ما مصير الوساطة الفرنسية وأزمة الخليج؟
أنطوان شاربنتيي
كلنا يعرف تماماً أن الأزمة نشبت بعد قمة الرياض.
فالعربية السعودية تسعى لإنشاء نظام خليجي جديد خاضع كلياً لها، وباستطاعته التخفيف عنها وعن خسارتها المتفاقمة في سورية وخاصة في اليمن. فالعربية السعودية لا ترى، لا في قطر ولا في أي بلد خليجي آخر إلا بعد استراتيجي لسياستها في المنطقة. يجب التنويه أن هذا النظام الخليجي الجديد يسمح للعربية السعودية والبلدان المنضمّة إليه بالتنصل من دعمهم لحركات الإرهاب في الشرق الأوسط. التنصل من دعم الإرهاب يمنح العربية السعودية والدول الداعمة لها، عربية كانت أم غربية، بحجز دور لهم في إعمار البلدان الذي دمّروها.
السعودية كانت عارفة مسبقاً أن قطر لن تخضع للنظام الخليجي الجديد. قطر مختلفة مع العربية السعودية منذ بداية الربيع العربي ودعمها لحركة الإخوان المسلمين، التي بدورها لا تتوافق مع الفكر الوهابي، وتشكّل خطراً على مصر، ناهيك عن الصراع القائم بين الإمارات العربية المتحدة وقطر في اليمن. ترسل العربية السعودية من خلال الأزمة القائمة مع قطر رسالة واضحة إلى تركيا المستهدفة بدورها والمتصارعة معها على قيادة العالم الإسلامي وخاصة السني منه.
تدخل فرنسا على خط الوساطة الخليجية لوجود حل للأزمة بين قطر والدول الأربع المقاطعة لها.
أولاً: نلاحظ أن الرئيس ماكرون على مثال الرئيس ترامب يكثف من حركته السياسية الخارجية، لأهداف سياسية داخلية فرنسية. أما بالنسبة للوساطة الفرنسية لحل أزمة الخليج، فلن يُكتب لها النجاح، لأن الوساطة الأميركية والتي لديها كل مفاتيح الحل فشلت، فكيف تنجح فرنسا وهي الخاضعة تماماً لسياسة أميركا الخارجية؟ ففرنسا كألمانيا وبريطانيا تحاول لعب الوسيط لكي لا تُجبر يوماً على الخيار بين قطر والعربية السعودية، اللتين لهما استثمارات مهمة جداً في فرنسا وعلاقات تجارية ناشطة معها. لكن هناك نقطة أساسية. وهي دور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كساعي بريد في ملفات عدة. فرأينا كيف كان للرئيس الفرنسي اجتماع مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في صباح اليوم الذي وصل فيه الرئيس الأميركي إلى باريس. أما بالنسبة إلى وزير خارجية فرنسا لودريان، فذهب إلى الخليج عندما كان الرئيس الأميركي في محادثات مع نظيره الفرنسي في باريس.
وأكد جان – إيف لودريان في الوقت عينه دعم باريس للوساطة الكويتية لحل الأزمة بين دول الخليج وقطر. ما يبرهن أن وزير خارجية فرنسا ليس بجعبته أي اقتراح او مبادرة. بل هو ليس إلا بساعي بريد وذهابه إلى الخليج في هذا الوقت ليس هو إلا لإيصال رسالة ما…
أزمة الخليج ستطول، رفضت قطر مطالب الدول الأربع، وهي ماضية في عنادها، وتقيم علاقات تجارية مع تركيا وإيران، للاستعاضة بما يمكن أن تخسره بالحصار الاقتصادي القائم عليها من قبل الدول الأربع الخليج.
المستفيد الأول من هذه الأزمة هو الأميركي الذي يستنزف الجميع، وفي الوقت عينه يقبض المال من دول الخليج. بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ينفذ ترامب بعض الشيء ما قاله خلال حملته الانتخابية بخصوص دول الخليج.
هناك بعض التباين في المواقف بين الرئيس ترامب ووزير خارجيته تيرلسون. إنه من الواضح أن هناك صراعاً قائماً بين المؤسسات الأميركية، هذا الأمر مفروغ منه. من هذا المنطلق يكثف الرئيس ترامب بدوره حركته السياسية الخارجية وتكلمه عن محاربة الإرهاب لإقناع مناهضيه أنه هو أيضاً رجل المرحلة وليكفوا عن ملاحقته.
لكن هناك أيضاً توزيع أدوار بين المسؤولين الأميركيين المعروفين بالنفاق السياسي، والذين ممكن أن يظهروا مختلفين، لكن في الحقيقة هم متفقون في الكواليس. أما بالنسبة للتهديد المبطن الذي يطلقه الرئيس الأميركي بالنسبة إلى القاعدة العسكرية الأميركية في منطقة العديد القطرية قائلاً: « أن هناك بلداناً عديدة في العالم تستطيع. استضافة، القاعدة الأميركية.»
يستعمل الرئيس ترامب هذا التهديد المبطن لابتزاز قطر اكثر فأكثر تحت حجة حمايتها من ضربة عسكرية محتملة، من ثم إرسال رسالة إلى تركيا أنه ليس مرغوباً بتدخلها في أزمة الخليج، مع وجودها العسكري في قطر، الذي يمكن أن يكون له نتائج سلبية في حال حصلت حرب على قطر.
أخيراً يجب التنويه إن وقعت الحرب في بلدان عربية عدة، ولم يحرك الغرب بغالبيته ساكناً. بل بالعكس، بعض القوى الغربية شاركت، مولت وغضت النظر عن تفاقم الإرهاب في ليبيا، سورية، العراق واليمن. وها هم بعض القادة الغربيين يتحركون بسرعة البرق لحل الأزمة الخليجية، باسم المدنيين، ومحاربة الإرهاب. لكن الحقيقة هم يتوسطون لحل الأزمة لأجل العلاقات التجارية، المال والنفط.
نلاحظ أن عندما اقتربت المشكلة من جيوب الغربيين، تحركوا لإيجاد حلول للمشكلة. بينما نجدهم غير مبالين بخصوص الكارثة التي يعاني منها اليمن. أطفال اليمن يعانون منذ حوالي ثلاث سنوات من حرب ضروس، يموتون جراء الجوع، والعطش والمرض. الشعب اليمني يعاني من الإرهاب وتداعياته والمنادون بحقوق الإنسان مشغولون بتفاقم الأزمة الخليجية. باتت الأولويات متغايرة، والمال أولى من الإنسان…
صحافي وكاتب