تكريم أسرة مسلسل «أزمة عائلية» في «أماسي 6» وسط غياب معظم أبطاله
دمشق ـ رانيا مشوّح
ميراثاً فنياً جديداً ولّدته الحرب السورية بآلامها، فجعلت الآه قهقهة عابرة، ارتسمت على وجوه عانت التفاصيل بقسوتها وجنونها. فن انخرط كما المعتاد في أروقة خطوط المعاناة متناولاً المأساة بسخرية، هاتفاً: لنضحك اليوم على الأوجاع علّها تنجلي عن أوطاننا. مستلهماً المُلهاة من المأساة، مولّداً فرحاً كاذباً يجلو غبار الحزن الصادق. ولتوضيح هذه الحالة الفنّية، قامت وزارة الثقافة السورية ـ مديرية الثقافة في دمشق، بإقامة فعالية «أماسي 6»، حيث استضافت أسرة مسلسل «أزمة عائلية»، وذلك في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة في دمشق.
افتتح حفل التكريم علي المبيّض معاون وزير الثقافة الذي أدلى بتصريح إلى «البناء» جاء فيه: من مهام وزارة الثقافة رعاية هذه المواهب والأعمال الفنية، سواء كانت تمثيلاً سينما، مسرحاً، أو فنّاً تشكيلياً، أو ثقافةً بشكل عام. ويأتي احتضانها مثل هذه الفعاليات ضمن مهامها وواجباتها التي وضعتها في استراتيجيتها خلال هذه المرحلة. ومن فعاليات هذه الاستراتيجية، تكريم القامات الفنّية والأدبية، إقامة الأمسيات الأدبية والشعرية، رعاية المسرحيات والمعارض الفنية وكافة الصنوف الثقافية السورية التي تحرص الوزارة في هذه المرحلة على تعزيزها وتكريسها ونشرها في العالم.
وأضاف: الهوية الفنية الثقافية الحضارية الحقيقية هي للسوريين، ويحاول الكثيرون إدخال الشوائب إليها، لذلك تعمد وزارة الثقافة على إيضاح هذه الهوية السورية التي تمتدّ حتى آلاف السنين. ومن أوجه الاحتضان والرعاية إقامة مثل هذه الأمسيات التي نحن اليوم في صددها كتكريم أسرة مسلسل «أزمة عائلية» وسواها.
بدوره، حدّثنا مخرج العمل الأستاذ هشام شربتجي عن العمل وعن القدرة على تحويل الواقع الدرامي التراجيدي إلى كوميديا سوداء حيث قال: هذا ما جعلني أقلق، لكن كل أعمالي كانت تحمل مضموناً خطيراً بين السطور. هذا أسلوب لجعل البساطة معقدة والتمكّن من الدخول إلى قلوب الناس وبيوتهم من دون إذن. هذا قرار اتخذته خلال عملي في الحالة الكوميدية. الصعوبة الآن أن حالة الكوميديا تتغير في الأزمات وتتجه باتجاهات أخرى، لكن في الحزن الأمر مختلف، تعذبت لأجد بذوراً في نصّ متواضع.
وأضاف: أعظم كتب الدنيا هناك كتاب اسمه «بلدي داغستان» لكاتب اسمه رسول حمزاتوف، كتب بلغة أشخاص لغة ضيعتهم في العالم كلّه يتكلّم بها 2800 شخص فقط، تُرجم الكتاب إلى 2800 لغة، البساطة دائماً ممكن أن تطيّرها أن تشعليها، محور الأمور في الأزمات ومن أهمّ إنجازات المخرج أن يطرح عناوين صغيرة يكتشف بها آفاق كبيرة لا العكس، وليس معالجة الأزمة بنمط المباشرة والعناوين الكبيرة التي تخرج النتائج ضعيفة جداً. المشاهد لا تعرفيه ولا تعرفي اتجاهاته فكل هذا التعقيد يحتاج إلى تأنٍّ وأحياناً تصيب وأحياناً تخيب.
كما حدّثنا الناقد والإعلامي ملهم الصالح مدير الندوة عن «أماسي 6» وعن آلية اختيار مسلسل «أزمة عائلية» فقال: متابعةً لـ«أماسي 5» التي كانت قبل رمضان، والتي تناولنا فيها قبل العرض دراما رمضان 2017، كان لا بدّ لنا من وقفة على عمل دراميّ مميّز قدّمته الدراما السورية في موسم 2017. كما كانت هناك معايير وضعناها لانتقاء عمل دراميّ من حوالى 30 عملاً، كُلّها عرضت في رمضان 2017. «أزمة عائلية» عمل أعتقد أنه إنجاز في الدراما السورية، قيمته الحالية لا تضاهى، لا توازي لا تقارب القيمة الحقيقية، لكنني أراهن أنه خلال عقد أو عقدين من الزمن ستفوق قيمته المستقبلية قيمته الحقيقية وسيصبح باعتقادي من الذهب العتيق والأعمال الدرامية الأيقونة.
وفي غياب ملحوظ لأبطال العمل عن الندوة، كان لنا لقاء مع الفنانة ليا مباردي إحدى بطلات العمل التي حدّثتنا عن الصدى الذي حقّقه العمل: كمُشاهدة، أستطيع القول إن العمل من مجموعة الأعمال الكوميدية الاجتماعية التي لاقت إعجاب الناس، وهو بعيد عن القتل والضرب الذي تتّبعه المسلسلات الأخرى التي جعلت الجمهور يملّ. وأحبّ الجمهور هذا العمل لأنه ركّز على العائلة والحميمية، وتناول الموضوع الحزين بطريقة مفرحة وبابتسامة.
وفي السياق نفسه، تحدّث إلى «البناء» الفنان أحمد كنعان أحد أبطال العمل قائلاً: رأيي في العمل أنّ شهادتي مجروحة. تأثير العمل في الشارع مفاجئ جداً. العمل يناقش مواضيع حساسة جداً بلحظة البلاد فيها شبه ضائعة بنفَس كوميدي، فنجاحه مغامرة كبرى لكنه اعتمد على ثلاثة أعمدة وهي القصة التي تلامس الناس والأستاذ رشيد عساف وشيخ الكار الأستاذ هشام شربتجي الذي من المستحيل أن يغامر مغامرة ليست ناجحة، وهذا كافٍ لنعمل وننجح نجاحاً غير متوقع.
يذكر أن العمل من تأليف شادي كيوان، وبطولة الفنانين: رشيد عساف، رنا شميس، أمانة والي، عاصم حوّاط، حسام تحسين بيك، وعدد من نجوم الدراما السورية.
وبالعودة إلى الندوة التكريمية، فقد بدأت بكلمة لمديرة المركز الثقافي في أبو رمانة رباب أحمد تحدّثت فيها عن الظروف الصعبة المحيطة بعمل الدراما السورية من جرّاء الحرب على سورية والحصار المفروض عليها. معتبرة أن هذه الظروف لم تمنع ظهور أعمال متميّزة على صعيدَي الكمّ والنوع، ومنها مسلسل «أزمة عائلية» الذي يقف وراءه أحد روّاد صناعة الدراما في سورية وهو المخرج هشام شربتجي.
ثم قام المبيض ورباب أحمد بتقديم درع تقديرية تكريماً لأسرة المسلسل ممثلة بمديرة المؤسسة العامة للانتاج الإذاعي والتلفزيوني ديانا جبور، وبمخرجه هشام شرتجي، وكاتبه شادي كيوان، وبمؤلف شارته الغنائية الموسيقيّ سعد الحسيني، وبالفنانَيٍْن ليا لمبادري وأحمد كنعان.
مدير ندوة «أماسي» الناقد والإعلامي ملهم الصالح أوضح أن اختيار مسلسل «أزمة عائلية» جاء لأنه اهتمّ بالمتلقي السوري بالدرجة الأولى من دون أن يستخفّ فيه، وأعاد إنتاج الواقع. مقدّماً عبره الآخر بصورة موضوعية من دون الخضوع للأحكام المطلقة، ونُفّذ بتفانٍ رغم صعوبة الظروف المحيطة. وهو نموذج لدور مؤسسة الانتاج التلفزيوني في صناعة عمل متوازن معتبراً أن «أزمة عائلية» سيغدو في المستقبل من أيقونات الدراما السورية.
ثمّ تحدّث المخرج شربتجي عن ظروف إنتاج المسلسل منذ أن استجاب لإصرار مديرة مؤسسة الانتاج التلفزيوني ليكون مساهماً في أحد أعمالها. شارحاً كيف تلقّى نصّ الحلقات الأربع الأولى من «أزمة عائلية»، ثمّ طلب اللقاء بالمؤلف كيوان ليصارحه أنه استلهم أجواء هذا المسلسل من الأعمال التي أخرجها هو ضمن هذا الشكل.
ورفض شربتجي تصنيف أزمة عائلية من قبل الصحافة ضمن نوع «سيت كوم» لأن هذا النوع يتطلّب مواصفات أخرى غير موجودة في عمله. مطالباً استبدالها بمصطلح «مسلسل المكان الواحد». مستعرضاً في الوقت نفسه صعوبات إنجاز «أزمة عائلية» من اختيار الممثلين الذي خضع لضرورة تحقيق الانسجام بين أفراد العائلة مثل اختيار الفنانة رنا شميس لتؤدّي دور أمٍّ لأولاد يماثلونها عمراً في الواقع.
ورأى أنّ العمل الكبير لا يحتاج بالضرورة إلى رأسمال كبير، بل يعوّل على النصّ المميّز وعلى المخرج القادر على إظهاره بالصورة الأفضل وإدارة اللعبة الدرامية، لا سيما أن الجانب التقني في «أزمة عائلية» شبه غير موجود فتم التعويل على قدرات الممثلين واستنهاض مكنوناتهم. مؤكداً أن هذا المسلسل جماعيّ بالدرجة الأولى وسعى إلى إتاحة الفرصة للشباب.
كاتب المسلسل شادي كيوان تطرّق إلى المخاوف التي لازمته لدى كتابة العمل لأنه باكورة مسلسلاته حيث قدّم سابقاً عدّة لوحات في سلسلة «بقعة ضوء»، إضافة إلى صعوبة كتابة وتنفيذ مسلسلات المكان الواحد، حيث عرضه كنصّ مكتوب على عدد من الكتّاب والفنانين والأصدقاء ليستمزج آراءهم فيه.
ونفى كيوان أن يكون «أزمة عائلية» مقتبساً من مسلسلات كوميدية سورية، معتبراً أن وجود عائلة تضمّ أبوين وأبناء سيتطلّب وجود شخصيات أخرى محيطة مثل الجيران والأقرباء في كلّ عمل دراميّ يأخذ الشكل ذاته. كما لفت إلى أن ما ميّز «أزمة عائلية» أنه لامس موضوعات تمسّ الأزمة من زوايا مختلفة.