حول المشاركة الفلسطينية في انتخابات «بلدية القدس»
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
في كلّ مرة تقترب فيها انتخابات بلدية الاحتلال في القدس يحدث جدل مقدسي وأبعد من مقدسي، حيث تخرج أصوات تطالب بالمشاركة في تلك الانتخابات، لأنّ عدم المشاركة فيها من وجهة نظر الداعين والمروّجين للمشاركة فيها، يعني سلبية المقدسيين تجاه حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والخدمية التي يفترض ان يقدّمها الاحتلال لهم مقابل ما يدفعونه من ضرائب قسرية لتلك البلدية وبالذات ضريبة المسقفات «الأرنونا».. وهناك مَن يتسرّب الى ذهنه وفكره وهم بأنّ المشاركة في هذه الانتخابات بكثافة قد تقلب المعادلة لتصل الأمور حدّ التطيّر عند بعض من يظنّ أنّ «إسرائيل» ستجد نفسها أمام رئيس بلدية عربي لما يسمّى بعاصمة دولة الاحتلال، ولربما يمنح هذا الرئيس صلاحيات اتخاذ سلسلة من القرارات توقف مشاريع الاستيطان في المدينة وتعطي العرب المقدسيين الكثير من الحقوق المحرومين منها في إطار مواطنة كاملة…
وعلى الرغم من أهمية حصول المقدسيين كمواطنين تحت الاحتلال على الخدمات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي باستطاعة المقدسيين إيجاد ألف طريقة وطريقة كي تجبر حكومة الاحتلال وبلديته لتقديمها لهم، من دون المسّ بحقوقهم ووضعهم كمواطنين واقعين تحت الاحتلال وعدم المشاركة في الانتخابات البلدية، فمسألة المشاركة في الانتخابات لبلدية «القدس» مسألة مختلفة تماماً عن المشاركة في أيّ بلدية او مجلس محلي في الداخل الفلسطيني – 48 -، حيث الجنسية «الإسرائيلية» القسرية المفروضة على شعبنا هناك. فالاحتلال يستهدف تشريع ضمّه لمدينة القدس واعتبارها عاصمة لدولته ولكلّ يهود العالم، ولا ينطبق عليها القانون الدولي كمدينة محتلة، ولذلك هو يعمل ليل نهار على تهويدها وأسرلتها وشنّ القوانين والتشريعات لهذه الغاية، والتي آخرها القانون المطروح من قبل حزبي «البيت اليهودي» و»الليكود» لمنع تقسيمها مستقبلاً، أو التخلي والانسحاب من الجزء الشرقي منها، وتسليمه للسلطة الفلسطينية او سلطة أخرى غير يهودية… ولذلك لا يجوز بأيّ شكل من الأشكال القفز عن الواقع السياسي للمدينة ومقايضة وتبرير المشاركة في انتخابات البلدية «الإسرائيلية» على أساس أنّ من شأنها أن تمنح المقدسيين خدمات وحقوقاً اقتصادية واجتماعية أكبر… فالجانب الخدمي أو المتعلق بالحقوق المدنية والخدماتية، هناك العديد من المؤسسات أو اللجان التي يمكن لكلّ قرية أو مؤسسة او على المستوى العام ان يستعين بها العرب المقدسيين لرفع قضايا ومطالبات لبلدية الاحتلال لكي تمنحهم هذه الخدمات من دون الغوص في شرعنة عملية الضمّ والتهويد أو ربطها بالمشاركة في الانتخابات البلدية… أو اعطاء الاحتلال صفة الديمقراطية! وبأنّ القدس مدينة لكلّ مواطنيها بغضّ النظر عن انتماءاتهم القومية، ولكي لا يبقى هذا الجدل كلّ عام قائماً يجب علينا ان لا نخلط بين السياسي والقانوني وبين الخدمي والمدني. وأنا أعرف تماماً وبدون لغة التخوين لأحد بأنّ هناك من يغذّي مثل هذا الجدل ويدفع نحو المشاركة في هذه الانتخابات. وهذه الأصوات خرجت ونادت بذلك في المؤتمر الذي عقدته جامعة القدس في قاعة الحمراء في القدس في ذكرى خمسين عاماً على احتلال المدينة… ولكم أن تتصوّروا ان تخوض قائمة عربية الانتخابات تحت شعار القدس عربية او نحو الانفصال عن دولة الاحتلال او بلدية الاحتلال، فعدا عن منعها من خوض الانتخابات سيكون مصير من ينادون بذلك الاعتقال والسجن… ولذلك ليست المسألة مسألة تخوين لمن يطرح وجهة نظر في قضية انتخابات بلدية الاحتلال والمشاركة فيها، بقدر ما هو تحذير من المخاطر المترتبة على مثل هذه المشاركة في ما يتعلق بوضع المدينة كمدينة محتلة وفق القانون الدولي، يفترض ان يزول عنها الاحتلال لا أن يتكرّس بموافقتنا ومشاركتنا .
في تجربة النضال من داخل المؤسسة «الإسرائيلية» «الكنيست» التي تبنّتها العديد من الأحزاب العربية، والتي خاضتها في الانتخابات الأخيرة الأحزاب المشاركة في الانتخابات في قائمة موحّدة، وحصلت على 14 مقعداً، وجدنا بأنّ ما سُمّي النضال من داخل تلك المؤسسة عدا انه أعطى صبغة ديمقراطية لدولة الاحتلال، وحتى أنّ كيان الاحتلال الذي يشهد مستوطنين وحكومة انزياحاً كبيراً نحو اليمينية والتطرف منذ عام 1996، لم يعد حتى معنياً بتكريس مثل هذا المظهر، فهو يتحدث الآن عن يهودية الدولة وضرورة الاعتراف الفلسطيني بها لقبوله بالعودة الى طاولة المفاوضات، وينظر للوجود العربي الفلسطيني كقنبلة ديمغرافية وغدة سرطانية يجب العمل على التخلص منها واجتثاثها بكل الطرق، مشروعة وغير مشروعة.
لذلك هذه المشاركة البرلمانية لقوى وأحزاب عربية، لم يكن لها تأثير جدي وحقيقي على أية قرارات لـ«الكنيست» «الإسرائيلي» ذات بعد وطابع استراتيجي، يحمي حقوق العرب الفلسطينيين ووجودهم، وخاصة ما يتعلق بالأرض وملكيتها، أو القرارات المتعلقة بالطابع الأمني والعسكري كالحروب العدوانية التي شنّت وتشنّ على شعبنا في قطاع غزة او سياسة الاغتيالات لقادة ميدانيين فلسطينيين في الضفة والقطاع.
ولذلك في ظلّ الحرب المفتوحة والمستمرة التي يشنّها الاحتلال بأجهزته ومستوياته ولجانه ومؤسساته كلها على شعبنا في مدينة القدس عبر سلسلة طويلة من الإجراءات والممارسات القمعية والتنكيلية والعقوبات الجماعية وسنّ المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية الهادفة لتهويد الأرض وأسرلة السكان، فإنّ الحديث عن أنّ المشاركة في الانتخابات لبلدية الاحتلال في القدس سيجعل الفلسطينيين أكثر قدرة على تحصيل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والخدمية من الاحتلال، ويصبحون اكثر قدرة على فرض وجهة نظرهم في ما يتعلق بقرارات المجلس البلدي، يفتقر إلى الكثير من الدقة والصحة. فالاحتلال لن يسمح بأيّ شكل من الأشكال في قضايا ذات طابع سيادي كالاستيطان والمخططات الهيكيلة وضمّ المزيد من المستوطنات الى ما يسمّى بالقدس الكبرى وغيرها، بأيّ تدخل فلسطيني. وما هو مسموح هنا هو تعبيد طريق هنا او هناك او زيادة عدد حاويات القمامة او غيرها، ولذلك الحقوق السياسية والقانونية لشعبنا الفلسطيني يجب عدم الخلط بينها وبين الحقوق الخدمية والمدنية، أو القفز عنها، والقول بانّ المشاركة في الانتخابات البلدية في القدس المحتلة ستحقق لشعبنا اللبن والعسل.
Quds.45 gmail.com