عرسال تعيد للمقاومة ما خسرته في 7 أيّار
روزانا رمّال
ذلك اليوم المجيد الذي لم يَرِقْ لِكُثر على الساحة السياسية اللبنانية كان يوماً ماً «عنواناً» لمرحلة تحدٍّ عايشها حزب الله جسّدت انقساماً خطيراً كاد يأخذ لبنان ومعه المنطقة للحروب الفتنوية الطائفية. جهد حزب الله بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله لشرح أسباب تمجيده لهذا النهار، وهو السابع من ايار من عام 2008 من دون جدوى. فالخصوم المحليون انضووا بالكامل ضمن أجندة أميركية عربية في تلك المرحلة التي بدأت منذ عام 2005 بالتصاعد وصولاً لحادثة 7 أيار، حيث بدأت الحسابات وبدائل حزب الله وحلفائه تتحرّك في الملفات السياسية على صعيد المشاركة بالحكومة وحتى انتخاب رئيس للجمهورية توافقي في الدوحة هو ميشال سليمان، بعد أن اهتمت قوى دولية بإيقاف معركة حزب الله الداخلية التي استمرت بضعة أيام.
تلك المرحلة التي قرر حزب الله على مستوى كل فروعه الإعلامية والسياسية عدم التطرق لجدالات والدخول بسجالات، أكان بضيوف لحزب الله ونوابهم، أو حتى عبر تقليص مصادر الإضاءة إعلامياً على تحركاته المستمرة حتى هذا النهار، فهو قرر عدم الدخول بسجالات يُراد منها استدراجه نحو تصريحات فتنوية محلية ضمن الخطة نفسها المعمول بها لتشويه مهامه.
يُدرك الحزب أنه خسر في معركة السابع من أيار تلك الكثير من رصيده لدى الجمهور المقابل الذي كان يؤيد معاركة بالكامل مع «اسرائيل»، إضافة لجمهور عربي خليجي عريض ويدرك أيضاً أنها كانت مفصلاً تبدّل الصورة التي جنّد لتشويهها جهاز كبير منذ عام 2005 عشية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. وهو الأمر الذي استمرّ بتداعيات بتأثيرات موجودة اليوم، كالمحكمة الدولية واتهام قادة كبار من الحزب باغتيال رفيق الحريري، ومنهم أسماء قادة رحلوا خلال القتال في الأرض السورية وأشهرهم القائد مصطفى بدر الدين.
يُدرك حزب الله كل هذا التراجع في شعبيته محلياً، لكنه لم يتوانَ عن مسيرته الشاقة تلك. والأهم أنه لم يُعِرْ كثيراً آذاناً صاغية كي لا يُستفز او يبني على الشي مقتضاه، ألا وهو التحريض الاعلامي الذي لعب فريق استخباري غربي رفيع على تأجيجه طائفياً بين سنّة بيروت وشيعة الضاحية الجنوبية تارة، وأخرى بين سنة البقاع وشيعته.
تشهد شعبية حزب الله اليوم وبغضون أقل من 36 ساعة ارتفاعاً صاروخياً لافتاً للنظر تحمل اعترافات جهات محلية بصوابية خياره تماماً كانهيارات المسلحين أمام وقع ضربات مقاتليه بتسليم مفاده أنه سيربح المعركة بالتأكيد. وهو الأمر الذي يعود داخلياً لعوامل عديدة أساسية أبرزها:
اولاً: التوافق الداخلي بمروحة واسعة شملت أغلب الأفرقاء اللبنانيين بقيادة تيار المستقبل من الجهة المقابلة مع قناعة أن المتغيرات الإقليمية لم تعُد لصالحه.
ثانياً: ارتياح حزب الله وتحقيق بنود أجندته وحلفائه بسلاسة واضحة، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية تمسك فيه كمرشح وحيد لسنوات هو العماد ميشال عون وصولاً الى إقرار قانون انتخاب جديد وإقرار سلسلة الرتب والرواتب وانتزاع تغطية سياسية حكومية للجيش اللبناني بالشروع نحو عملية عرسال. وهي موافقة حملت غطاء ضمنياً لمشاركته والجيش فيها.
ثالثاً: الاستفادة من الأجواء التي أشاعتها الأزمة الخليجية بالتعامل المحلي مع تصنيف الجماعات المسلحة في الجرود ورفع الغطاء عنها، حتى باتت موافقة رئيس الحكومة الضمنية، حسب مصادر موثوقة بـ«البناء» مرتبطة بذلك أيضاً.
رفع أحد مقاتلي حزب الله بالأمس علم لبنان فوق تلة من تلال جرد عرسال البقاعية وأرفقها براية حزب الله الصفراء التي حرص أن تعلوها أرزة بلاده فقط. مقاتلو حزب الله يجيدون إرسال الرسائل كما قيادتهم كما بدا من ذلك. هم الذين يحرصون على صورة الإنجاز ودماء زملائهم يدركون جيداً أن كل ما يُراد لهم هو تشويه هذا النصر بانتقادات قديمة جديدة تتمحور بمعظمها عند نقطة وحيدة وهي تنفيذ الحزب لأجندة إيرانية خارجية.
لاوطنية حزب الله هي ذريعة هجمة خصومه عليه لسنوات، والأمثلة عديدة بحساباتهم، رفع علم لبنان هنا تذكير بأن هؤلاء المقاتلين عملوا أولاً وأخيراً من أجل هذه الأرزة أكان في سورية أو في لبنان، لأن العدو واحد والمخطط واحد. وهو الأمر الذي لم يقابله فيه المعترضون في وقت يستحيل بالنسبة لقادة حزب الله العسكريين فصل ما حيك لسورية عن لبنان، لا بل يرى بعضهم أن سورية دفعت ثمن تأييدها للمقاومة في لبنان واصطفافها الى جانب محور إيران وفتح حدودها أمام صواريخ حزب الله، إضافة لتمسّكها المبدئي باستحالة عقد سلام مع العدو «الإسرائيلي» من دون استرجاع كامل الحقوق العربية.
بالعودة إلى يوم حزب الله المجيد السابع من أيار 2008، فهو أكثر أشكال استهداف الوحدة السنية الشيعية «السياسية» التي مثّل تيار المستقبل صميمها، لتنفرج صورة واعدة اليوم بألسنة نواب بيروت في تيار المستقبل «السنّة» بإيجابية ملحوظة نحو مباركة عمليات حزب الله في جرود عرسال السنية. وهو ما يشكل عنواناً عريضاً وكبيراً جداً.
تعيد معركة عرسال ومن بوابة النصر الموثوق والحاجة التي لا مفرّ منها ولا مناص في التخلص من جيوب الإرهاب على الحدود اللبنانية تصحيح ما خسره حزب الله من شعبية في السابع من أيار بأصوات بيروتية بقاعية سنّية مستقبلية ستؤسس الكثير للمرحلة المقبلة، وستعمل على تغيير صبغة أريدت للحزب لسنوات ستتكفّل اليوم أيضاً بتغيير ذهنية جمهور عربي عريض كان قد هلّل لاسم نصرالله واختاره قائداً يوماً!