«النصرة» كابرت فانتهت… و«داعش» هُزمت بلا معركة
رنا صادق
مسار المعركة المُحكَم أُنجز وبانت اتجاهاته كافّةً. المسار الذي وضُحت أهدافه منذ بداية المعركة، خصوصاً بعد قرار «جبهة النصرة» الانسحاب من جرود عرسال والتوجّه إلى إدلب، رغم المحاولات الحثيثة لتغيير مساره وزعزعة اتّزانه من جانب المتضرّرين من معركة تحرير الجرود. لكنّ هذه المحاولات سقطت مع غاياتها بعد الوقائع التي قدّمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله في كلمته الأربعاء الماضي عن المعركة وما بعدها، التي توجّه فيها إلى المحلّلين العسكريين والسياسيين، وإلى كلّ من يُستخدم كبوقٍ لخدمة الإرهاب ومساندته، خصوصاً في ما يخصّ الاتهامات الباطلة التي طالت المقاومة عن تهديد أمن وأمان أهالي بلدة عرسال.
مصدرٌ عسكري في المقاومة أكّد لـ«البناء»، أنّ أمير «هيئة فتح الشام» أبو مالك التلّي على استعدادٍ لإعطاء حزب الله معلومات ومجريات عسكرية عن تنظيم «داعش» والمناطق التي يحتجز فيها أسرى للحزب، الذي كان قد زعم إعدام أحدهم، إضافةً إلى معلومات عن مناطق تواجدهم. وأشار المصدر إلى أنّ عملية انتقال التلّي مع جماعته إلى إدلب ستتمّ خلال الأيام الثلاثة المقبلة، لإقامة إمارة له هناك.
أمّا بالنسبة لـ«تنظيم داعش»، فقد أشار المصدر نفسه إلى أنّ تنظيم «داعش» غير قادر على خوض المعركة مع حزب الله، خصوصاً بعد انسحاب «النصرة»، إذ يصبح الحزب مسيطراً عسكرياً وميدانياً على الجرود، أيّ أنّ «داعش» على دراية بأنّه مهزومٌ ما إن قرّر خوض معركة مع الحزب. هذا الأمر يفسّر غموض السيد نصرالله في الحديث عن جرود رأس بعلبك والقاع، إذ اتّضح لاحقاً وفق معطيات أنّ الاحتمال الوحيد أمام التنظيم هو الانسحاب إلى إدلب، ثم يتمّ تسليم الجيش اللبناني الجرود لإحكام سيطرته عليها.
صباح أمس، بدأت بوادر المفاوضات تزهر، فقد نجح المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في التوصّل إلى وقف إطلاق النار في جرود عرسال. الاتفاق يشمل مغادرة أبو مالك التلّي مع عدد من المسلّحين وعوائلهم إلى إدلب، بمرافقة عناصر حزب الله والجيش السوري، وذلك مقابل إطلاق 4 عناصر من الحزب، ثلاثة منهم أُسروا في تشرين الثاني 2015، وهم حسن نزيه طه، محمد مهدي شعيب، موسى كوراني، إضافة إلى محمد جواد الذي اختطف منتصف آب الفائت، مع 22 شهيداً للحزب.
وبالعودة إلى تفاصيل المعركة في الجرود، فقد سارت كالآتي:
أولاً، جاء الحسم في جرود الفليطة من الجهة السوريّة، بينما بدأت المعركة في جرود عرسال من الجهة اللبنانيّة ضمن مخطّط استطلاعيّ وتحضيرات لوجستيّة للمنطقة منذ الشتاء الماضي، كما أوضح السيد نصرالله، تشكّلت معطياته وتوقيته الآن، من دون أيّ قرار سياسي إيراني أو سوري، ولا علاقة له بأيّة تصنيفات أو مجريات حاليّة حصلت في الآونة الأخيرة. وأيّ ربط بين قرار حزب الله بشنّ المعركة وأيّ مشروع أو حدث خارجي هو غير حقيقي، لا رهان عليه، المعركة حُضّر لها في الربيع ونُفِّذت الآن.
ثانياً، المقاومة اليوم بتحريرها أرضاً لبنانيّة سلكت خياراً بعيداً عن الحسابات الخارجية على عكس ما يعتقد البعض، وأثبتت أنّ قرارها وطنيّ محض، صادر عن قيادتها من دون مراجعة أيّة جهة إقليميّة.
ثالثاً، والأهمّ، أنّه ورغم التجاذبات وتباعد الآراء حول التعاون مع الجيش اللبناني، تُصرّ المقاومة على إعطاء الدولة اللبنانيّة وجيشها دوراً أساسيّاً في المعركة، اتّضحت معالم ذلك بعد إعلان السيد نصرالله أنّ المفاوضات تتبعها جهة أمنيّة رسميّة لبنانيّة. وقد برز دور الجيش الفعلي في صدّ الثغرات، ومحاولات تسلّل المسلّحين الإرهابيّين وتضييق الخناق عليهم باتخاذه إجراءات أمنيّة قبل وأثناء معركة التحرير، مع حرصه الكامل على حماية النازحين. مشهديّة غرز العلم اللبناني في منطقة رأس بعلبك إشارة واضحة ومعلَنة أنّ الحزب يقف خلف الجيش والدولة في أيّة معركة يخوضها أو سيخوضها، إذ كما ثبُت في كلّ معارك الحزب أنّه لا يخوضها لغايات خاصة، سياسيّة أو طائفيّة، ولم يسعَ إلى استثمارها داخلياً لمصالح حزبيّة ضيقة، بل كانت استراتيجيّته دائماً هي تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة وصدّ أيّ عدوان عليها، إنْ من جانب العدو الصهيوني أو العدو التكفيري.
ولذلك، من المؤكّد أن تتعرّض المقاومة في المرحلة المقبلة لهجوم سياسيّ واقتصاديّ شرس من قِبل داعمي هذين العدوّين، وعلى رأسهم الأميركي، وكما جرت العادة، بمساندة داخلية من أطراف باتوا معروفين للجميع، خصوصاً أنّ نتيجة معركة الجرود دقّت مسماراً جديداً في نعش المخطّطات الأميركيّة و«الإسرائيلية» الهادفة إلى السيطرة كلّياً على المنطقة بعد تذويب دولها بأدوات تكفيريّة.