريف»، «مطار حمص»، «رجل وتابوت وثلاثة أيام»، و«مرّة أخرى»، وثلاثة أفلام مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد وهي: «العاشق»، «طريق النحل»، و«أنا وأبي وأمّي»، كما شارك في فيلم قصير بريطاني بعنوان «غرفة سمير». أعماله المسرحية متعدّدة ومنها: مسرحية «هدنة»، و«ليلة القتلة» من إخراج مأمون الخطيب، ومسرحية «المجنون» بالتعاون مع السفارة الدنماركية.
أما الأعمال الدرامية التي شارك فيها، فكثيرة، ونذكر منها: مسلسل «شتاء أخير»، «لست جارية» بشخصية «عادل» والذي عُرض في رمضان 2017، ومسلسل «بواب الريح» بشخصية «عدنان»، «سكّر وسط» بشخصية «عزّام»، «مذنبون أبرياء» بدور «ردّاد»، ويُجرى تصوير الجزء الثاني منه، إضافة إلى مسلسلات «شتاء ساخن»، «تحت سماء الوطن»، «زوال»، ونهايةً مع مسلسل «كعب عالي» بشخصية «كارل»، والذي سيُعرض قريباً.
كما شارك يامن في عدّة مسلسلات تاريخية ومنها «كليوبترا»، «القعقاع»، وشارك في مسلسلين مع قناة «المنار»، الأول «العقاب»، والثاني «ظلّ الحكايا».
ترعرع يامن في دمشق حيث ولد، وبقي في أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ حتّى سنّ السادسة عشر، ثمّ انتقل إلى محافظة طرطوس لإكمال تعليمه الثانوي، وما لبث أن عاد إلى دمشق، ودخل المعهد العالي للفنون المسرحية، عام 2004. تناقلت تفاصيل الطفولة بين طرطوص ودمشق، وأغلب ما كان يشغل طفولته لعب كرة القدم، إذ إنه تنقّل بين عدّة أندية ضمن الدوري السوري.
طموحٌ وتواضع
تجربته لا تنحصر ولا تضاهى، فإضافةً إلى كونه ممثلاً عن جدارة، عمل في مجال التقديم التلفزيوني، وبرهن ثبات مواهبه ومقدرته في مباشرة جميع الأعمال أمام الشاشة. بدأ مشواره مع التقديم على شاشة قناة «سما» الفضائية السورية، عبر برنامج «نوّرت سمانا»، مباشرةً على الهواء، ثم انتقل إلى التقديم الإذاعي، «فيوز أف أم» من خلال برنامج «352»، وهو برنامج رياضي. كان يستضيف فيه المهتمين بالرياضة. ثم قدّم يامن برنامجاً فنياً «فيش فيوز»، كان يستضيف خلاله نجوم الدراما السورية بصورة جديدة غير تقليدية، عبر الدخول في طفولة النجوم وهواياتهم، على طريقة «القعدة» خفيفة، حتى يتعرّف المستمع إلى الفنان بعيداً عن ثقل الشاشة ورسميتها. وهي مساحة للفنان لإبداء رأيه بالوسط، حول الدراما السورية بشكل خاص، والدراما العربية بشكل عام.
لم يتخصّص سليمان في الإعلام والتقديم، لكنّه اعتمد على نظرته الرؤيوية حول هذا الطرح وعمل به، وقد لاقى هذا النجاح من خلال إيمانه بموهبته، وطموحه في هذا لا حدود له.
وحسبما أشار إلى «البناء»، فإنّ التمثيل والتقديم يعتمدان على الثقافة العالية بوجهها الأصلي، كلّما ازدادت هذه الثقافة في القضايا التاريخية والاجتماعية وغيرها، واستُغلّت في المكان المناسب، كلّما نجح العمل الدرامي أو الإعلامي على حدّ سواء.
مغرمٌ باللعب، في حين أنه يعتبر كل هذه الحياة عبارة عن لعبة، نتحدّى فيها الصعاب والظروف كي نربحها. ومع التقدّم في العمر يصبح اللعب صعباً يحتاج إلى حنكة وذكاء بحسب رأيه. ازداد استخدامه لذلك من خلال مهنة التمثيل التي تعتمد بشكل كلّي على اللعب، من لعب الشخصيات والأدوار. فحين يتقن الفنان فنّ اللعب، يكون بذلك أتقن فنّ التمثيل.
أخلاق المهنة، الميزة الأولى للممثل الناجح، واحترام تعب الآخرين وعملهم وعدم التسلط والسرقة. هذه الأخلاق المهنية تختلف عن غيرها، هذه الأخلاق تكمن في احترام مواقع الأشخاص ومراتبهم وصفاتهم، وعدم سرقة أدوارهم، أو محاربتهم لسلبهم أماكنهم، مع العلم أن ملعب التمثيل شيّق ومتزاحم، في حين أنه قد تندحر الأخلاق إن لم تكن على بنية تحتية قوية بحسب سليمان. إثبات النفس في كل حين يبرز قوة الشخصية والجدارة وتأدية الدور. وتأتي بعد ذلك العفوية أمام الكاميرا، التي تخلق نوعاً من الارتياح لدى المشاهد تجاه الممثل، تضيف على الدور حيوية وطراوة، يحصد العفوي تقبّل الناس بالابتعاد عن التصنّع. أما عفوية الممثل خلف الكاميرا فتبقيه قريباً من الناس، وتجعله محبوباً من قبلهم، ففي نهاية المطاف رصيد الممثل هم الناس، لذلك العفوية هي باختصار تبادل المحبة، وهي من أبرز الصفات لصنع ممثل ناجح، إلى جانبها الثقة بالنفس، والهدف المنشود.
يحاول سليمان اليوم تقوية حس القيادة لديه، لشقّ طريقه نحو عالم صعب من التمثيل، لكن على المدى البعيد، بعد إشباعه بالخبرات والتجارب، والغوص في حلمه أكثر، حتى يكون في يوم من الأيام مخرجاً.
من الحروب إلى الفنون
سورية أنجبت دائماً فنانين، تاريخياً أنجبت الحضارة، والمعرفة والعلم والفلسفة، لذلك هي تمتلك هذه الموروث، حتى اليوم. ولذلك، بعد هذه الأزمة خصوصاً، الشباب هم من سيحملون الهمّ الأكبر في بناء سورية، بعد هذا الدمار، لدعم الشباب الحصة الأكبر في إعادة إعمار البلد، إن كان حجراً أم انساناً. إعادة إعمار الإنسان هي مهمة الشباب السوري الحالي، فالجيل القادم يجب تطهيره من عُقد الحرب، التطرّف التكفير وإلغاء الآخر، والعنف. كلّ سوري حمل جرحاً، نتيجة هذا الدمار، كما يشير سليمان، ونهوض سورية يكمن في شبابها فهم يمتلكون القدرة، ولا يختلف نهوضها عن غيرها من البلدان التي تعرّضت لحروب، وها هي اليوم بأحسن حال، كأوروبا، الشعب السوري قادر على هذه المهمة لكن بحاجة لدعم حقيقي. وقد بدأت المبادرات مع بعض الدعم على الأرض، ودود الشباب في الدراما السورية يغنيها، لأن قضايا الشباب لا يستطيع طرحها سواهم. ثقته بالشباب السوري عالية وسيشهد العالم سورية يوماً ما بأبهى حلّة.
أما عن رؤيته في خلق الحرب المبدعين، يعتبر أن الحروب تعطي مساحة لصناعة الإبداع، فالإبداع يخرج من رحم المعاناة، اذا نظرنا للتاريخ، عند الأوروبيين بعد خروجهم من الحرب العالمية الأولى ظهرت عندهم المدرسة العبثية، بالفنَ والأداء، ومثال ذلك، مسرحية «في انتظارغودو» للكاتب الايرلندي صمويل بيكيت. وتدور المسرحية حول رجلين يُدْعَيان «فلاديمير» و«استراغون» ينتظران شخصاً يدعى «غودو» الذي يعتبرانه الخلاص، بعد الدمار والقتل من جرّاء الحرب. وأثارت هذه الشخصية الكثير من الجدل، وهذا الإبداع ولد من رحم الحرب، تماماً كما يحصل الآن في سورية.
تنقسم مفرزات الحروب بين سلبية وإيجابية، السلبية هي التي تطغى ونراها دائماً كالفقر، التهجير والنزوح، الحرمان، القتل والعنف، الخطف، التطرّف والتكفير، ما يطرح هذه القضايا كإشكاليات يجب حلّها وتسليط الضوء عليها، لإيجاد الحلّ. عشّ الإبداع هو منوط من هذه القضايا، يتعشّش ويتجذر لينبت فنّا فريداً منها.. اذ بات الطرح اليوم ممزوجاً بالحرية ومعالجة القضايا أصبح ممكناً أكثر في ظل الأزمة بحسب قوله لـ«البناء».
عالمياً، الممثل جاك نيكلسون هو خاتم الفنّ بالنسبة إلى سليمان، معجبٌ بأدائه، كاريزما عالية وحضور ملّفت، أمّا على الصعيد المحلي، فيستمتع بمشاهدة بسّام كوسا، الراحل رفيق السبيعي، وخالد تاجا، سلّوم حداد، ومحمد حداقي.
أما عن الكوميديا في التمثيل، فهي الأحبّ إلى قلب سليمان، اذ يعتبر أنه من السهل إبكاء المشاهد، لكنّه من الصعب رسم بسمة على وجه من يعاني ظروفاً كالتي نعيشها. فالكوميديا تحدٍّ بالنسبة إلى الممثل. قريب الاداء الكوميدي لشخصيته كثيراً، فهو عفوي وطريف، يحبّ زرع البسمة أين ما كان. ويحاول ترك أثر إيجابي، حتى يبقى في ذهن من حوله ذاك المرح اللطيف.
«كعب عالي»
«كعب عالي» عمل كوميديّ، سوري ـ لبناني، هو مساحة جيدة في الوقت الراهن، لأنه كوميديا طازجة وخفيفة، وقريبة من المُشاهد. يستمتع سليمان إلى أبعد الحدود بأداء الأدوار المضكحة، لديه مخزون هائل من الشخصيات، والحكايات الطريفة، شيءٌ من تجاربه وشيءٌ من الناس، التي يتقبّلها الكلّ برحابة.
محبته للناس واضحة، عفويّ، مرحٌ ومتواضعٌ، محاطٌ بكم هائل من الأصدقاء، اذ يعتبر محبةّ الناس حوله هي رصيده، كلّما زادت المحبة والأصدقاء، زاد رصيده. فخور بجمهوره كثيراً. قريبٌ منه على صفحات التواصل الاجتماعي. من خلال أي فعالية يتعامل بودّ ورحابة مع المحيطن، كإنسان وصديق لا كممثل. ما يجمعه وجمهوره أكثر مما يفرقّه عنهم.
الشاب المتواضع الرياضي والممثّل البارع يبتعد عن فكرة الارتباط حالياً، يحاول أن يرى نموذجاً في شخص ما يمثل يامن في حبّه الرياضة السياسة والفنّ، كما أنه يشير إلى أن الظروف حتى اليوم لم تسمح بذلك.
وعن رأيه بالأعمال المشتركة، التي تضمّ ممثلين من جنسيات عربية مختلفة، فيقول: هذه الأعمال في الأغلب حصيلة مجموعة قليلة من الدول، إما سورية، لبنانية، إما سورية، لبنانية ومصرية، خفّ التعامل الفني بين سورية ومصر، بسبب المشاكل بين البلدين، لكن مصر وسورية ولبنان هي أكثر البلدان العربية التي تقوم بأعمال درامية مشتركة في الآونة الأخيرة. هذه التجارب تتأرجح بين النجاح حيناً والفشل حيناً آخر، وهذا الفشل منبثق عن خطأ في التركيبة، فأحياناً يضعون عائلة كل فرد منها من بلد، فهذا النوع ليس قريباً من الحقيقة، بالتالي صعب أن يتقبله المتلقي، ممكن للفنان أن يتدرب على اللهجات، لكن التمثيل ليس لهجة بل طباع، عادات، تقاليد وفكر، ومخزون كامل متكامل في بال الممثل حتى يتمكن من أداء الشخصية. ابن الشام يتصرّف حسب منوال معيّن، والمصري بحسب بيئته وكذلك اللبناني. لكن الأعمال الناجحة في هذا الإطار، هي الأعمال السورية اللبنانية، وذلك لقرب أطباع البلدين وعاداتهما، تاريخ وفلسفة ذاتها، معاناة واحدة، كل هذه العوامل تسهّل الأداء لا بل تنتج عنه أعمال فريدة وناجحة، والأهم أن التجارب اللبنانية ـ السورية في دراما أقرب إلى الحقيقة والواقع، ما يلبسها ثوب النجاح. وقد رأينا عدّة تجارب سورية ـ لبنانية لاقت صدى عالياً وحصدت إقبالاً كبيراً.
سورية العزّ
«نحن أمّة نحبّ الحياة، لأنها تحبّ الحرّية، وتحبّ الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحرّية»، قولٌ للزعيم أنطون سعاده شاء سليمان أن يختصر به جبروت الشعب السوري. فما مرّ به هذا لم يكن سهلاً، ورغم صعوبة الظروف وانعكاس التيار إلا أنه بقي صامداً، متمسكاً بالحياة، لأنه محبّ للحياة، لا بل من أكثر الشعوب المحبة للحياة. شعب سورية يقف في وجه الموت من كل جهة، قدّم الكثير من الدماء لكنه قدّمها من أجل الحياة.
ويضيف: نسعى إلى الحياة بكلّ ما استطعنا به سبيلاً، سننهض، نعمّر، نحيا ونفرح، كما كنّا وأكثر، ونعيد رسم التاريخ، وحين أقول سورية، يعني لبنان، سورية، فلسطين، الأردن العراق وقبرص. التاريخ الواحد. يهابون سورية لأنها خلّاقة، تنتج الإبداع، يبقون الحروب في دارنا لأننا إن عشنا بسلام سنجاريهم ونسبقهم.
وأخيراً، ودّ سليمان من على منبر «البناء» التي يعتبرها الناطقة بِاسم الحقّ، توجيه تحية إلى كلّ من يتواجد في سورية يدافع لاسترجاع الكرامة، وإلى كلّ المقاومين الأشراف في لبنان، واعتبر أن لبنان سيبقى قويّاً معزّزاً وشوكة في عين اليهود، وجّه تحية إلى حماة الديار، وأشار إلى أنه لولا الجيش السوري البطل و«نسور الزوبعة» والحلفاء الأخيار لما كنّا هنا، فاليوم نحن هنا بسببهم وبسبب تضحياتهم، بهم نحيا وننتصر، ولتحيَ سورية.