غاب أذان الأقصى في ظلّ صمتٍ عربي مقيت
آمنة بدر الدين الحلبي
سبعون عاماً وفلسطين ترزحُ تحت كيانٍ صهيونيٍ مجرم، سبعون عاماً وفلسطين تعاني همجية الاحتلال «الإسرائيلي» وشظفَ العيش، ولم يهبّ لنجدتها أحد، أو من يخلّص شعبها من نير احتلالٍ صهيونيٍ عبثي إجرامي تمادى بأبشع صوره من القتل إلى التدمير ومن التهجير إلى التهويد، واستباح الأرض والعرض..
وأخيراً امتدت يده القذرة إلى الأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين، حين استفاقت مدينة أم الفحم على خبر فاجع محزن صباح الرابع عشر من يوم الجمعة لعام 2017م. إثر عملية فدائية تمّ استشهاد ثلاثة من شبابها لم يتجاوزوا العشرين من العمر، فاحتضنت رفاتهم الطاهرة ساحة المسجد الأقصى بمدينة القدس المحتلة، على أيادٍ صهيونية قذرة أمام نظر العالم أجمع من دون أن يهتزّ لهذا العالم الذي يكيل بمكيالين رمش، وكأن للكيان الصهيوني الحق في أرضٍ اغتصبها وعاث فساداً فيها.
وجاءت «عملية الجبّارين الثلاثة» في القدس كنتيجة حتمية للقمع الوحشي، مما أدّى إلى منع رفع الأذان والصلاة في أولى القبلتين وثالث الحرمين من قِبل سلطات الكيان الصهيوني وهي سابقة أولى، وخطيرة من نوعها، وللمرة الأولى منذ حرق المسجد الأقصى في آب 1969م، وكأن الأرض من حقهم وهم جاؤوا إليها مغتصبين من كل بقاع العالم، ومن حملة الجنسيات كلها، وأعلنوها حرباً شعواء، وأقاموا دولتهم الخرافية على جثث ورقاب أهلنا في فلسطين الحبيبة.
واليوم زاد حقدهم، وزادت شراستهم بإقامة حواجز حديدية تطوّق أسوار القدس القديمة، وتقيم أبواباً إلكترونية ليمر من خلالها المقدسيون تحت ذل وقهر وحرمان، والصمت العربي المقيت لا ينبس ببنت شفة.
أي ذُلٍ نعيش، أي صمتٍ نحيا، لا أمل ولا نجاة إلا بمقاومة الاحتلال «الإسرائيلي»، أمام اغتصاب أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فهل يعي العرب والمسلمون خطورة ما يجري بعد أن ألقت قوات الاحتلال قبضتها القذرة على الأقصى.
بحرابها الصهيونية تُوقف الأذان، وبأوامرها الشرسة مُنعت صلاة الجمعة فيه، وكل الصلوات، وبرصاص قناصيها تغتال المقدسيين، وتعتقل شبابهم، وشعوبنا تمارس لغة الصمت المقيت والغياب عن الواقع.
لِمَ هذا الصمت أمام الأقصى!! بعدما ملأت أصواتهم السموات السبع والأرضين السبع للجهاد في سورية وإعلان النفير العام خلال سبع سنوات عجاف، حتى دمروا أرضها وشتتوا شعبها، وسرقوا خيراتها، حتى الكيان تجرّأ ودقّ أسافينه في سورية ورفض وقف إطلاق النار في الجنوب بمساعدة الخونة والمارقين الذين هيَّجت أرواحهم، وأزاغت أبصارهم حفنة من الدولارات ليكونوا عملاء للصهاينة، خونة للوطن، وسوف تكون نهايتهم مثل غيرهم على يد المقاومة الشريفة.
ولم تشفع هامة مفتي القدس والديار المقدسة محمد حسين له بل امتدّت يد الاحتلال في تصرف عنصري حاقد لاعتقاله وهو يؤم صلاة الجمعة مع جموع المصلين عند باب الأسباط، الرئيسية للمسجد الأقصى، وأُفرج عنه بكفالة قيمتها 10 آلاف شيكل.
من هؤلاء الوحوش الذين جاؤوا إلى ديارنا وصنعوا فساداً في أرضنا وشتتوا شملنا، واغتصبوا مقدساتنا وحرمونا من صلواتنا، وها هم يحلمون بحدود أوسع، فأتوا من كل بقاع العالم بمرتزقة مرتدية السواد الحالك، وزرعوها في سورية الحبيبة في أرض الياسمين، بمساعدة عملائهم ليكملوا مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعته سالومي العصر بعد دراسات جمّة من كسينجر إلى بوش الثاني الذي دمّرَ العراق وكسر قلوب العراقيين، لكن لم يكسر شموخهم.
سالومي العصر التي أعلنت عن مخاض عسير لشرق أوسط جديد غير آبهة ببراءة الأطفال، مغتالة الآمال، ضاربة عرض الحائط بالدماغ العربي، من أجل أمن «إسرائيل»، من فلسطين إلى لبنان، ومن سورية إلى العراق، تعيث فساداً بعد فساد، وانتهت بمنع الأذان وقفل الأبواب في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
مهما فعلوا لم يثنوا إرادتنا عن المقاومة، ومهما وضعوا حواجزا حولنا لم يكسروا شموخنا، ولا كبرياءنا، مهما قتلوا أولادنا وشبابنا فأرضنا ولادة ستنجب الأبطال الميامين دفاعاً عن الأرض والعرض، وإن صمت العالم بأسره، ستبقى المقاومة سيدة الموقف، لأنها تدرك تماماً مَن قتل أنبياء الرحمن؟؟ مَن مزّق الشعوب واغتصب الولدان؟؟ من اغتال الكلمة والحرية وقمع الإنسان؟؟ من احتلّ القدس وحرق الأقصى وقفل أبوابه ومنع الأذان؟؟؟ مَن دمّر سورية وقطع الرؤوس وحلّل دم الإنسان؟؟ «انفذوا. لا تنفذون إلا بسلطان».
يا رجال العرب، يا مثقفي العرب: فلسطين أنا… أناديكم كفاكم صمتاً مقيتاً وغياباً عن الواقع. أناشدكم أن تنهضوا إكراما لقدسكم ومقدساتكم فأنا الأم العربية.
أخطأ من قال إني لست عربية
قطَّعتم أوصالي، قسَّمتم قلبي…
خنجرٌ مسموم باسم العنصرية…
وجدارٌ طويل يفصل بطيني…
عن أذيني إكراما للصهيونية…
القدس أنا… فلسطين أنا…
أنقذوني أنا الأرض العربية…