الجيش السوري يوسّع سيطرته في الغوطة… ويُمسك مفاصل التنقل بين الرقة ودير الزور لبنان يحتفل بعيد جيشه بالانتصار على الإرهاب… الباصات تتحرّك اليوم… وداعش ينتظر الحسم
كتب المحرّر السياسي
تبدو إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كأوراق شجرة خريف هشّة، فلا يكاد يلتئم فيها جرح حتى يتفتّح آخر، ولا يكاد يُعيّن موظفاً كبيراً من طاقم الرئيس المباشر حتى يبدأ بحزم حقائبه، فمنذ دخوله الأبيت البيض خسر الرئيس الأميركي عشرة من كبار موظفيه الذين قام هو بتعيينهم، وكان أسرعهم رحيلاً وأهمّهم مكانة الصديق المقرّب منه، ومن أفكاره مستشاره للأمن القومي مايكل فلين، ليتبعه مدير اتصالاته في الأهمية وسرعة الرحيل أنتوني ساكراموتشي، بعدما رحل قبل يومين وزير العدل، وقبله الناطق بلسان البيت الأبيض وقبلهما مدير «أف بي أي»، لترتسم صورة من الوهن والضعف والارتباك لم تشهدها إدارة أميركية مع أسلافه.
تتزامن الإشارات السلبية عن تماسك إدارة ترامب مع حملة لم تتوقف في الكونغرس للنيل منه، ومع تصعيد فرضه الكونغرس على العلاقات الروسية الأميركية بقانون يفرض التدخل في شؤون النخب الروسية وملاحقة أموالها بقياس درجة علاقتها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما استجلب رداً روسياً غير مسبوق بتقييد العمل الدبلوماسي الأميركي في موسكو إلى حدّ يقارب الإلغاء.
التأزّم الروسي الأميركي لم ينَلْ من التفاهمات حول سورية وفقاً لكلام الخارجية الروسية، وربما يكون الإنجاز المشترك في سورية، حيث تفقد واشنطن أوراق قوتها وقدرتها على التحكّم بالحرب مع داعش، فرصة ترامب لتحقيق إنجاز يباهي به خصومه، بعدما فشلت «قوات سورية الديمقراطية» بالتقدّم في مناطق انتشار داعش في الرقة ودير الزور والمناطق الواقعة بينهما، بعدما سيطر الجيش السوري على مناطق جديدة في ريف الرقة وريف دير الزور أتاحت له الإمساك بخطوط التواصل بين المدينتين والمحافظتين، وبالتالي بمستقبل المعركة مع داعش، فيما سجلت معارك الغوطة مزيداً من الإنجازات للجيش السوري في جبهات عين ترما والمناطق القريبة من حي التضامن بدمشق.
في لبنان الذي يحتفل بعيد جيشه في يوم واحد مع الجيش السوري ويترك لمواجهة الإرهاب من دون تنسيق علني وكامل بين الجيشين يزيد من فرص النصر ويسرّع وتيرة التفوّق، والجيش يستعدّ لمواجهة مع تنظيم داعش الذي يختطف عسكريين لبنانيين ويحتلّ أرضاً لبنانية، يعيش اللبنانيون فرحة النصر على جبهة النصرة وسقوط الأكاذيب التي أدمنها بعض الساسة عن ربط عودة النازحين السوريين بقرار دولي، في ما يستعدّ الآلاف منهم للرحيل إلى الداخل السوري بلا مواكبة ولا دور أممي، وبلا حلّ سياسي في سورية، مؤكدين أنه عندما تتوفر آلية قانونية ولوجستية بالتنسيق مع الحكومة السورية يمكن بيوم واحد ضمان عودة الآلاف منهم.
إرجاء المرحلة الثانية من «الصفقة» إلى اليوم
بعد إنجاز المرحلة الأولى من اتفاق «التبادل» بين حزب الله وتنظيم «جبهة النصرة»، تستكمل اليوم تنفيذ المرحلة الثانية برعاية الأمن العام اللبناني، بعد أن كان متوقعاً إنجاز الاتفاق صباح أمس، لكن أسباباً لوجستية تتعلق بنقل الارهابيين وعائلاتهم والنازحين في الباصات حالت دون ذلك.
وأعلن الإعلام الحربي في حزب الله إرجاء مغادرة الحافلات التي ستقلّ مسلحي النصرة والمدنيين الى صباح اليوم، بسبب إجراءات لوجستية واكتمال وصول كامل الباصات في الساعات المقبلة، كما أعلن في وقتٍ سابق تجميع الحافلات المخصصة لنقل المسلحين وعائلاتهم في أول منطقة وادي حميد بعد نقطة الجيش اللبناني بجرد عرسال.
وقالت مصادر معنية لـ «البناء»، إن «مسلحين من جبهة النصرة في عرسال تجمعوا حول الباصات الـ 70 التي وصلت من أصل 150 باصاً، وتعرقل تقدم الباصات بعد خلاف وقع بين رافضين للاتفاق الذين انتشروا بكثافة بأسلحتهم الفردية مهددين بإحراق الباصات بمن فيها، وبين مؤيدين له، الأمر الذي حال دون أن تتمكّن من مواصلة طريقها إلى وادي حميد، حيث عملية تجمّعهم ونقلهم».
ولفتت المصادر إلى أن «كل ذلك يجري وسط غياب كلي لمتزعم النصرة أبو مالك التلي». وأفادت مصادر أخرى لـ «البناء»، أن «التلي اختفى من الجرود كلياً في اليوم الأول للهدنة ولجأ إلى أحد مراكز الأمم المتحدة في أحد المخيّمات باتفاق قطري، كاشفة أن موفداً قطرياً حضر في تلك اللحظة الذي كان قد وصل إلى عرسال بموكب من ٥ سيارات دبلوماسية رباعية الدفع فجر اليوم الأول من الهدنة، حيث توقفت السيارات في ساحة شتورا حتى الثانية فجراً ثم انطلق إلى عرسال، الوفد عاد في ساعات الصباح الأولى سريعاً وتوجّه مباشرة إلى مطار رفيق الحريري الدولي. وبعد ذلك اختفى أثر التلي كلياً من الجرود مع خمسة من مساعديه»، ورجّحت المصادر إخراج التلي ومساعديه الخمسة خارج لبنان.
.. والدولة السورية تسهّل
وقد أثبتت الدولة السورية من خلال تسهيل إتمام اتفاق التبادل بأنّها على أتمّ الاستعداد في أي وقتٍ لإعادة مواطنيها الى حضن الدولة وإلى قراهم ومدنهم وأسقطت الاتهامات بحقها بأنها تعرقل عودة النازحين الى سورية وبأنها لا تريد إنهاء ملف النزوحز وقالت مصادر معنية بالعلاقات اللبنانية السورية لـ «البناء» إن «الدولة السورية قدّمت اقتراحات وخططاً عدة على الحكومات اللبنانية السابقة لإعادة النازحين، لكن لم يتم تلقفها والتعامل معها بجدية. وهي اليوم مستعدّة الى التعاون والتنسيق مع أي جهة رسمية في الدولة اللبنانية لإنهاء ملف النزوح». ولفتت الى أن «منطق الحكومة السورية هو المصالحات بين السوريين ووقف الحرب والقتل وعودة السوريين النازحين كلهم الى حضن الوطن، لكن التنظيمات الإرهابية في سورية ولبنان ومَن يدعمهم في السر والعلن كانوا يعرقلون ذلك»، وأوضحت المصادر أن «السلطات السورية تسهّل عودة كل من يرغب من النازحين في لبنان الى سورية، كما أنّها تسهّل عملية التفاوض التي تجري حالياً لإتمام صفقة التبادل بين الحكومة اللبنانية وجبهة النصرة ولولا هذا التسهيل لما أنجزت المرحلة الأولى منها وتنجز الثانية».
وأضافت المصادر أن «لا مانع لدى السلطات السورية من دخول مسلّحي النصرة الى إدلب، حيث معقل تنظيم النصرة الإرهابي، فسبق ووافقت على انتقال مسلحين من تنظيمات مختلفة من منطقة إلى أخرى من خلال تسويات أو مصالحات، كما حصل في حي الوعر في حمص والزبداني وغيرها»، لكنها جزمت بأن «الجيش السوري لن يسمح ببقاء إرهابي واحد على الأرض السورية ولا شبر أرض محتلّ، فلا مستقبل لهذه الجماعات الإرهابية الطارئة على المجتمع السوري في سورية».
بري: للوقوف خلف الجيش
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه لـ«البناء» ارتياحه إلى تحرير جزء كبير من الجرود اللبنانية من الاحتلال الإرهابي، والقضاء على تنظيم جبهة النصرة واستكمال التفاوض لإخراج ما تبقى منهم من الأرض اللبنانية بانتظار إنهاء الوجود الإرهابي كلياً من الحدود اللبنانية السورية، مع العملية العسكرية التي سيقوم بها الجيش ضد تنظيم «داعش»، وبالتالي إزالة الخطر الأمني والعسكري الذي عانى منه لبنان منذ أربع سنوات».
كما جدّد الرئيس بري تأكيده بأن «انتصار المقاومة في جرود عرسال هو انتصار جديد لكل لبنان واللبنانيين»، مشيداً بـ «اللحمة والتلاحم الوطني والاحتضان الشعبي للجيش والمقاومة الذي رافق عملية تحرير الجرود»، داعياً الجميع الى «الوحدة الوطنية والوقوف خلف الجيش في معركته المقبلة مع داعش».
والتقى الرئيس بري في عين التينة المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى حسين أمير عبد اللهيان، في إطار جولة يقوم بها عبد اللهيان على كبار المسؤولين. وأكد عبد اللهيان أن «الانتصارات الكبرى التي حققها لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته ضد الإرهاب والإرهابيين في عرسال، تأتي استكمالاً للانتصارات السابقة التي أنجزت ضد القوى الإرهابية في حلب والموصل، وها هي تتحقق اليوم على الحدود اللبنانية السورية».
ولفت إلى أن «المعادلة التي تتمثّل بالوحدة والانسجام بين الشعب والجيش والمقاومة هي العنصر الأساسي والحاسم الذي أدى ويؤدي الى انجاز هذه الانتصارات الكبرى». مضيفاً: «كونوا على ثقة تامة أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقف بكل قوة وصلابة الى جانب لبنان الشقيق ومقاومته الباسلة في تصديه لكل المحاولات الآثمة والاخطار المحدقة التي يشكلها الكيان الصهيوني على لبنان وسيادته».
المعركة مع «داعش» قريبة
على صعيد المعركة مع تنظيم «داعش» في القسم الثاني من الجرود، فقد علمت «البناء» من مصادر عسكرية أنّ «وحدات الجيش استكملت تجهيزاتها واستعداداتها عسكرياً ولوجستيا للمعركة مع داعش»، وأكد المصدر «أن المعركة مع داعش قريبة جداً»، جازماً تأخرها «للانتهاء من عملية إتمام المرحلة الثانية مع النصرة».
وقد بدأ الجيش بالتمهيد للمعركة، فقد شنّ الطيران الحربي التابع له غارات على مواقع التنظيم في جرود القاع، كما استهدف تحرّكات مشبوهة للمسلحين بجرود رأس بعلبك والقاع، وحقّق إصابات مباشرة.
وأشارت مصادر عسكرية مطلعة إلى أن «الجيش لديه خبرة قتال في الجبال كما لديه معرفة الأرض، وكل مقومات المعركة موجودة لدى الجيش»، لكنها حذرت من احتمال وجود خلايا لداعش في المناطق اللبنانية كلها تخطط لتنفيذ عمليات ارهابية»، داعياً الى تنسيق أمني لحماية البلاد بالتزامن مع العمل العسكري.
توقيف شبكة إرهابية
وفي عملية استباقية نوعية أوقفت شعبة المعلومات خلية محترفة تابعة لتنظيم «داعش» ناشطة في المجالات الأمنية، التنفيذية، المالية واللوجستية في لبنان والخارج.
وقالت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان: «بنتيجة المتابعة الاستعلامية والميدانية، وفي إطار عمليات الأمن الوقائي والاستباقي الجارية من قبل شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، لجهة متابعة نشاطات الخلايا الإرهابية وبصورة خاصة تلك المرتبطة بتنظيم «داعش» الإرهابي، تمكّنت هذه الشعبة من تحديد أفراد خلية أمنية خطيرة تعمل لصالح هذا التنظيم في لبنان، وتبين أن أفرادها ينشطون بين مدينة طرابلس ومنطقة الضنية في شمال لبنان».
وتابع البيان: بتاريخ 24 و 25/7/2017، نفّذت قوّة خاصة من الشعبة المذكورة عمليات دهم، أسفرت عن توقيف كامل أعضاء الشبكة، وضبطت 13 صاروخاً مذنّباً عيار 60 ملم و13 صاعقاً كهربائياً، تعمل بواسطتها هذه الصواريخ وجميعها صالحة للاستعمال، إضافةً إلى ضبط عددٍ من البنادق والمسدّسات الحربيّة مع الذخائر العائدة لها، وعددٍ كبيرٍ من أجهزة التواصل اللاسلكية، الهاتفية والإلكترونية، حافظات معلومات وشرائح تتضمّن خرائط مفصّلة لمنطقتَي الشمال والبقاع وغيرها.
أمّا أعضاء الخلية فهم كلّ من:
– م. ب. مواليد عام 1977، يحمل الجنسيّتين اللبنانية والفرنسية .
– ف. د. مواليد عام 1965، لبناني .
– ج. ج. مواليد عام 1971، لبناني .
– أ. ح. مواليد عام 1986، لبناني .
الجيش محصّن بالقرار السياسي
ويبدو أنّ الجيش سيخوض المعركة محصّناً بالقرار السياسي، فقد أكد رئيس الحكومة سعد الحريري من بعبدا أمس، خلال لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنّ «للجيش تغطية شاملة في كل عملياته وهذا شيء أساسي لدينا. وهناك تفاوض حول خروج بعض المسلحين والجيش يحضّر ويعمل ليل نهار من أجل هذا الموضوع، وحين تنطلق ساعة الصفر بإذن الله، الجيش سيكون منتصراً».
وأكد وزير الدفاع يعقوب الصراف أن «الجيش مكلّف بمهمة، ولقيادة الجيش الحق بانتقاء الزمان والمكان والاسلوب. وأسلّم كل ثقتي بالمؤسسة العسكرية وقيادتها». وفي حديث تلفزيوني، شدد على أن «الفرحة تكتمل بانتصار وراء آخر، والانتصار الأكبر يكون بدحر كل اعداء لبنان من الارهابيين او الإسرائيليين»، داعياً «للوقوف الى جانب الجيش وأقول لقيادة الجيش إن لديكم وزيراً وراءكم وأمامكم».
في غضون ذلك، وعشية العيد الثاني والسبعين للجيش أكد قائد الجيش العماد جوزاف عون في أمر اليوم إلى العسكريين «أن الجيش رسم الخطوط الحمر، التي لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، لأنه تجاوز لمصالح الدولة ومؤسساتها، ولسلامة المواطنين، وحقّهم المقدس في العيش الآمن الحر الكريم، مشدداً على أن الجيش هو مَن يضع الخطوط الحمر أمام كلّ من يحاول زعزعة الأمن والنظام، وضرب المؤسسات، والعبث بالحياة الديموقراطية روحاً وممارسة».
ويرأس رئيس الجمهورية الاحتفال المركزي بعيد الجيش الذي سيُقام اليوم في ثكنة شكري غانم في الفياضية لتقليد ضباط دورة «المقدّم الشهيد صبحي العاقوري» سيوفهم، ويلقي كلمة وجدانية للمناسبة، على أن يُعقد على هامشه اجتماع بين الرؤساء عون وسعد الحريري ونبيه بري.