الورقة الأخيرة
الصمت عند الألم قمة الحكمة والشجاعة، وسورية المكلومة الجريحة طالما تحملت ظلم ذوي القربى فكيف بملح أبنائها الضائع يُرشّ على جراحها.
هي في قمة الألم وقمة الصبر، ليس ضعفاً ولكنه عض على الجراح إلى حين انقشاع الظلام ونهاية طريق الجلجلة.
عزة النفوس تضاهي جاه الملوك، وسورية العزيزة النفس صبرت لأنها تعلم أن الخاسر والموجوع هو «ولدي». لكن من لا يعرف قيمة بلده سيعيش على هامش الحياة.
متى يصبح حضنك قاسياً يا سورية؟؟
نسأل ونحن على يقين بأن الأم لا تقسو على أولادها حتى لو أودعوها دار العجزة.
ربما يغير بعض الأبناء جلودهم طمعاً في تحقيق مكاسب، ولكن عند التعمق أكثر يدركون أنهم أساؤوا الاختيار، وأن الخطوط تشابكت عليهم وأصبحت كل الطرق تؤدي إلى الاحتراق وهذا حال الأخوة الأكراد فمع بداية الحرب على سورية منهم من «غرّر به» كما جرت التسمية ومنهم من دغدغ حلم «كردستان الكبرى» خاصرتيه.
وقبل أن نغوص في توجهات الكرد في سورية وعلاقاتهم نعود بالذاكرة إلى الملك الناصر ولا أعتقد أن أحداً في العالم لا يعرفه «فاتح القدس» ويسجل له بأنه لم يغير اسمها إلى «قدسو» كما فعل الكرد بالقامشلي فأصبحت قامشلو.
ورداً على المقولة الكردية في أوساطهم الشوفينية بأنهم عانوا من التمييز العنصري في سورية نورد بعض التساؤلات.
هل حرمت سورية الشيخ أحمد كفتارو من منصب مفتي سورية لأنه كردي؟
هل مارس عميد الشيوعيين العرب خالد بكداش عمله من جزر القمر أم من سورية وهو من أصول كردية؟ هل نادى الرؤساء محمد علي العابد وحسني الزعيم بكردستان الكبرى؟ هل أساءت سورية يوماً لشهيد المحراب الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي؟
لقد بادلته الحب بالحب فسقط شهيداً كرمى عيون سورية وليس كرمى عيون كردستان الكبرى. وهنا أذكر أيضاً المرحوم عدنان بوظو شيخ المعلقين الرياضيين أيام الذهب، وجملته الشهيرة بعد كل هدف لسورية «الله الله يا سورية»، وأغلب السوريين لا يعرفون بأنه من أصل كردي، ولا يهتمون لذلك لأنهم كانوا سوريين على قلب رجل واحد.
هل لوح آل رشي في حيّ ركن الدين الدمشقي براية الكرد أم بالعلم السوري يوم غنى كبيرنا الفنان الراحل عبد الرحمن آل رشي «لالي لالي أنا سوري آه يا نيالي».
في المراحل المصيرية لا مجال لمجاملة أحد. قل لي من تحالف أقل لك من أنت. فمهما فعل التزوير فعلته في التاريخ وحتى في الجغرافيا فبعض الكلمات كفيلة بإنارة درب الحقيقة لمن يريد. لقد جرت رياح الفوضى الصهيونية والخراب الماسوني كما تشتهي سفن الرؤوس الكردية الحامية فكان بعضهم «جوكر أميركا في الشرق الأوسط»، تحتفظ به الولايات المتحدة في جيبها لأجل مسمى، وأغمضوا عيونهم عن حقيقة أميركا ففي عرفها لا وجود للسادة في التحالفات، الكل عبيد، ومهما قدمت من السلاح وسهلت العلاقات والاتصالات فالتبعية والارتزاق لها لا يصنع دولة، إنما عصابات وقطاع طرق.
في بداية الأحداث تعاملت الدولة السورية مع المسألة الكردية بلغة المشاعر وانتقلت بعدها إلى لغة العقل، وعاجلاً أم آجلاً ستنتقل إلى لغة القوة لدفن الفكر التقسيمي، فلا فدرالية ولا كونفدرالية ولا حتى دولة «كم» أو «نص كم»، سورية واحدة موحّدة رسمت خارطتها تضحيات هذا الشعب العظيم.
خيارت الأكراد في سورية كثيرة فراية صلاح الدين واضحة وضوح الشمس لمن أراد، إلا إذا صمموا أن يكونوا إسفين الخراب في هذا الشرق كابن تيمية وفكره الوهابي. هل يستجيب الأكراد للروح الفولاذية التي اتسم بها كمال جنبلاط ووالده أم يسيرون على خطى حفيدهم العاق ملك التكويعات وساعات «التخلّي» وليد جنبلاط كما فعل البعض في فكرة «روج آفا» فترك الباب نصف مفتوح وأطلق تسمية الشمال السوري منعاً للالتباس.
واهم من يعتقد أن الدولة السورية غافلة عن أي مفصل من مفاصل الجغرافيا السورية، وأن الصمت السوري سيطول، ولن تبقى الحروف بلا نقاط.
نعم نؤمن بدولة المواطنة وسنكون ضد أي فكر تقسيمي، قادم الأيام سيحمل الاجابات عن كافة التساؤلات، وقد تصدق تكهنات وتكذب تكهنات، وربما تصيب بعض التحليلات. بانتظار لطف القدر وشرفاء سورية ليعم الأمن والسلام في عاجل الأيام بلد الأحلام.
وسام أحمد