وامعتصماه…
بلال رفعت شرارة
طبعاً ستفعل «إسرائيل» هكذا وأكثر فلماذا ترانا نستغرب؟ ولماذا ترانا نتساءل أين العرب العاربة، والعرب المستعربة وتلك المستغربة؟ وهل يا ترى أحبّ أولئك فلسطين ذات يوم أكثر من وايت وستنغ هاوس ؟
لقد سبق أن قرّر الكنيست «الإسرائيلي» في الأرض المحتلة منع رفع الأذان، وسبق له أن أصدر قوانينً ! مجحفة لم تشهد لها البشرية مثالاً في تاريخ الاحتلالات، وصولاً الى حدّ اعتبار أنها – أيّ «إسرائيل» – تحرّر أرض «إسرائيل» من الشعب الفلسطيني الذي يحتلها وأنها تستعيد القدس «العاصمة الأبدية لإسرائيل».
سبق لدولة الاحتلال أن أطلقت عشرات المشاريع الاستيطانية واستولت على مساحات من الأراضي لا تقدّر أكثر من 42 في المئة من مساحة الضفة الغربية ، ونحن في كلّ مرة نتوقف قليلاً عند القرار الأخير بإنشاء عدد من الوحدات الاستيطانية الأخيرة.
لقد اقتلعت «إسرائيل» آلاف دونمات الأراضي المشجّرة، أتلفت المزروعات، غيّرت ملامح الجغرافيا في كلّ قرية عربية فلسطينية حتى يكاد المواطن في الأرض المحتلة لا يعرف طريق العودة إلى منزله بين موعد خروجه الصباحي وعودته المسائية.
إذن ليس مستغرباً أن تقوم سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» التي اعتقلت الشعب الفلسطيني كلّه على التوالي، وحوّلت فلسطين عدا المعتقلات الرسمية سجناً كبيراً – ليس مستغرباً – الآن أن تقوم بإغلاق المسجد الأقصى المبارك والطرقات المؤدّية إليه بوجه المصلين، ولا أن تقوم باعتقال مفتي الديار المقدسة الشيخ محمد حسين وباعتقال خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري.
أقول ليس غريباً أن تفعل «إسرائيل» ذلك، وهي ترى الانقسام الفلسطيني، وفشل كلّ محاولات الوساطات لإعادة توحيد الموقف والخطاب السياسي الفلسطيني، وهي ترى أكثر من ذلك أنّ كلّ شيء فلسطيني قابل للانقسام على اثنين حتى البني آدم وهذه رؤية مخيفة كان قد حدّثنا عنها الشهيد خليل الوزير أبو جهاد .
أقول كذلك لماذا نستغرب أن تستثمر «إسرائيل» على الواقع الفلسطيني والعربي، وهي ترى صورة المشهد العربي من المحيط إلى الخليج والوقائع التي تأخذ بيد نظامنا السياسي وبلداننا نحو المزيد من الدمار والهلاك والتشظي؟
ممّ ستخاف «إسرائيل» الآن، وهي تعرف انّ مصر المقيّدة إضافة الى كمب ديفيد لديها قلق شديد على المستقبل جراء سدّ النهضة الأثيوبي على النيل، ولديها مشكة الإرهاب التي تشغلها والعابرة كلّ حدودها السيادية والمهدّدة حدود مجتمعها ونسيجها الاجتماعي. وهي تعرف أنّ العراق بعد داعش لديه قلق جمّ جراء دعوة البرزاني الى الاستفتاء على استقلال كردستان. وقد بدأ كذلك الاحتشاد السني لرفع الحيف الرسمي عن المناطق السنية بالترافق مع المطالبة الشيعية بزيادة صلاحيات المحافظين ! . وسورية تقع في آتون حرب كونية – إقليمية وقد استحالت مدنها وأريافها حقول رماية بالذخيرة الحية، واليمن يقع تحت وفوق النار والتهديد بتقسيمه ستة أقاليم بعد أن أفشل في السابق تجربة تقسيمه ذات الشمال وذات الجنوب. وليبيا تتجه الى تلاتة ليبيا رغم خارطة الطريق التي أعلنها السراج وتضمّنت دعوته إلى استفتاء رئاسي وبرلماني. والسودان لا تهدأ فيه الأحوال وتونس لا تستقرّ والمغرب يقع تحت تهديد الأوضاع المطلبية. والجزائر لم تزل على منظار التصويب. هل ترى سيأتي علينا يوم ننتبه فيه إلى أنّ بوصلة لا تشير إلى فلسطين مشبوهة ؟
الآن «إسرائيل» تريد أكثر من ذلك. هي تريد ثمن السلام السوري. تريد اقتلاع أيّ تهديد أمني ضدّها من الجنوب السوري وتسعى إلى منطقة أمنية بعمق 30 كلم. وهي تريد لنا أن نقبل أن الفلسطينيين الذين كانوا يحتلون فلسطين هم مشكلتنا وأنّ على الأردن ولبنان بصفة خاصة توطين هذه المشكلة وأنّ على مصر أن تستوعب مشكلة غزة.
نحن يجب أن لا نستغرب غداً صدور قرارات غربية – شرقية، «إسرائيلية» في المستقبل بمنع التحدث باللغة العربية والصلاة بجمع أو طرح اليدين او إيقاد الشموع على المذابح. بمنع الاعتراف للراهب بل فقط للمحقق العسكري. ويجب ان لا نستغرب في «الشرق الأوسط الجديد»، إذا استيقظنا على قرار بمنع التجوّل، لأنّ كلباً شارداً أزعج الحاكم العسكري بالنباح قريباً من نافذته، ويجب أن نستعدّ للحظة منع الحج والعمرة والصلوات في المسجد النبوي الكبير، وكذلك في كنيسة القيامة. التبرير موجود: تهديدات إرهابية .
الآن يجري تأهيلنا لقبول تهويد القدس وغداً تهويد وأسرلة فلسطين كلّها وبعدها سنسقط من النيل إلى الفرات وبعد ذلك من المحيط الى الخليج!
وامعتصماه!
أينك…؟
هذا النظام العربي… أنماط السلطات العربية هذه ومعارضاتها. الكلام عن ثورة حتى النصر. الأناشيد للأرض والإنسان. كلها الآن لا تساوي شيئاً أمام قيام «إسرائيل» بنصب أبوابٍ إلكترونية لكشف المعادن على مداخل الحرم القدسي الشريف ووضع اليد على مفاتيح ثلاث من البوابات. أنا شخصياً أعتقد انّ «إسرائيل» أنتجت أجيالاً ضدّها نتيجة الإجراءات الاحتلالية والقمع والقتل والمصادرة وهذه الأجيال تعرف لغة «إسرائيل» و»قوانينها» و»دستورها»، وتعرف كيف تقاتلها ولو أنّ القوى غير متكافئة. أوليست العملية العسكرية التي نفذها ثلاثة من أبناء بيت لحم من عائلة الجبّارين خير دليل على ذلك. وهي قد استهدفت حسب المصادر «الإسرائيلية» نفسها موقعاً عسكرياً للحماية المركزة وهو من أكثر الأماكن مناعة في الشرق الأوسط .
أنا شخصياً، اتكل على الله وعلى أطفال الحجارة والشبرية ودواسة البنزين، ولا بأس أحياناً بالرماية بالذخيرة الحية على طريقة أبناء عائلة الجبّارين…