الكويت تعلن الحرب… على محاربي الإرهاب

د. وفيق إبراهيم

المساحات الضيّقة للغموض في المواقف لم تعُد موجودة في الخليج… ومع الهجوم الدبلوماسي الكويتي الجديد على إيران، والسياسي على حزب الله، تبدو المنطقة كمن تسربل بلبوس الحرب مترقّباً انطلاق الصافرة الأميركية للهرولة نحو مزيد من فقدان الحياء. فماذا يجري؟

تتواكب المؤشّرات المتزامنة والمترابطة التي تفسّر أسباب سقوط السياسة الكويتية في سلّة التصعيد الإقليمي والأميركي… إنّما لأسباب غير خليجية أو كويتية.

ولوضع الشيء مقابل نقيضه، تُستحسن استعادةُ انتصار حلب وتحريرها من الإرهابيين من قِبل التحالف السوري الروسي الإيراني.. وحزب الله، واستكمال تحرير أرياف حمص وحماة ودمشق وتدمر ومعظم البادية بمساحات تزيد عن 25 ألف كيلومتر مربع، وصولاً إلى حدود سورية مع الأردن والعراق. الأمر الذي أصاب الجسم الإرهابي في سورية بخلل بنيوي، وأصاب داعميه أيضاً… والكويت ليست منهم.

كذلك في العراق، حيث نجح جيشه وحشده الشعبي وسط سياسات عرقلة أميركية عمرها سنوات، وظهور إرباكات مذهبية بصناعات سعودية وتركية أمام تحرير مدينة الموصل، ومعها مساحات كبيرة لم تُبقِ للإرهاب إلا بؤراً صغيرة.

والكويت أيضاً، لم تكن من القوى المعرقلة أو المنخرطة في إطار الفتنة السنّية الشيعية. لجهة حرب اليمن، لم تشجّع الكويت عليها وظهرت أصوات فيها تعلن رفضها لها، وتحذّر من انعكاساتها، لكنّ الدولة الكويتية الحذرة من ردود فعل الرياض المتهوّرة أيّدت بطريقة مواربة، وصمتت.

أمّا عن المؤشرات الحديثة المتتابعة، فتبدأ بانتفاضة المسجد الأقصى حيث بدا الخليج وكأنّ فلسطين بالنسبة إليه تقع في آخر المعمورة، والمسجد الأقصى ليس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ما يكشف مدى عمق التنسيق الخليجي «الإسرائيلي» برعاية الأميركيين وسط غموض كويتي خجول يجنح للقبول خشية إثارة السعودية.

يُضاف إلى ذلك، مباشرة حزب الله مع الجيش السوري، وبتغطية ناريّة من الجيش اللبناني، بالقضاء على بضعة آلاف إرهابي يحتلّون منذ 2013 مرتفعات لبنانية وسوريّة على الحدود بين البلدين، يمارسون من خلالها إرهابهم ضدّ المدنيّين. لقد تمكّن حزب الله في يومين فقط من تحرير نصف ما كانت تسيطر عليه «جبهة النصرة» من قمم وكهوف ومغاور ووهاد، وكانت هذه السرعة السبب في بدء الإعلام الخليجي حرباً إعلامية مسعورة تحرّض مذهبياً وتقدّم تحرير الجرود وكأنّها حرب السنّة.

وبالتزامن مع هذه المؤشرات، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن عقوبات جديدة ضدّ إيران بحجّة أنّها تطبّق مبادئ الاتفاق النووي مع دول «الخمسة زائد واحداً»، لكنّها «تنتهك روحه» في واحدة من أغرب التّهم في العالم، أيّ عقوبات على «مواصفات الروح».

وتلتها عقوبات استهدفت حزب الله في الكونغرس الأميركي، وقد تعلَن في اليومين المقبلين إلى جانب إدانات خليجية وأميركية متواصلة لا تهدأ وتربط بين إيران والحزب.

أمّا ما كشف أبعاد هذه الاستهدافات، فكانت مقابلة مع مدير وكالة المخابرات الأميركية مايك بومبيو مع صحيفة أميركية أعلن فيها المخبوء المعروف. فماذا قال؟

أعلن أنّ بلاده تستهدف بقوّة إيران ونفوذها في «الشرق الأوسط»، معتبراً أنّ مرحلة الرئيس الأميركي الجديد ترامب لا تقبل بالغموض، بل تريد دكّ النفوذ الإيراني بدءاً بحزب الله الذي يُعتبر فرعاً أساسياً من الأجهزة الأمنية الإيرانية التي يجب العمل على تصفيتها ومعها أنصار حزب الله في اليمن، والحشد الشعبي في العراق والنظام الإسلامي في إيران، معلناً الحرب على إيران بكلّ ما أوتيت واشنطن من قوة، مضيفاً بأنّ الحزب يشكّل تهديداً استراتيجياً لأصدقائنا في «الخليج وإسرائيل».

لذلك يُصرّ «بومبيو» على تدمير ما أسماه الهلال الشيعي، معتبراً أنّ روسيا هي عدوّتنا الدائمة وكذلك كوريا الشمالية، محرّضاً دول الخليج على الوقوف في صف واحد ضدّ هذه القوى وأوّلها حزب الله وإيران.

فهل من باب المصادفات هذا التزامن بين التصعيد الأميركي على حزب الله وإيران، وبين عقوبات كويتية جديدة أدّت إلى خفض الجهاز الدبلوماسي الإيراني فيها إلى مستوى هامشيّ وطرد السفير الإيراني لأسباب وهمية غير قابلة للبناء عليها قانونياً؟

وهل هو تزامن غير مقصود، إعلان الكونغرس عن إعداده عقوبات تستهدف روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين، مع التصعيد الكويتي ضدّ إيران، الذي قد يتدحرج ليصيب كلّ الدول المستهدفة أميركياً وسعودياً؟

ولتوضيح «حكاية» خلية العبدلي التي بنت عليها الكويت لاتهام إيران وحزب الله، يكفي القول إنّ السلطات الكويتية تقول إنّها ضبطت أسلحة وذخائر وقاذفات وأجهزة تنصّت تكفي لتسليح كتيبة عسكرية كاملة في 2012، قرب نقطة ليست بعيدة عن حدود بلادها مع العراق، أي أنّها تبعد آلاف الكيلومترات عن إيران. واعتقلت كويتيّين وإيرانيّاً واحداً، فقالت إنّهم هم من نقلوا هذه المعدّات لأهداف تخريبية.

إنّ مدى هزالة هذه الاتهامات، يلوح في حجم الكمية الكبيرة للأسلحة المضبوطة التي تبدو وكأنّها معدّة لإعلان حرب وليس أعمال تجسّس وتخريب.

وهذا ما دفع بمحكمة الاستئناف الكويتية في 2015 إلى إطلاق سراح المتهمين، لضعف المعطى القانوني للإدانة. والمعروف قانونياً أنّ معنى إطلاق سراح المتهم تمهيداً لمحاكمات لاحقة، تختزن ما يشبه اليقين من محكمة الاستئناف أنّ المتهمين أبرياء. وإلا لما كانت سمحت بإطلاق سراح مشروط لهم، ويمكن للمشكّكين مراجعة هيئات قانونية للتأكّد من موضوعيّة هذا التحليل.

النقطة الثانية في الموضوع، التي تكشف بدورها عن الطبيعة السياسية الصرفة لمحاكمات خليّة العبدلي، وليس البعد القانوني، تتعلّق في أنّ حكومة الكويت ومحاكمها القانونية لم تتّهم حتى 2017 إيران أو حزب الله وراءها. فما الذي استجدّ قانونياً للذهاب نحو هذه الوجهة المفبركة؟ أليست تصريحات ترامب وبومبيو، وإصرار السعودية على منع سياسات الغموض البنّاء التي كانت تتقنها السياسات الكويتية، في هذه المرحلة بالذات! فالرياض بحاجة إلى جبهة خليجية قوية في وجه تركيا وقطر وإيران… ما يعني أنّها لا تحتمل أبداً سياسات خليجية تترقّب وجهة الخلاف للاحتماء من تبعاته، ولأنّ الكويت تخشى من انهيار علاقاتها بالسعودية الهائجة في هذه المرحلة، ارتضت بالسماح باستثمار «خلية العبدلي» سياسياً، فبذلك تحمي نفسها من شرور ابن سلمان على الأقلّ، وترضي واشنطن المعتمرة خوذة الحرب والجنون مع الرئيس ترامب وإدارته.

أمّا أطرف مجريات «خلية العبدلي»، فجاء على شكل إعلان كويتي يقلّد العقل الهوليودي الأميركي، ويقول إنّ المتّهمين الـ16 في خلية العبدلي فرّوا بزوارق سريعة إلى… إيران.

فكيف عرف القضاء الكويتي أنّ هؤلاء المتهمين فرّوا إلى إيران.. وبزوارق سريعة؟! ألا تنتمي هذه الاتهامات إلى «فصيلة» أنّ إيران لا تخرق الاتفاق النووي في مبادئه، بل تنتهك روحه؟

إنّ الكويت المرغمة على هذه الخيارات الجديدة، أرضت بها الاتجاه الحربي السعودي الأميركي، لكنّها لن تفعل أكثر من تبنّي قرارات سياسية، تعرف سلفاً أنّها للاستهلاك الدعائي في سياسات التصعيد ضدّ إيران، فتحتوي بها جنون الملك المقبل للسعودية، من دون أن تخسر استقرارها السياسي.

فحزب الله، كما تعرف الكويت بدقّة، منهمك في قتال الإرهاب و»إسرائيل»، ولا يمتلك مشروعاً للتغيير السياسي في الكويت، فهناك تنّين تكفيري يدكّ أمن المنطقة ومستقبلها، وكانت مرجوّة مشاركة بعض الخليج في ردعه. وهذا مستحيل في ضوء استكمال الحلف الأميركي السعودي «الإسرائيلي»، على أمل أن لا تكون الكويت جزءاً منه فتعرّض استقرارها للفوضى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى