الإعلام الإيراني.. ثقافة الوحدة والانفتاح وتناغم مع استراتيجية الدولة في الدفاع عن محور المقاومة
طهران ـ البناء
في إيران فائض حريات إعلامية، لكنّ هذا الفائض مضبوط على إيقاع الموضوعية والتزام القيم الأخلاقية ونشر الوعي والمعرفة.
في إيران ثمانية آلاف صحيفة يومية ومطبوعة دورية، ورقية وإلكترونية، وتشكل الصحف والمجلات المتخصِّصة نصف هذا العدد. هذا الكمّ من الصحف والمطبوعات متاحٌ لعموم الإيرانيين، وما هو لافت أنّ الصحف الورقية توزع مئات آلاف النسخ. فهناك نحو 190 صحيفة تصدر يومياً في إيران، وعلى سبيل المثال فإنّ صحيفة «إيران» التي تصدر باللغة الفارسية، وصلت معدلات توزيعها إلى نحو خمسمئة ألف نسخة يومياً.
لا تخضع الصحف والمطبوعات في إيران لرقابة مسبقة، ولا هي ناطقة باسم الدولة الإيرانية، بل إنّ عدداً كبيراً منها يمثل آراء واتجاهات قد لا تتوافق مع سياسات الدولة، وهي تمارس النقد بوتيرة عالية. ويؤكد القيمون على القطاع الإعلامي في الجمهورية الإسلامية أنّ الاختلاف في الرأي والمقاربات يوسّع مساحة الحوار ويفتح آفاقاً جديدة لما هو أفضل لإيران ومستقبلها.
يكفل الدستور الإيراني حرية الصحافة، والممنوع الذي لا تساهل فيه، هو النعرات ومخالفة النظام العام. وما يكفله الدستور، يترجمه مجلس أعلى للإعلام مؤلف من سبعة أعضاء هم: وزير الثقافة والإرشاد، نائب يختاره النواب، أستاذ جامعي، وثلاثة مندوبين يمثلون الحوزات العلمية، والهيئات الثقافية، وقطاع الصحافة.
يؤكد معاون وزير الثقافة حسين انتظامي الذي يضع زوّاره في واقع القطاع الإعلامي الإيراني في حديثه لـ«البناء» أنّ للحقيقة أوجهاً عدة، وأنّ تعدُّد الوسائل الإعلامية وتنوعها يُسهم في تقديم الحقيقة بكلّ وجوهها.
لا يكتفي الإيرانيون بالغنى والتنوع في صحافتهم، وهم يتطلعون إلى علاقات تعاون بين صحافتهم وبين صحف ومطبوعات عربية وأجنبية، على أن يحصل هذا التعاون ثنائياً بين الصحف، خصوصاً أنّ معظم الصحف والمطبوعات في إيران هي مؤسّسات إعلامية خاصة، وما تقدمه الدولة من مساعدات لهذه الصحف هو التزام بتعزيز الثقافة والحوار والعلاقات بين الشعوب، ما يؤكد أنّ الدوائر الإعلامية الرسمية في إيران تشجع صحافتها على إقامة علاقات تعاون علمي مع نظيراتها في العالم العربي وفي العالم ككلّ، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدلّ على عدم خشية طهران من الحريات، وما يستنتجه زائرها هو الاتجاه الواضح للاستثمار في الإعلام والثقافة والسياحة والتربية، انطلاقاً من أنّ الاستثمار في هذه القطاعات لا يقلّ أهمية عن الإنجازات الكبيرة التي تحققها إيران على مستوى الصناعات العسكرية.
الاستثمار في الإعلام ليس مجرد نظرية بل هو قرار يترجم بخطوات جدية. ومن النماذج وكالة «إرنا» الرسمية التي تصدر بسبع لغات، منها الفارسية والعربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية، وأقسام الوكالة موزّعة حسب اللغات والمناطق. ويعمل المحرّرون كخلايا نحل، وهناك جيش من المراسلين يتولون تغطية الأخبار والأحداث في طهران ومختلف المحافظات الإيرانية ومراسلون في الدول العربية والأجنبية كافة.
وكالة «إرنا»
من يزور مبنى وكالة «إرنا» ويجول في دورها وبين أقسامها، ويتحدث إلى المحرّرين ومسؤولي الأقسام، تتولد لديه قناعة بأنّ هذه الوكالة كناية عن إمبراطورية إعلامية تواكب الأحداث، وتشكل مصدراً للخبر الدقيق واليقين. وعند السؤال عمّا إذا كانت «إرنا» هي الإمبراطورية الوحيدة تكتشف أنّ هناك وكالتين «فارس» و«مهر» ولا تقلان أهمية عن «إرنا».
المدير العام لوكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء إرنا محمد خدادي، كان ينتظر في مكتبه بالوكالة، وبعد الترحيب أكد استعداد الوكالة لاستخدام الطاقات والآليات كافة في سياق تعزيز العلاقات بين طهران وبيروت وسائر الدول، وتحدث عن إنجازات الوكالة في شتى المجالات الخارجية والإعلامية المتناغمة مع السياسات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة في مجال الدفاع عن محور المقاومة، وأكد أنّ الموقف الإيراني الرئيسي يكمن في إقامة حوار مع جميع بلدان العالم ما عدا الكيان الصهيوني غير الشرعي.
صحيفة يومية للمكفوفين
وبعد زيارة مكاتب «إرنا» كانت زيارة لمكاتب صحيفة «إيران» التي تشكل، بدورها، إمبراطورية إعلامية كونها تصدر مجموعة صحف رديفة بأسماء ولغات مختلفة كالإنكليزية والعربية، إضافة إلى صحيفة يومية للمكفوفين «إيران سبيد»، وهي الصحيفة الأولى في العالم.
وفي اللقاء معه، يكشف مدير صحيفة «إيران» محمد فاضلي، عن الكثير من الجهد الذي يبذله الصحافيون في «إيران» والصحف الرديفة لها، فجميعهم أبناء مؤسّسة واحدة، والهدف دائماً هو توفير مادة إعلامية تفيد المواطنين، كلّ المواطنين، والتركيز على إصدار صحيفة للمكفوفين كي يكون الخبر والمعلومة والمعرفة في متناول الجميع.
بين اللقاء مع معاون وزير الثقافة والإرشاد السيد انتظامي وبعض المسؤولين في الوزارة، واللقاء مع مدير عام «إرنا» خدادي ومدير صحيفة «إيران» فاضلي، ترتسم صورة شبه مكتملة عن اهتمام إيران بقطاع الإعلام وتعويلها على هذا القطاع وعلاقاته لترجمة سياستها المنفتحة على التعاون مع جميع الدول، خصوصاً في العالمين العربي والإسلامي.
لا يجد الإعلام الإيراني حرجاً في تظهير الصورة على حقيقتها، فالمسؤولون في هذا القطاع يؤكدون أنّ الإنجازات السياسية والدبلوماسية التي حققتها إيران في المحافل الدولية، وخصوصاً الاتفاق النووي، يتكامل مع الإنجازات التي تتحقق على المستوى الدفاعي، إن في مواجهة الإرهاب، أو لجهة إنتاج الصواريخ والأسلحة الدفاعية الاستراتيجية. وهذان الخياران يمثلان سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وثوابتها، ولا يمكن احتساب هذا الخيار لفريق وذاك لفريق آخر، فكلّ الإيرانيين يقفون مع دولتهم في مواجهة التحديات.
الإعلام الإيراني وبالرغم من فائض الحرية الذي يتمتع به، إلا أنه لا يستطيع تجاوز الضوابط، خصوصاً بما خصّ النعرات الإتنية والطائفية والمذهبية، المرتكب هنا مدان، هكذا ينصّ الدستور الإيراني، ولذلك، لا نجد خطاباً إعلامياً يلجأ إلى إثارة النعرات في إيران.
ومن وظائف الإعلام الإيراني نشر ثقافة الوحدة بين الإيرانيين، وهذا الأمر هو من الأولويات والأساسيات بحسب القيمين على القطاع الإعلامي.
ليس الأمر ادّعاءً، ففي لقاء مع النائب الإيراني منصور مرادي في مبنى البرلمان وهو من الشريحة الكردية، يؤكد أنّ إيران دولة لكلّ مواطنيها، وتصنيف الإيرانيين طائفياً ومذهبياً وإتنياً، ليس تصنيفاً موضوعياً، لأنه ليس هناك مواطن في إيران درجة أولى ومواطن آخر درجة ثانية، فالكلّ إيرانيون وهم متساوون في الحقوق والواجبات.
ويشدّد مرادي على أنّ «النائب يمثل الأمة الإيرانية، وهو عندما يقوم بمهمّات التشريع، إنما يشرّع لكلّ الإيرانيين»، وفي هذا التشديد رفض ضمني للتصنيف الطائفي والمناطقي.
وحين يُسأل مرادي عن موقفه من الاستفتاء لاستقلال أكراد العراق، يبدي رفضه، ويقول: «سيواجهون مشكلات كبيرة».