واشنطن ونيويورك في مرمى صواريخ كوريا الشمالية! موسكو ترفض تحميلها المسؤولية.. وبكين لم نخلق الأزمة
أعلنت الخارجية الروسية أمس، «أن موسكو تعتبر محاولات واشنطن تحميلها والصين المسؤولية عن تصعيد الوضع في شبه الجزيرة الكورية محض افتراءات».
وشدّدت الخارجية الروسية في بيان لها على «عدم قبولها بالتصريحات الأميركية التي تكاد تتهم موسكو وبكين بتحفيز طموحات بيونغ يانغ في تطوير برنامجها الباليستي والنووي».
ودعت الوزارة جميع الأطراف المعنية إلى «الامتناع عن اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد في حدّة التوتر بالمنطقة».
وأعربت موسكو عن «بالغ قلقها إزاء تطورات الأحداث في شبه الجزيرة الكورية»، مضيفة «أنّ اختبار بيونغ يانغ الباليستي الجديد يوم الجمعة الماضي هو انتهاك صارم لقرارات مجلس الأمن الدولي».
وأشارت الخارجية الروسية إلى أن «هذه التطوّرات جاءت على خلفية تكثيف الأنشطة العسكرية الأميركية والكورية الجنوبية واليابانية في المنطقة، حيث تستمرّ واشنطن في اتباع نهج يقضي بنشر درعها الصاروخية في كوريا الجنوبية».
وذكر البيان بأن «روسيا والصين طرحتا خارطة طريق مشتركة تستبعد استخدام القوة والتهديدات وتقضي بالتوصل إلى حل شامل لجميع الملفات القائمة في شبه الجزيرة الكورية، بما فيها المسألة النووية، بطرق سياسية دبلوماسية عبر إقامة الحوار من دون طرح شروط مسبقة».
وحثّ البيان جميع الأطراف المعنية على «إطلاق حوار حول تنسيق الجهود المشتركة من أجل تسوية الوضع الراهن، استناداً إلى الأحكام المطروحة ضمن خارطة الطريق الروسية الصينية».
تجدر الإشارة إلى أن دورة جديدة من التصعيد في المنطقة أعقبت إعلان بيونغ يانغ الجمعة الماضي عن إطلاقها الناجح الثاني لصاروخ باليستي عابر للقارات.
وحملت الولايات المتحدة روسيا والصين المسؤولية عن التصعيد الجديد في شبه الجزيرة الكورية، إذ وصف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الطرفين الروسي والصيني بأنّهم «داعمان اقتصاديان رئيسيان لبرنامج بيونغ يانغ النووي والصاروخي».
وانضمّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدات له على موقع «تويتر» إلى الاتهامات الأميركية الموجّهة إلى الصين، معرباً عن خيبة أمله في موقف بكين التي «لا تفعل شيئاً» لتسوية الأزمة، على حد قوله.
في ردّها على انتقادات الرئيس الأميركي بشأن كوريا الشمالية، شدّدت الصين على أنها «ليست الطرف الذي سبّب أزمة بيونغ يانغ النووية»، مؤكّدة أن «تسوية المسألة تتطلّب جهود جميع الأطراف المعنية».
وأضافت الخارجية الصينية في بيان، صدر أمس: «يجب أن يكون لدى جميع الأطراف مفهوم صحيح لهذا الأمر»، مشيرة إلى أن «جهود الصين الرامية إلى إيجاد حلّ في شبه الجزيرة الكورية نالت اعترافاً واسعاً من قبل المجتمع الدولي».
وأضافت الخارجية الصينية أن «جوهر التجارة الصينية الأميركية هو منفعة متبادلة على أساس صفقة لا خاسر فيها»، وذكرت أن «تطوّراً سليماً لعلاقات العمل والعلاقات التجارية بين البلدين أمر يستفيد منه كلا الطرفين».
من جانبه، حثّ نائب وزير التجارة الصيني، تشانغ كامين، الولايات المتحدة على «عدم الخلط بين الوضع حول شبه الجزيرة الكورية والعلاقات الاقتصادية التجارية الثنائية بين البلدين»، مشيراً إلى أنّ «هذين الموضوعين من مجالين مختلفين تماماً والخلط بينهما أمر غير مناسب».
وشدّد على أنّ «الصين مستعدّة لمواصلة العمل مع المجتمع الدولي، ولا سيما مع الولايات المتحدة، من أجل تسوية مشكلة كوريا الشمالية في أقرب وقت ودفع عملية نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية إلى الأمام».
وكانت السلطات الصينية أعلنت أكثر من مرة «أن الأزمة حول كوريا الشمالية يجب حلّها عن طريق المفاوضات».
وسبق أن اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطات الصينية، إثر اختبار بيونغ يانغ لصاروخ باليستي عابر للقارات، يوم الجمعة الماضي، بـ«التقاعس» عن بذل جهود كافية لكبح جماح كوريا الشمالية.
وأيّد، في اليوم نفسه، وزير الخارجية الياباني، فوميو كيشيدا، انتقادات ترامب الموجّهة للصين بالقول «إن تصريحات الرئيس الأميركي تعكس جوهر الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة واليابان إلى تحقيقها».
وأفادت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية أمس، بأن «إدارة ترامب تعمل على إعداد عقوبات اقتصادية ضد الصين».
في هذا السياق، أشار رئيس قسم الاستشراق بجامعة «المدرسة العليا للاقتصاد»، البروفسور أليكسي ماسلوف، إلى أن «الصين، في الواقع، هي البلد الوحيد حالياً الذي تملك مجموعة أدوات التأثير على بيونغ يانغ».
وتابع ماسلوف: «رغم أن الصين لا تستطيع أن تتصرّف بالطريقة التي تنتظرها منها واشنطن. فهذا لا يعني أن بكين مكتوفة الأيدي ولم تفعل شيئاً».
وعقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الولايات المتحدة في نيسان الماضي، بادرت الصين إلى عدد من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع ممثلين عن الحكومة الكورية الشمالية بهدف معرفة مواقف بيونغ يانغ التفاوضية وإيجاد الطريقة المثلى لحل الأزمة، من دون وضعها في موقف حيوان محشور في الزاوية، بحسب الخبير الروسي.
والصين، التي تدرك أن كوريا الشمالية لن تتخلّى عن تطوير برامجها الصاروخية والنووية، تميل، نظراً إلى الظروف الراهنة، إلى إقناع بيونغ يانغ بتجميد مؤقت لبرامجها والحفاظ على الوضع الراهن. لكن مثل هذه النتيجة، على ما يبدو، لا ترضي واشنطن على الإطلاق.
وخلص ماسلوف إلى القول إن «السياسيين في واشنطن يستغلون مسألة كوريا الشمالية للضغط على بكين سعياً إلى الانتقاص من مكانتها في المنطقة وتعزيز الوجود العسكري الأميركي هناك».
بدوره، أعلن قائد القوات الجوية الأميركية في المحيط الهادئ، الجنرال تيرنس أوشنيسي، «أن بلاده وحلفاءها يُعدّون لاستخدام قوة سريعة قاتلة ومدمّرة ضدّ كوريا الشمالية، إذا دعت الحاجة إلى ذلك».
ونقلت شبكة تلفزيون «فوكس نيوز» عنه قوله إن «كوريا الشمالية تشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي». ومع ذلك، اعتبر هذا الجنرال الأميركي «أنّ الدبلوماسية هي أولوية لمعالجة هذه المشكلة مع بيونغ يانغ».
وفي الوقت نفسه، قال الجنرال: «إذا دعت الحاجة، نحن على استعداد للرد بسرعة قاتلة وساحقة ومدمّرة، في الوقت والمكان اللذين نختارهما بأنفسنا».
من جهة أخرى، أكد رئيس لجنة الدفاع في برلمان كوريا الجنوبية كيم يون أو «أنّ كوريا الشمالية تمكّنت من استيعاب تقنيات تغلب رؤوس الصواريخ الحربية على طبقات الغلاف الجوي الكثيفة».
ووصف المسؤول التشريعي الكوري الجنوبي في مقابلة مع راديو «KBS» ذلك بأنه «مفتاح بناء صواريخ بالستية عابرة للقارات».
وأفاد كيم بأنّ «عسكريي بلاده درسوا بتمعّن شريط الفيديو الذي صوّره شهود عيان في 28 تموز والذي رصد دخول القسم العلوي من الصاروخ الكوري الشمالي إلى طبقات الجو الكثيفة».
ولاحظ المسؤول الكوري الجنوبي في هذا الشأن أن «الوهج المنبعث من الهدف المتساقط متساوٍ للغاية»، وهذا يدل بحسب رأيه على أن «القسم الحربي للصاروخ تحمّل درجة الحرارة العالية والخطرة، وتضاعف الأحمال، ولم يتفتت ولم يحترق في الهواء، وأصاب الهدف المحدّد له».
وأكد كيم أيضاً أنّ «بيونغ يانغ تمكّنت بشكل ملحوظ من رفع دقة صواريخها»، لافتاً بالخصوص إلى «حقيقة أن الشطر الشمالي نفذ إطلاق الصاروخ رغم احتمال سقوطه بالصدفة في اليابان، تدلّ على قدرته الفعالة على التحكم في مسار رحلة الصاروخ».
وبحسب جيش كوريا الجنوبية، سقط الرأس الحربي في التجربة الصاروخية الأخيرة على بعد 150 كيلو متراً من جزيرة هوكايدو، في المنطقة الاقتصادية اليابانية.
كما لفت كيم إلى أنّ «مدى الصاروخ الكوري الشمالي يمكن أن يصل إلى 10 آلاف كيلومتر، وبالتالي فمدن مثل واشنطن ونيويورك، تقع في مداه النظري»، مضيفاً «هذه الحقيقة يمكن أن تغيّر تماماً الوضع في مجال الأمن في شمال شرق آسيا».
وربما لهذا السبب رأى المسؤول البرلماني الكوري الجنوبي «أنّ التجربة الصاروخية الكورية الشمالية الأخيرة، تشير إلى رغبة بيونغ يانغ ببدء حوار مع واشنطن بشأن برنامجها الصاروخي والنووي، ومشاكل الأمن الإقليمي الأخرى».
وفي المقابل، أكدت بيونغ يانغ «أنّها ستواصل إظهار واستعراض قوتها النووية والصاروخية، طالما استمرت الولايات المتحدة بممارسة سياسة عدائية تجاهها»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «رودونغ سينمون» المركزية في كوريا الشمالية.
وقالت الصحيفة الحكومية، «إن النجاح الكبير للاختبار الثاني لصاروخ باليستي عابر للقارات من طراز هواسونغ-14 كان بمثابة استعراض لقوة الإيمان الثوري لحزبنا وشعبنا، واستعدادهما لضرب الإمبريالية الأميركية، طالما لم توقف سياستها العدائية، التي عفا عليها الزمن، تجاه كوريا، ولم تركع لتقدم اعتذاراً عن المعاناة التي تسبّبت بها لأمتنا»، حسبما جاء في أحد المقالات الصحافية تعليقاً على أحدث التجارب الصاروخية في كوريا الشمالية.
واعتبرت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية، «أن استعراض بيونغ يانغ قوتها النووية والصاروخية، يظهر سعيها الجاد لإحداث تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاهها».