داعش ينسحب من السخنة… والجيش السوري يدقّ أبواب دير الزور استعدادات لمعركة الجيش في جرود القاع… وانسحاب النصرة الأسبوع المقبل
كتب المحرّر السياسي
تصاعدت لغة العقوبات المتبادلة بين موسكو وواشنطن بعد دخول مجلس الشيوخ في مناقشات تفصيلية لقانون جديد أقرّه مجلس النواب بأغلبية ساحقة يتضمّن خطر التدخل الأميركي للعبث في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للنخب المحيطة بالكرملين من طبقة رجال الأعمال، بما يتضمّن من تشكيل مكتب خاص قانوني دبلوماسي استخباري مهمّته تجميع لوائح اسمية مفصّلة بكبار رجال الأعمال الروس وتوزّعهم السياسي الداخلي بقياس علاقتهم بالرئيس فلاديمير بوتين، وتجميع معلومات عن أعمالهم وشركاتهم وعلاقاتهم بالغرب والمصارف وحساباتهم وحسابات أقاربهم، اعتبره الكرملين عدواناً اقتصادياً وانتهاكاً سيادياً يكفي لتفجير مواجهة تكون الأقسى بين واشنطن وموسكو، سرعان ما ردّت روسيا على القانون الجديد بتخفيض البعثة الدبلوماسية الأميركية في موسكو بمقدار ثلاثمئة موظف من أصل سبعمئة وخمسين. وتقصّدت إبعاد البعثات المختصة بالشؤون الأمنية والمالية والاقتصادية بنسب عالية ضمن العدد الذي تمّ تخفيضه في رسالة مباشرة على القانون الجديد، لكن واشنطن وموسكو أكدتا كلّ في بيان أنّ التوتر في حرب العقوبات المتبادلة لا يمنع مواصلة التعاون في سورية والقول إنه تعاون مثمر يخدم الرؤى والمصالح المشتركة للبلدين ويسهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين ويزيد فرص النجاح في الحرب على الإرهاب.
بالتوازي، كانت موسكو تعلن الاستعداد لمنطقة تهدئة جديدة في ريف حمص بالتعاون مع واشنطن، بينما كان الجيش السوري وحلفاؤه يحرزون المزيد من التقدّم في البادية في ريفي حمص وحماة، ومن جهة مقابلة يصلون على أبواب مدينة السخنة التي تشكل مفتاح فكّ الحصار عن مدينة دير الزور لتنقل التقارير العسكرية ليلاً معلومات عن انسحاب داعش من السخنة التي تنتظر دخول الجيش السوري وحلفائه ليصير على أبواب دير الزور حيث يقول الأميركيون والروس إنها المدينة التي ستشهد المعركة الفاصلة مع تنظيم داعش.
داعش في جرود القاع ورأس بعلبك أيضاً يضرب أخماساً بأسداس لكيفية التعامل مع الحرب التي تدق طبولها ويستعدّ لها الجيش اللبناني بالمزيد من التعزيزات والتحضيرات. وعليه أمام بدء تطبيق اتفاق انسحاب جبهة النصرة من جرود عرسال انتظار لحظة يصير في مثلث يحاصره فيه الجيش اللبناني والجيش السوري وحزب الله ويختار مواجهة انتحارية أم تسوية تنتهي بتكرار انسحاب النصرة قبل دفع ثمن مكلف. وهي تسوية ستتضمّن حكماً الإفراج عن العسكريين المخطوفين، كما أكدت مصادر معنية بملف التفاوض لـ «البناء»، بينما تتمّ التحضيرات على قدم وساق للبدء مطلع الأسبوع بتنفيذ اتفاق انسحاب جبهة النصرة من جرود عرسال. وهو ما قالت مصادر معنية لـ «البناء» إنه سينتهي قبل نهاية الأسبوع المقبل، وربما يبدأ مع بداية الأسبوع.
«الاتفاق» يسير وفق المرسوم
لا تزال ظلال معركة جرود عرسال تطغى على المشهد الداخلي وسط ترقبٍ لآفاق المرحلة المقبلة من تحرير الجرود في رأس بعلبك والقاع من تنظيم داعش الإرهابي، الذي واصل أمس اعتداءاته على مراكز الجيش المنتشرة في محيط المنطقة، في حين يستمر العمل على تنفيذ بنود اتفاق وقف النار بين حزب الله وتنظيم جبهة النصرة، الذي أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، أن العمل جارٍ على قدم وساق بشأنه وأن كل شيء يسير وفق المرسوم له. بينما يسود الهدوء الحذر جبهة جرود عرسال لليوم الثاني على التوالي.
وأفادت مصادر مواكبة لملف التفاوض لـ«البناء»، أنّ عملية نقل مسلحي «جبهة النصرة» مع عائلاتهم من جرود عرسال إلى إدلب قد تُنجَز في مدة لا تتجاوز الـ٤٨ساعة وأقصاها اليوم السبت.
المصادر نفسها لفتت الى أن «عدد الذين سينتقلون من مسلّحين ومدنيين من جرود عرسال الى إدلب السورية قد يصل إلى ثلاثة آلاف وسجلوا أسماءهم لدى اللجنة المنبثقة عن التسوية»، وأكدت أن «تسريع عملية تنفيذ الاتفاق يسير بوتيرة متسارعة بهدف إنهاء الملف، وما يؤكد ذلك عملية الإفراج عن العناصر 5 من حزب الله الذين أسرتهم هيئة تحرير الشام، ووصلوا فجر أمس إلى نقطة حدودية مع تركيا، وتسلمتهم المخابرات التركية، على أن يتم انتقالهم جواً إلى بيروت».
وأشارت قناة «المنار» إلى أن التحضيرات داخل المخيمات التي تأوي المسلحين في جرود عرسال بدأت من خلال توضيب الحقائب وتفكيك بعض الخيم، بينما تحدّثت مصادر أخرى عن تحضيرات في مخيم عين الحلوة لإخراج عدد كبير من مسلحي تنظيم النصرة ونقلهم إلى سورية كجزءٍ من الاتفاق. وقد رصدت اجتماعات وتحرّكات لعناصر وقيادات النصرة في المخيم لإنجاز هذا الأمر.
ميدانياً، عثر المقاومون خلال دخولهم إلى نقاط «جبهة النصرة» في الجرود وعمليات المسح التي يقيمون بها داخلها على منشأة تصنيع صواريخ وتفخيخ سيارات تابعة للإرهابيين.
إجراءات الجيش تُنذر بقرب المعركة
وفي ما أنهت المقاومة المرحلة الأولى من العملية العسكرية ضد الإرهاب على الحدود بنجاحٍ وتستكمل الجهات التفاوضية تنفيذ بنود اتفاق وقف القتال الذي أنجز، يحشد الجيش اللبناني قوّاته في المرتفعات المشرفة على المنطقة الجغرافية في رأس بعلبك والقاع والفاكهة واتخذ إجراءات ميدانية وعزّز مواقعه المتاخمة لنقاط انتشار وسيطرة تنظيم «داعش»، ما يُنذر بقرب بدء المرحلة الثانية من المعركة، لتطهير هذه الجرود من «التنظيم».
وقد استهدف الجيش أمس، مسلّحي «داعش» في مرتفعات جرود القاع رداً على إطلاق قذيفة سقطت في سهل القمح الذي يربط بين بلدة القاع ورأس بعلبك ومصدرها أحد مواقع «داعش».
وفي حين رأت مصادر عسكرية أن «قصف الجيش لمواقع المسلحين هو تمهيد للمعركة البرية»، لفتت إلى أن «جرود رأس بعلبك والقاع تحتوي على ممرات قاسية خصوصاً لناحية المنطقة الفاصلة بين لبنان وسورية ما يجعل المعركة أكثر دقّة وصعوبة».
وأشار خبراء عسكريون الى «الدور الذي أداه الجيش في المرحلة الأولى من العملية العسكرية مع النصرة، لجهة فصل الجرود عن عرسال والحؤول دون تسلل المسلحين الى المدينة ومخيماتها، والذي إن حصل كان سيخلط الأوراق ويقلب المعادلة الميدانية لصالح النصرة، ولجهة حماية الجيش لظهر المقاومة ومساندته لها عبر القصف المدفعي لتحرّكات ومواقع المسلحين».
المقاومة قوة مساندة
ويلفت الخبراء لـ«البناء» إلى أن «الدور الرئيسي في المرحلة الثانية سيكون للجيش من حيث تنفيذ الهجوم البري، أما السبب فهو أن منطقة وجود تنظيم داعش كانت مسرح عمليات الجيش منذ ثلاث سنوات في القاع ورأس بعلبك والفاكهة وبالتالي يعرف طبيعتها الجغرافية ولديه بنك الأهداف لمواقع انتشار التنظيم بينما تتحول المقاومة في هذه المعركة الى قوة مساندة للجيش وتتولى المنطقة الممتدّة من الحدود السورية باتجاه شرق الجرود وتتقدّم على خط موازٍ ومعاكس لتقدم الجيش الذي سيقترب نحو التلال المرتفعة باتجاه الشمال الغربي للجرود والذي يبلغ طوله 20 كلم وطوله 25 كلم ولا يمكن تحديد توقيت انطلاق العملية الذي يبقى بيد الجيش وفقاً للمعطيات الميدانية».
ويوضحون أن «داعش لا يملك خطاً لوجستياً مع مخيمات النازحين في عرسال بعكس ما كان حاصلاً مع النصرة، ما يشكل عاملاً إيجابياً لصالح الجيش».
خيارات «داعش»؟
أما الخيارات المتاحة أمام «داعش» فهي أربعة بحسب الخبراء:
محاولة التنظيم اختراق أحد القرى المحاذية للجرود القاع أو الفاكهة واحتلالها واستخدامها كرهينة للضغط على الجيش الأمر الذي قد يخلط الأوراق ويعرقل تقدم الجيش، لكنه سيتخذ إجراءات كاملة للتصدّي لأي محاولة على هذا الصعيد.
انسحاب عناصر «داعش» باتجاه الأراضي السورية من جرود القاع والفاكهة عبر بعض الممرات الصعبة في القلمون الى مخيم اليرموك في دمشق، حيث يعتبر «داعش» التنظيم الأقوى في المخيم، لكنهم قد يصطدموا خلال انسحابهم إلى القلمون السوري بقوات حزب الله والجيش السوري المرابضة هناك.
القتال حتى الموت ورفض التفاوض والاستسلام، ما يطيل أمد المعركة لأسابيع عدة كي يتمكن الجيش من القضاء على عناصر التنظيم وتطهير الجرود.
الاحتمال الرابع وقد يكون الورقة الأخيرة بيد التنظيم وبالتالي ربما يكشف مصير العسكريين المخطوفين لدى «التنظيم»، حيث تردّدت معلومات عن أن العسكريين لا زالوا على قيد الحياة ومحتجزين في الجرود التي يسيطر عليها «داعش»، ما قد يدفع الأخير تحت ضغط النار والحصار الى التفاوض وإطلاق سراح العسكريين مقابل تأمين ممر آمن لمسلحيه للانسحاب إلى دمشق أو الى الرقة.
..وجولة ميدانية لرئيس الأركان
رئيس وتفقد رئيس الاركان في الجيش اللواء الركن حاتم ملاك، قطعات الجيش المنتشرة في البقاع الشمالي وكانت له جولة ميدانية على المواقع التي استهدفها المسلحون فجر أمس في جرود رأس بعلبك. وقد أفيد أيضاً عن إعداد غرفة طوارئ بالتنسيق مع الصليب الأحمر والدفاع المدني في المنطقة.
وأكد ملاك أن «حرب الجيش ضدّ الإرهاب ستبقى مفتوحة حتى تحرير آخر شبر من الحدود الشرقية، والمعركة المقبلة ستكون فاصلة، وسينتصر الجيش فيها لا محالة، كما انتصر سابقاً في جميع المواجهات التي خاضها ضدّ التنظيمات الإرهابية، وذلك بالاستناد إلى الكفاءة القتالية لوحداتنا، وإلى ثقة اللبنانيين على اختلاف مكوّناتهم بالمؤسسة العسكرية وإجماعهم على دورها الوطني».
قاسم: العملية حققت هدفين
وأكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن «العملية في جرود عرسال كان لها هدفان: الأول: تنظيف الحدود الشرقية من هؤلاء الوحوش الذين يخرّبون على الناس ويعيثون فساداً على الحدود اللبنانية. والثاني: هو حماية لبنان من مفخخاتهم أكانت سيارات أو أحزمة ناسفة والتي طالت المدنيين في الأراضي اللبنانية كلها».
وشدد قاسم على أن «مقاومتنا ليست خاضعة لمنظومة المستكبرين، وهي قائمة على مبدأين: الأول: تحرير الأرض، والثاني: كسر التبعية، وهذان المبدآن سيستمران مع استمرار المقاومة».
الحريري عاد إلى بيروت
وفيما عاد رئيس الحكومة سعد الحريري الى بيروت أمس، من زيارته للولايات المتحدة التي استمرت أربعة أيام، والتي التقى فيها مجموعة من المسؤولين الأميركيين، من المتوقع أن يطلع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على نتائج زيارته ولقاءاته، كما سيطلع مجلس الوزراء خلال جلسته المرتقبة الأربعاء المقبل لا سيما لجهة دعم الجيش وأزمة النازحين السوريين ومشروع قرار العقوبات المالية الأميركية على حزب الله. وفي المقابل ستشكل مواقف الرئيس دونالد ترامب والمسوؤلين في إدارته من الحزب، محور نقاش داخلي بين القوى السياسية. إضافة الى الانقسام السياسي والسجال الدائر حول معركة الجرود.