كيف يستثمر حزب الله معركة الجرود داخلياً؟
محمد حمية
لم يسبق لحزب الله أن استثمر انتصارات المقاومة العسكرية في المعادلة السياسية الداخلية، إنْ على صعيد الصراع مع «إسرائيل» أو المواجهة مع التنظيمات الإرهابية في المنطقة، بل سعت جاهدة إلى تصويرها كإنجازات وطنيّة وليس لحزبٍ أو لطائفة.
محطّات مفصليّة في لبنان والإقليم حقّقت فيها المقاومة انتصارات عسكرية أحدثت تحوّلات استراتيجية في المنطقة، شكّلت فرصة ثمينة لتثميرها في الولوج إلى «جنة السلطة» من بابها الواسع ومن موقع المنتصر، لكنّها لم تسيّل فائض قوّتها العسكرية والتسليحيّة والأمنيّة والبشريّة، وتضحياتها الجِّسام لتحصيل المغانم والمكاسب السياسية والمادية، ولم تدخل في لعبة المحاصصة في الصفقات والسمسرات المشبوهة وغير المشبوهة، رغم كلّ الإغراءات المحلّية والخارجية.
فلم تتغيّر حصّة حزب الله في التركيبة الحكوميّة والنيابيّة بعد تحرير الجنوب عام 2000، ولم تتطلّع المقاومة إلى دورٍ في السياسة المحلّية بعد انتصار تموز 2006، باستثناء ما يتّصل بدورها في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» وحماية ظهرها في الداخل، كما لم يستولي الحزب على الحكم بعد أحداث 7 أيار 2008 ولم يطلب ثمناً سياسياً لمشاركته في دفع الخطر الإرهابي عن لبنان ودول المنطقة، لكن هل سيكون الانتصار على تنظيم «جبهة» النصرة مختلفاً؟ وما هي التداعيات على الواقع الداخلي؟
بالطبع لن تسعى قيادة المقاومة اليوم إلى مقايضة الإنجازات التي يحقّقها المقاومون في الجرود العرساليّة المحتلّة منذ أربعة أعوام، بتغيير النظام السياسي بما يؤدّي إلى خدمة مصالح حزبيّة أو طائفيّة أو إقليميّة، لكن في المقابل ستفرض الانتصارات العسكريّة نفسها على الواقع السياسي والأمني في لبنان، كيف؟
زوال الخطر العسكري الذي يتهدّد الداخل اللبناني وتضاؤل التهديد الأمني جرّاء تواجد تنظيمَيْ «داعش» و«النصرة» على الحدود
قطع شريان التواصل بالتعاون مع الجيش اللبناني بين مقاتلي «النصرة» ومخيّمات النازحين السوريّين، ما ينزع ورقة تحريك المخيّمات أمنيّاً وعسكرياً عند الحاجة، وهنا كان مكمن الخطر.
فقد تيّار المستقبل و14 آذار ورقة أمنيّة وعسكريّة للابتزاز والضغط على حزب الله غبّ الطلب، إذ كان هذا الفريق يلوّح بورقة الإرهاب عند كلّ محطة سياسية لانتزاع المكاسب من الحزب وفريقه السياسي.
تأمين الخاصرة اللبنانية لسورية، حيث لم تعد عرسال والجرود الحدودية بؤرة إرهابيّة وقاعدة خلفيّة لاستعمالها كطريق إمداد المسلّحين المنتشرين في الجبهات الدمشقية.
إنهاء الوجود الإرهابي على الحدود سيفرض على الحكومة الحاليّة مقاربات جديدة لأزمة النزوح وللعلاقات اللبنانيّة السوريّة، وإسقاط مقاربة فريق المستقبل وداعميه الإقليميّين والدوليّين لمعالجة مشكلة النازحين، وربطها بالحلّ السياسي وإنهاء الحرب في سورية.
تثبيت وتكريس معادلة الجيش والشعب والمقاومة لمواجهة الإرهاب وأيّ عدوٍ خارجي، لا سيّما العدو «الإسرائيلي». وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الجيش هو من بدأ المعركة في الجرود، من خلال تضييق الخناق والحصار على الإرهابيّين في الجرود وقطع التواصل بين المخيمات والمقاتلين في الجرود، الأمر الذي حمى ظهر المقاومين وسهّل تنفيذ العملية.
لم يستطع تيّار المستقبل إخفاء الحرج الذي وقع فيه بعد انطلاق المعركة، التي أصابت نوّاب الكتلة الزرقاء بالإرباك، فلا موقفاً موحّداً في ظلّ غياب رئيس الحكومة سعد الحريري، لكن ما ظهر من مواقف تتلخّص باعتبار «الجيش والقوى الأمنيّة الشرعيّة، الأداة الحصرية للدفاع عن لبنان واللبنانيين وحماية الحدود ومطالبة الحكومة بتمركز الجيش في المناطق التي ينسحب منها المسلَّحون، والطلب بتوسيع صلاحيات قوّات اليونفيل لحماية الحدود الشرقيّة مع الجيش»، يفرض تساؤلات عدّة برسم المستقبل نفسه لماذا تقاعست الحكومات السابقة، ومنها الحكومة الحالية الذي يعتبر المستقبل جزءاً أساسياً منها، عن توفير الغطاء السياسي للجيش للتوجّه إلى الجرود وتحريرها، واستئصال الإرهاب الذي يهدّد أمن مدينة عرسال واستقرار الوطن؟ لا سيّما أنّ البيان الوزاري للحكومة واضح لجهة ضرب الإرهاب استباقيّاً ودفاعيّاً وردعيّاً، ولماذا لم يدعُ المستقبل إلى مناقشة ملف عرسال في مجلس الوزراء، وتقديم الاقتراحات والحلول البديلة عن تدخّل حزب الله الذي طالب مراراً وتكراراً على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الدولة بتحمّل مسؤوليّاتها على هذا الصعيد؟
أمّا دعوة أحد نوّاب «التيّار» بأن تبقى عرسال في حضن الشرعيّة، يستوجب السؤال التالي: هل دخلت قوّات الحزب إلى عرسال؟ وهل يعرف النائب أنّ عرسال خارج منطقة عمليّات الحزب وأنّ الجيش مكلّف بمهمّة حمايتها وحماية النازحين أيضاً؟ وهل من سلّم الجيش المناطق المحرّرة على الحدود الشرقية منذ حوالى شهرين، سيُبقي قوّاته في جرود عرسال ذات الحساسيّة المذهبيّة؟ وهنا تؤكّد مصادر مطّلعة لـ«البناء»، أنّ «حزب الله، وفور انتهاء المعارك، سيسلّم الجرود اللبنانية التي حرّرها إلى الجيش عندما يطمئن إلى أنّ خطر الإرهاب قد زال عن الحدود».
صحيح أنّ المقاومة غير معنيّة بالتفاصيل الداخلية الضيّقة، لكنّها تعي جيداً أنّ لبنان القادم لملاقاة تحوّلات المنطقة الكبرى، يجب أن يكون خالٍ من الإرهاب ومحصّناً من أيّ محاولة للاستثمار على هذا الإرهاب في الداخل، وبالتالي عليه أن يتحضّر لحفظ موقعه في إعادة رسم الخارطة الجيوسياسيّة في المنطقة، منسجماً بشكلٍ طبيعي مع محيطه الجغرافي والتاريخي وانتصارات سورية والعراق. وبالتالي، فإنّ أولى الثمار الوطنيّة لإنجاز معركة الجرود المترافق مع الحملات الشعبيّة الداعمة للمقاومة، ستكون فتح باب الحلّ لأزمة النازحين، وإعادة النظر في العلاقات مع سورية، وإخراج لبنان عسكرياً وأمنيّاً وفكرياً من العصر الإرهابي وحفظ سيادته واستقلاله، والحدّ من التأثير الخارجي على حكومته وقراره السياسي بعيداً من إغراءات السلطة ومغانمها.