الرياح عاصفة فماذا أعددنا؟
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
الرياح المقبلة عاصفة ليس هذا توقعاً، وإنما واقع ما نشهده من أحداث محتدمة تحتشد على تخوم بلدنا وتنتظر ساعة الهبوب.
حتى الساعة لم ندخل بعد في معمعة الفوضى الكاملة التي نرى آثارها الخطيرة في كل من سورية والعراق وليبيا واليمن. ولكن من الممكن جداً أن تقترب ساعة الحقيقة فيصبح لبنان بفعل السياسات الخاطئة وبفعل نوايا التكفيريين ساحة واسعة لهستيريا فتاوى الذبح.
بلد على قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الأمني والاجتماعي. حكومته لا تفعل شيئاً سوى الانتظار والانتظار. لقد تم معاداة سورية من أجل الغير. وفتحت الحدود لما يفوق المليون نازح لأن الخارج هو من طلب من حكومتنا فتح المعابر لغاية في نفسه. وتم توريط القرى المحاذية لسورية بتهريب السلاح من أجل أن تكون هناك منطقة معزولة خارجة عن سيطرة الجيش اللبناني، وسُمح لآلاف الإرهابيين أن يسرحوا ويمرحوا في كل لبنان لمصلحة أرادتها دول إقليمية معروفة وموصوفة وسُخّر الإعلام الطائفي ضد سورية وضد حزب الله لمصلحة التحالف الأميركي – «الإسرائيلي» – العربي الذي يظهر اليوم بمظهر المحارب للإرهاب. وأشياء أخرى سمحت به حكومات لبنان من دون أن تراعي بذلك مصلحة الشعب اللبناني الذي يفترض أن تكون مصلحته أولوية في كل المواقف والقرارات التي تتخذها. لكن ما نراه اليوم يظهر مدى تكاسل وتواطؤ من تربع على سدة الحكم في لجم الإرهاب. والأحداث الأخيرة في جرود عرسال وبريتال تؤكد منطق من ترك الحدود للتكفيريين متخلياً عن السيادة التي طالما سمعناها شعارات وبطولات وهمية فقط من دون أفعال تترجم على الأرض. إن هجوم التكفيريين لفتح ثغرات وممرات إلى الداخل اللبناني قبل فصل الشتاء يمكن أن يحدث هزة عنيفة على مختلف الأراضي اللبنانية وليس في البقاع فحسب، ما يتطلب دعماً حقيقياً للمؤسسة العسكرية ولكل من يدافع عن الحدود سواء كان اسمه حزب الله أو أهالي القرى الحدودية. المنطقة تنجرف بكل ما تختزن من تراث وحضارة وقيم وأوطان بفعل الاستعماريين الجدد والتكفيريين البربريين، فإذا لم تتحمل جميع القوى الشريفة الأصيلة في هذه الأمة فإن الخراب سيتسع أكثر فأكثر.
ويأتي عيد هذا العام ليضع الشعوب أمام مسؤولياتها الوجودية. إذ لم تعد المشكلة منحصرة في مكان واحد وفي بعد واحد بل أصبحت تهدد كل إنسان بحياته وحاضره ومستقبله.
لذلك نقول: لا عيد والدماء نهر تسيل في أرجاء العالمين العربي والإسلامي. لا عيد والفتنة نار تحرق ورد الإخوة والمحبة والسلام. لا عيد في ظل إرهاب متوحش يزحف من مكان إلى آخر فيغرق البلاد دماً وكرهاً وقسوة وعواء كعواء الذئاب.
لا عيد في ظل غزوِ استعماري جديد، ولا عيد والاحتلال «الإسرائيلي» يمارس تهويده وطغيانه بحق الفلسطينيين. ولا عيد والعرب متفرقون، والمسلمون يقتل بعضهم بعضاً، ويستحل بعضهم دم الآخر، ويكفّر بعضهم الآخر وكأننا في ظلام الجاهلية وليس بنور الإسلام والنبوة. لا عيد واللبنانيون أسرى الانقسام والطائفية والخلافات المذهبية. فلا رئيس ولا حاكم ولا قيادة تنعش الآمال بالوحدة والتضامن، وتعمل على خط التنمية والأمن والاستقرار بحيث يشعر كل فرد لبناني بمواطنيته الحقيقية.
لذلك ترتسم علائم الغيظ على وجوه كل من يرى الدولة على هذه الحالة. فلا إرادة لتسليح الجيش. ولا خطة للدفاع عن السيادة. ولا قبول لهبات عسكرية غير مشروطة من دولة كإيران.
فماذا يريد البعض من هذا المسار؟ وكيف يمكن أن يبقى البلد بلداً ثابتاً موحداً وهو مرتهن لأرباب الفتنة والتقسيم. فقد خرّب هؤلاء في السابق وطننا وسعّروا الحرب الأهلية زهاء خمسة عشر عاماً، واليوم يحاولون تكرار التجربة نفسها وسياسيونا ما زالوا في الوهم ذاته لا يدركون أن القانون لا يحمي المغفلين!