الانتفاضة الفلسطينية: 4 شهداء و200 جريح وعباس يجمّد التنسيق مع الاحتلال السلسلة الشرقية: المقاومة تُنجز المرحلة الأولى من العملية بالسيطرة على التلال
كتب المحرّر السياسي
دخل المسار الخليجي مجدّداً لتشكيل خط ثالث يواكب مسارين مفتوحين في حروب وأزمات المنطقة واحد في فلسطين ومحوره القدس وأقصاها، والثاني في لبنان ومحوره معارك المقاومة في السلسلة الشرقية للجبال الحدودية بين لبنان وسورية، حيث تسيطر النصرة وداعش. وإذا كان الصراع السعودي القطري حاضراً بصورة مباشرة في معارك النصرة والفصائل المسلحة في غوطة دمشق، وفي الكلام الخافت لتيار المستقبل تجاه معارك السلسلة الشرقية، كما أنّ التسابق الخليجي على خطب الودّ «الإسرائيلي» حاضر في الاتصالات السعودية «الإسرائيلية» لتشريع البوابات الإلكترونية التي نصبها «الإسرائيليون» على أبواب المسجد الأقصى، ومحاولات الوساطة التركية بعد نصبها، وظهور قطر كممثل لتركيا في الخليج مع المؤتمر الصحافي لأمير قطر ليل أمس الذي أكد استمرار الأزمة، بعدما دخل الأميركيون على خطها وبدلاً من تشجيع التسوية بين طرفيها حصروا التعامل مع الأزمة بالسعي لجني المزيد من المكاسب.
المذكرة الأميركية القطرية بدأت مفاعيلها بتعديل قانون مكافحة الإرهاب لإجازة تواجد مراقبين أميركيين في النيابة العامة القطرية والإشراف على الملفات القضائية، وخصوصاً توجيه ما يسمّى الاتهامات بالجرائم المالية والمتصلة بالإرهاب وتمويله، بينما الحدث كان سعودياً، فقد ردّ الملك سلمان الاعتبار للفريق أول عبد العزيز الهويريني الذي كان قد وضع في الإقامة الجبرية بقرار من ولي العهد محمد بن سلمان كواحد من أركان مرحلة ولي العهد السابق محمد بن نايف، وكانت «نيويورك تايمز» قد نقلت قبل أيام عن مسؤولين في وكالة المخابرات الأميركية «سي أي آيه»، احتجاجهم على إقصاء من يعتبرونه رجلهم في السعودية، ليصدر مرسوم ملكي بتسميته برتبة وزير مشرف على وكالة جديدة للمخابرات والأمن تجتمع تحت مظلتها كلّ الأجهزة الأمنية وتتبع للملك مباشرة كرئيس لمجلس الوزراء، تستعيد صلاحيات تشبه تلك التي كانت مع بندر بن سلطان يوم تسميته رئيساً لمجلس الأمن القومي قبل المجلس وتوزيع صلاحياته.
في القدس وفلسطين كانت حصيلة يوم المنازلة الكبرى مئتي جريح وأربعة شهداء، وإصابة عشرة عناصر من جنود الاحتلال وشرطته ومستوطنيه بجراح، بعد خروج عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مشهد تاريخي جمع الضفة الغربية وغزة والأراضي المحتلة العام 1948، واستنهض القوى الوطنية
وحركات المقاومة، ووصلت أصداؤه للسلطة الفلسطينية التي أعلن رئيسها ليل أمس تعليق وتجميد كلّ أشكال التنسيق مع سلطات الاحتلال. وهذا كان مطلباً دائماً لحركات المقاومة، خصوصاً أنّ التنسيق الأمني كان دائماً سيفاً مسلطاً على المقاومين يرتّّب اعتقالات تقوم بها أجهزة الأمن التابعة للسلطة لحساب مخابرات جيش الاحتلال.
في السلسلة الشرقية لجبال لبنان وسورية سارت خطة المقاومة لحسم عسكري متدحرج يُنهي وجود الجماعات الإرهابية للنصرة وداعش اللذين لم يُحرجهما ولم يُحرج الاحتلال الكشف عن العلاقة بينهم. فقد سجل المقاومون بسرعة انتصارت حاسمة على الجماعات التابعة للنصرة من محاور فليطة والكسارات وتمكنوا من اعتلاء التلال المرتفعة، خصوصاً تلة الهوة ورفعوا عليها أعلامهم بدلاً من أعلام النصرة، وبدأت اتصالات قادة ميدانيين للجماعات المسلحة في المنطقة طلباً للتفاوض والانشقاق عن قياداتها هرباً من هول المواجهات وكثافة القصف المدفعي والصاروخي والجوي ودقة الإصابات المحققة، وكان أهمّها ما قام به قرابة المئة من مسلحي سرايا أهل الشام ومثلهم جماعات من داخل النصرة، لتؤكد مصادر متابعة للعملية لـ»البناء» مع منتصف الليل نهاية المرحلة الأولى من العملية بقولها:
«1/ انتهت المرحلة الأولى من العمليات في جرود عرسال بتحقيق جميع أهدافها.
2/ المقاومة تتحكّم بالكامل بمجريات العملية.
3/ لا سقف زمنياً للعمليات. ونحن لسنا تحت ضغط الوقت، وندير العمليات بحسب الحاجة وظروف المعركة.
4/ ما تحقق من سيطرة على بعض التلال العالية 2500م. تجعل المقاومة متحكّمة بشكل أفضل بإدارة المعركة.
6/ توقيت العملية لا علاقة له بأيّ ظروف سياسية محلية او إقليمية، بل إنّ المعركة شبه معلن عنها منذ ما قبل شهر رمضان. وفي الأساس العملية هي استكمال لعملية تحرير القلمون الغربي منذ بضعة شهور.
انتهاء المرحلة الأولى من المعركة
لم يكَد الجيش السوري وقيادة المقاومة يعطيان إشارة الانطلاق لمعركة تحرير جرود السلسلة الشرقية، حتى بدأت الانهيارات والانشقاقات تعمّ صفوف التنظيمات الارهابية، التي انقسمت بين مؤيّد للتسوية والانسحاب الى داخل الاراضي السورية وبين من يريد متابعة القتال وعلى رأسهم مسؤول جبهة النصرة في القلمون أبو مالك التلي الذي حاول خلال مفاوضات ربع الساعة الأخيرة عقد صفقة تقضي بخروجه مع أمواله ومرافقيه عبر مطار بيروت الى إدلب السورية. وقد حصل تبادل لإطلاق النار ليل أمس بين مجموعة من سرايا أهل الشام وأخرى من النصرة في وادي الخيل في جرود عرسال.
وتحت غطاءٍ ناري كثيف، ووابل من غارات الطائرات وقذائف المدفعية الثقيلة، تقدمت وحدات حزب الله البرية فجر يوم الجمعة الماضي، باتجاه مواقع النصرة من محورين وباتجاهات متعددة لكل محور. الأول من بلدة فليطة السورية نحو مواقع «الجبهة» في القلمون الغربي، والثاني من جرود السلسلة الشرقية للبنان الواقعة جنوب جرد عرسال باتجاه مرتفعات وتحصينات إرهابيي «النصرة» شمال وشرق جرد عرسال.
وتمكّنت الوحدات الخاصة في المقاومة من السيطرة على موقع ضهرة الهوة وسهل الرهوة في جرود عرسال وسط اشتباكات على مسافة قريبة مع مسلحي «النصرة»، حيث أوقعوا قتلى وجرحى بصفوف المسلحين. ويعدّ موقع ضهرة الهوة «أهم المواقع في جرد عرسال، ويكتسب أهميته لجهة فتح الطريق أمام القوات للتقدم باتجاه وادي الخيل ووادي الدب»، وفق مصدر ميداني لـ«البناء».
وفيما اعترفت تنسيقيات المسلحين بسقوط 17 مسلحاً من «النصرة» في جرود عرسال، علمت «البناء» أن من بين القتلى «مسؤول موقع ضهرة الهوة واثنين من مرافقيه».
وفي جرد فليطة في القلمون الغربي، سيطر الجيش السوري وحزب الله على «تلة البركان» مكبّدين حاميته قتلى وجرحى بصفوف «النصرة»، تزامن ذلك مع تقدّم ملحوظ للجيش السوري وحزب الله على جبهات جرد فليطة، وتقدم للمقاومة في جرود عرسال باتجاه موقع «القنزح» و«وادي القرية» جنوب شرق جرد عرسال. كما استهدف حزب الله آليتين لـ «جبهة النصرة» على طريق فرعي جنوب وادي حميد بجرود عرسال ما أدّى لتدميرهما ومقتل مَن في داخلهما.
مصدر قيادي ميداني شرح لـ«البناء»، أهداف العملية قائلاً: «إن معركة اليوم أمس هي مرحلة أولى ضمن مراحل أربع، بدأت الأولى في الساعات الأولى من فجر أمس بعملية عسكرية هدفت لتطهير جرود عرسال والقلمون من المسلحين الإرهابيين»، لافتاً إلى أن «القيادة العملانية الميدانية وضعت خطة عسكرية محكمة وسريعة التحقيق في الأهداف وبأقل الخسائر»، مشيراً الى «أن المرحلة الأولى من الخطة نفذت بإحكام ودقة وسرعة وكانت الخسائر قليلة قياساً بحجم المعركة وضراوتها، وسط تكبيد الإرهابيين الكثير في العديد والعتاد والتقهقر وتطهير عشرات المواقع وبينها مواقع استراتيجية على المستوى العملاني الميداني وعمليات قطع إمداد المسلحين والأهم تأمين الجزء الأكبر من محيط بلدة عرسال اللبنانية». وأكد المصدر أن «مع تقسيم معركة الحسم لمراحل ميدانية أربع ذلك يعني أن لا وقت محدد للعملية. وهي ستتحدث عن نفسها وستسير وفقاً لمراحل تم التخطيط لها».
«الحجيري»: عرسال تشكر حزب الله
وفي حين تمكّن الجيش اللبناني وبجهود بلدية عرسال من تحييد المدينة ومخيمات النازحين الذين رفعوا الأعلام اللبنانية خلال المواجهة، وأكد رئيس البلدية باسل الحجيري لـ«البناء» أن «عرسال توجه الشكر لحزب الله على تحرير جرودها وتسليمها لأصحابها العراسلة بعدما عانت لسنوات من إرهاب وترهيب نفسي وتهديد مباشر وغير مباشر من المسلحين الذين مارسوا الإرهاب بتصرفاتهم معنا». ولفت الحجيري الى «أن بداية المعركة وضراوتها وشدّتها تشير إلى سقوط التفاوض والتسوية. فالحرب الدائرة في الجرود حرب حقيقية»، مشيراً إلى أن مخيمات النزوح تجاوبت مع «التنبّه لما يحصل والتزموا السكون والهدوء»، فالمرحلة دقيقة وعليهم «الالتزام»، ومن يخل فسنكون في «مواجهته»، وأشار الى أننا وزعنا على مخيمات النزوح «مئة علم لبناني بطلب منهم»، ما يدل على «استيعابهم وتفهّمهم».
وعن وجود قتلى من آل الحجيري قاسم حسين الحجيري وأبو خالد الحجيري قتلا اليوم في صفوف النصرة، أكد الحجيري «أن هذا تصرف فردي ولا تتحمّل عرسال ولا العراسلة المسؤولية ولا يعنينا ولا عرسال ولا العراسلة شيء، وحجمه محدود».
إجراءات الجيش
وعلى الضفة اللبنانية من الحدود، رفع الجيش جهوزيته واستقدم تعزيزات أمنية بهدف إحكام الطوق كاملاً على اطراف بلدة عرسال وفي داخلها ومحيط المخيمات لمنع أيّ تسلل وبهدف حماية المدنيين داخل البلدة. وأقفل كل المعابر من الجرود في اتجاه عرسال من خلال إقامة حاجز أمني طويل يفصل بين الجرود وعرسال من جهة ومخيمات النازحين من جهة أخرى. واستهدف مجموعة ارهابية حاولت الفرار في اتجاه عرسال آتية من وادي الزعرور.
كما استهدفت مدفعية الجيش اللبناني مجموعة للمسلحين في وادي الخيل الشمالي كانت تتحضّر للتسلل إلى مراكزه وحقق إصابات مباشرة.
..و«المستقبل» يتنصّل
وردّت مصادر مطلعة على بيان تيار المستقبل الذي اعتبر «مشاركة حزب الله في معركة الجرود خروجاً على مقتضيات الإجماع الوطني والمصلحة الوطنية»، مشيرة لـ«البناء الى أن «هذه المواقف لن تؤثر في معنويات المقاومين ولا في القرار الذي اتخذته قيادة المقاومة والجيش السوري بإنهاء هذه البؤرة الارهابية على الحدود». ووضعت المصادر كلام المستقبل في إطار محاولات التنصّل من مسؤوليته عن العملية أمام رعاته الإقليميين، ورفضه أن يكون جزءاً من القرار السياسي الذي يُغطي العملية المتمثل برئيس الجمهورية».
وأوضحت المصادر أن «العملية مستمرّة ولن تتوقف حتى القضاء على آخر ارهابي في الجرود وتنفذ وفقاً لنظرية المطرقة والسندان، الأول يمثله الجيش السوري وحزب والله وهو متحرّك، والثاني الجيش اللبناني وهو ثابت في مراكزه ومواقعه ويعمل على تبيث أمن منطقة عرسال المحيطة والحؤول دون تسرّب المسلحين الى داخل عرسال والقرى والبلدات المحيطة». وحذّرت المصادر من أخطار ثلاثة قد تحصل خلال المعركة، الأول أن يعمد تنظيم داعش الى قصف مخيمات النزوح في عرسال بالصواريخ واتهام الجيش أو حزب الله بهدف إثارة النعرات المذهبية وتحريض النازحين على الدولة اللبنانية، الثاني أن يقوم بعض أهالي المسلحين في المخيمات بفتح أبوابها أمام الإرهابيين ما ينقل المعركة الى المخيمات، أما الثالث، فهو اقتحام المسلحين المخيمات بالسلاح والانتحاريين والدخول اليها بالقوة، بعد أن يجدوا أنفسهم في حصار مطبق من جميع الجهات، وفي هذه الحالة سنشهد معركة بين الجيش والإرهابيين.
قاسم: نستكمل حماية الحدود
ورأى نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أننا «نخوض مواجهة في جرود عرسال وجرود القلمون من أجل ضرب مرتكزات ما تبقى من هذا المشروع المطلّ على الحدود اللبنانية والموجود في جوار بعض بلداتنا، التي تحتاج أن تتحرر من هؤلاء المعتدين المحتلين، سواء أكان أهلنا في عرسال أو منطقة البقاع بشكل عام. وهذه حلقة في سلسلة بدأت بتحرير القلمون ثم بعد ذلك بتحرير الزبداني ومضايا، والآن تستكمل كجزء لحماية كل الحدود اللبنانية من الناحية الشرقية ليطمئن اللبنانيون ويواجهوا هذا الخطر الذي برز بمفخّخاته وتفجيراته وعدوانه على اللبنانيين وعلى المنطقة كلها».
..ومواكبة رسمية
على المستوى الرسمي، تابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التطورات الأمنية على الحدود، وتلقى تقارير من الأجهزة الأمنية المعنية حول المستجدات، والاجراءات التي اتخذتها قيادة الجيش لمنع تسلل المسلحين عبرها.
كما واكب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق المعركة وتفاعلاتها في الداخل والتدابير الواجب اتخاذها لحماية المدنيين وسبل مكافحة شحن النفوس على مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، خلال ترؤسه اجتماعا استثنائياً لمجلس الأمن المركزي بحث وفق بيان صدر عقب الاجتماع في مواضيع بقيت طي الكتمان وأبقى جلساته مفتوحة لمتابعة التطورات.