رجل الثقة والمهمات الصعبة

ناصر قنديل

– خلال سنوات شهد لبنان فيها مراحل متنوعة الطبيعة سياسياً، من ذروة الانقسام والفراغ إلى رمادية سياسية تظللها حكومة تسير بين النقاط وعلى حد السيف، وصولاً لولادة عهد رئاسي جديد وحكومة جديدة وقانون انتخابات توافقي لم تنجح كلها بإزالة عميق الخلافات المتصلة بالمواقع والتحالفات والرؤى الإقليمية المتباينة للأطراف اللبنانية المتقابلة من جهة، والمتشاركة في التوافقات من جهة أخرى، كان فيها لكل مهمة صعبة تحظى بالتوافق على إنجازها رجل واحد متفق عليه أهل للإنجاز، هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

– لم يتغيّر ذلك عندما تكون الأطراف المعنية بالتوافق لإنجاز المهمة خارج لبنان، خصوصاً جهات إقليمية ودولية فاعلة ووازنة. فكان اللفظ للاسم بلغة أجنبية أو لكنة خليجية يأتي بالتزامن مع التوافق على الإنجاز. يتابع الأمر ويتولاه الجنرال إبراهيم، وفي غالب الأحيان يكون التحضير والتمهيد قد سبق بلوغ التوافق. وكان للجنرال إبراهيم دوره في صياغته وتسويقه، آخذاً بالحساب المصالح والتقاطعات والتباينات التي تحكمها في رسم الخصومة من جهة وحدود فرص التلاقي من جهة أخرى.

– هذا حدث ويحدث مع الأتراك والقطريين والسعوديين والفرنسيين والأميركيين، لكنّه لا يغيّر حقيقة ثقة فريقين لا تربطهما بكل هؤلاء إلا علاقة صدام وخصومة، حزب الله والدولة السورية. وهي ثقة يعرفها الآخرون ويقدّرونها ويحترمونها ويعتبرونها الرصيد الذي يبنون عليه ثقتهم بالأهلية للنجاح في المهمة. وهي ثقة يعتز بها اللواء إبراهيم ويعتبرها نتاجاً لخيارات وقناعات لا يُخفيها، لكنه لا يقدّمها مصدراً لاشتباك بل سبباً للتشبيك، وتلك هي المهمة التي نَدَبَ نفسه للقيام بها لتجنيب بلده كمسؤول فيه، مزيداً من المعارك وما ترتّبه من توترات وتسبّبه من خسائر.

– الجمع بين هذه الثقة التي لا تتزحزح ولا تتبدّل من أهل المقاومة وحلفائها، وما يقابلها من احترام وتقدير وثقة بالإخلاص للإنجاز والتعهّدات، من قوى الحلف المقابل بامتداداته الإقليمية والدولية، مهمة شديدة الصعوبة والتعقيد، لا يفوز بها إلا رجل دولة من الطراز الرفيع، لم يضع الأنا أمام القضية ولا أمام الوطن، بل القضية التي ينتدب لها تتقدّم كل الحسابات دائماً والوطن أما الدولة ومهابتها ومصلحتها العليا، فشؤون لا تقبل المساومة، والأنا متواضعة تخجل من الثناء والمديح ولا تفرح بمظاهر الاستعراض والتبجيل ولو عرفت أنها نابعة عن محبة، وتثق أنها لا تحرج مع الحلفاء والأصدقاء من القادة ولا تثير حساسيتهم، لأنهم يعرفون جيداً مَن هو عباس إبراهيم، ويعرفون أنّه كما يُقال عن أمثاله رأسه على كتفيه وقدماه على الأرض ولا يضرب به بخار العظمة.

– لهذا الجنرال، رجل الدولة، أمام مهام جديدة ومهام لاحقة تنتظر تحية يُجمع عليها الأطراف اللبنانيون خصوصاً. وكم نحتاج أمثاله من عناصر النزاهة والإجماع والمسؤولية الوطنية في المؤسسات الفاعلة لتكون لنا الدولة التي نحلم بها، حيث رجال المؤسسات تكبر بهم مؤسساتهم ولا يتكبّرون عليها، ويعتبرونها جسراً يُشاد عليه قوس نجاح الوطن لا جسر عبور لمصالحهم وطموحاتهم السلطوية والوصولية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى