روسيا تتوعّد بالردّ على عقوبات أميركية جديدة والاتحاد الأوروبي قلق ويستعدّ للرد!
أبدت روسيا أمس «غضبها» إزاء العقوبات الجديدة التي أقرّها مجلس النواب الأميركي ضدّها، فيما أعرب الأوروبيون عن «قلقهم» حيالها، مؤكدين «عزمهم الدفاع عن مصالحهم في وجه احتمال معاقبة شركاتهم».
وأقرّ مجلس النواب الأميركي أول أمس بأكثرية ساحقة 419 صوتاً مقابل ثلاثة أصوات مشروع قانون يفرض عقوبات جديدة على موسكو ويُبعد أكثر إمكانية تطبيع العلاقات الثنائية التي يسعى إليها الرئيس دونالد ترامب.
وتنعكس هذه العقوبات الجديدة على وحدة الموقف الأميركي الأوروبي في وجه روسيا، منذ أن ضمّت موسكو القرم عام 2014، وبعد حرب أوقعت أكثر من عشرة آلاف قتيل في شرق أوكرانيا، إذ تجيز معاقبة شركات أوروبية.
وستبحث دول الاتحاد الأوروبي رداً محتملاً في اجتماع في بروكسل.
كما تشمل المذكرة القانونية التي ما زال ينبغي إقرارها في مجلس الشيوخ، عقوبات على إيران تستهدف خصوصاً جهاز الحرس الثوري المتّهم بدعم الإرهاب، وعلى كوريا الشمالية بسبب تجاربها الصاروخية.
وأعلن المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، بهذا الصدد للصحافة «أن الرئيس فلاديمير بوتين سينتظر حتى يقرّ الكونغرس بمجلسَيْه العقوبات الأميركية الجديدة قبل أن يقرّر بشأن الردّ عليها»، موضحاً «بما أنه مشروع قانون لن نعطي تقييماً جوهرياً في الوقت الحاضر»، مضيفاً «لننتظر حتى يصبح هذا قانوناً».
فيما حذّر نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف بأنّ «هذه الأعمال لن تمر بلا رد»، حسبما نقلت عنه وكالة «تاس» الرسمية الروسية، مؤكداً أنّ «موسكو لن تنساق للعواطف بل ستعمل في سبيل التوصل إلى تسويات بشأن مسائل مهمة لروسيا، وللولايات المتحدة، مثل مكافحة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل».
وقطع النواب الأميركيون الطريق على الرئيس ترامب الساعي إلى مد اليد إلى نظيره الروسي، رداً على حملة «تضليل وقرصنة» أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام الفائت اتهمت موسكو بتدبيرها.
كذلك أشار النواب الأميركيون في سياق تبرير العقوبات إلى «ضمّ القرم والتدخل الروسي في أوكرانيا».
ورحّب الرئيس الاوكراني بترو بوروشنكو بـ»قرار مهم»، مؤكداً عبر تويتر أنّ «الثمن المترتب على الاعتداء يجب أن يرتفع!».
وإلى تعزيز التدابير التي تستهدف الاقتصاد الروسي، ينص مشروع القانون على آلية غير مسبوقة تثير استياء البيت الأبيض وتقضي باحتفاظ النواب بحق التدخل في حال قرر ترامب تعليق عقوبات سارية على روسيا.
وفي حالّ أقر مجلس الشيوخ النص، يحق لترامب رفضه وعندها يتعيّن جمع أكثرية الثلثين في الكونغرس لتجاوز الفيتو الرئاسي. وقضت العادة أن يتفادى الرؤساء هذه الإهانة بإعلان الدعم المتأخّر للتشريع المعني.
من جهة أخرى، أثارت المبادرة الأميركية الاستياء من باريس إلى برلين مروراً ببروكسل، لأنها اتخذت من طرف واحد، بعدما كان يجري حتى الآن التنسيق بين أوروبا والولايات المتحدة قبل فرض عقوبات على روسيا حول القرم حرصاً على وحدة الصف بين جانبي الأطلسي في مواجهة موسكو.
ودعت المفوضية الأوروبية إلى «وجوب الأخذ بمخاوفها»، وقال رئيسها جان كلود يونكر في بيان «إن مشروع القانون الأميركي قد تنجم عنه مفاعيل أحادية ستترتب عليها عواقب على مصالح الاتحاد الأوروبي على صعيد أمن الطاقة».
وأضاف يونكر «في حال لم يتم الأخذ بمخاوفنا بالشكل الكافي اليوم، فإننا على استعداد للتحرك بالشكل المناسب في غضون بضعة أيام»، مردداً تهديداً صدر عنه في أيار بعد محادثات مع الرئيس الأميركي.
كما أكدت المفوضية الأوروبية «جاهزيتها لاتخاذ خطوات مضادة في غضون أيام معدودة، في حال توسيع قائمة العقوبات الأميركية على روسيا من دون مراعاة المصالح الأوروبية».
وحذرت المفوضية في بيان لها من أنّ «اتخاذ واشنطن إجراءات عقابية جديدة بحق روسيا قد يجلب تداعيات سياسية سلبية».
وأعربت دول أوروبية عدة في مقدمها ألمانيا وفرنسا عن الغضب، لأنّ القانون «سيتيح للرئيس الأميركي فرض عقوبات على الشركات العاملة على خطوط غاز من روسيا من خلال الحد مثلاً من إمكانية وصولها إلى المصارف الأميركية أو استبعادها من الأسواق العامة في الولايات المتحدة».
وأعربت الخارجية الألمانية عن «قلق برلين إزاء مشروع القرار الأميركي الجديد»، بالرغم من تمكن الاتحاد الأوروبي من إقناع واشنطن بإدخال تعديلات مهمة عدة في هذه الوثيقة.
كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن شيفر أثناء مؤتمر صحافي «إحراز تقدم واضح في المشاورات الأوروبية الأميركية بشأن هذه المسألة خلال الأسابيع الـ4 الأخيرة»، موضحاً أنّ «نص المشروع أصبح أكثر ملاءمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي وحكومة برلين مقارنة مع ما كان عليه قبل 4-6 أشهر».
في الوقت نفسه، شدّد شيفر على أنه «لا يمكن أن تنتهج الولايات المتحدة سياستها الاقتصادية تحت غطاء العقوبات»، مذكّراً بأنّ وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل والمستشار النمساوي كريستيان كيرن قد أعربا قبل 4 أسابيع عن مخاوف بهذا الصدد.
وأردف المتحدّث باسم الخارجية الألمانية «أنه لا ينبغي أن تصبح العقوبات الاقتصادية آلية لسياسة واشنطن الصناعية»، وقال: «لا يحق للولايات المتحدة الإملاء على الشركات الأوروبية كيف تتعامل مع الشركاء الأجانب».
وأشار الدبلوماسي الألماني إلى أن «الحديث عن صيغة المشروع النهائي سابق لآوانه، إذ تحتاج هذه الوثيقة إلى المصادقة من قبل مجلس الشيوخ والرئيس الأميركي دونالد ترامب لدخول حيز التنفيذ».
من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها «أن طابع العقوبات الأميركية الجديدة العابر للحدود يخالف القانون الدولي»، مؤكدة «عزم باريس على بحث التداعيات المتوقعة لهذه الخطوة مع المفوضية الأوروبية وشركائها داخل الاتحاد الأوروبي».
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنياس روماتيه «إن مشروع القانون هذا، في حال إقراره، سيسمح بفرض تدابير على كيانات أوروبية وبالتالي، فإن مدى تطبيق هذا النص خارج الأراضي الأميركية يبدو غير قانوني بنظر القانون الدولي».
يمكن لمثل هذا الإجراء الأميركي أن يفسح نظرياً المجال أمام فرض عقوبات على مجموعات أوروبية شريكة في مشروع أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» الذي يفترض أن يسرّع وصول الغاز الروسي إلى ألمانيا اعتباراً من 2019، وخصوصاً الفرنسية «آنجي» والألمانيتين «يونيبر» و«فينترشال» والنمساوية «او ام في» والبريطانية – الهولندية «شل».
وحتى الآن كان الخط الأحمر الذي توافقت عليه واشنطن وبروكسل يقضي بألا تؤثر العقوبات على إمدادات الغاز إلى أوروبا.