القدس أيقونة النضال الفلسطيني
وسام زغبر
خمسون سنة مرّت على الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس. خمسون سنة وتتعرّض لعدوان إسرائيلي استيطاني كولونيالي يسعى لطمس هويتها الوطنية وتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها وفصلها عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية لقطع الطريق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
فمن حق كلّ فلسطيني أن يتساءل، لماذا كلّ هذه الحشودات الإسرائيلية في شوارع وأحياء مدينة القدس والتواجد الكثيف على أبواب المسجد الأقصى المبارك، وما الهدف من تركيب البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية والإجراءات العدوانية المتواصلة ضدّ المقدسيين.
ربّ ضارة نافعة، فانفجار الأوضاع في القدس وفي ساحات الحرم القدسي الشريف منذ الرابع عشر من تموز/ يوليو الحالي، لفت أنظار الدول العربية والإسلامية وكافة أحرار العالم إلى مخاطر ما يحدث في القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وللإجراءات الإسرائيلية الإجرامية التي تكرّس المدينة المقدسة أنها عاصمة موحّدة لها بتقييد حرية العبادة والصلاة في المسجد الأقصى بزرع بوابات إلكترونية تارة واستبدالها بكاميرات ذكية خفية والتفتيش اليدوي بدعوى حماية المصلين. علماً أنّ الخطر الحقيقي على الشعب الفلسطيني وعلى مدينة القدس هو الاحتلال وإجراءاته العنصرية واقتحاماته لباحات المسجد الأقصى في محاولة بائسة لفرض التقسيم الزماني والمكاني على الأقصى على غرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي بالخليل.
إنّ المعتصمين على أبواب المسجد الأقصى كشفوا عن الوجه القبيح والمخزي للأنظمة العربية والإسلامية التي تماطل في عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب أو عقد قمة عربية عاجلة وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي، فيما تتلهّف وراء التطبيع وصناعة التحالفات علناً وسراً مع «إسرائيل»، وتحرف الأنظار عن المشروع الصهيوني الهادف للاستيلاء على القدس والمقدسات فيها.
الأحقية لمدينة القدس والمسجد الأقصى هي للفلسطينيين وحدهم، وهذا ما أقرّته الشرائع الدولية والمنظمات الأممية ولا سيما قرارات منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو التي تعتبر القدس مدينة محتلة ويجب سحبها من السيادة الإسرائيلية وكذلك أنّ المسجد الأقصى وحائط البراق من المقدسات الإسلامية الخالصة وأنه لا علاقة لليهود بهما، وإدانة الاعتداءات والإجراءات الإسرائيلية الغير قانونية ضدّ حرية العبادة ودخول المسلمين للمسجد الأقصى. وربما تعود بنا الذاكرة إلى الهبّة الجماهيرية الفلسطينية عام 1929 عندما أكدت لجنة أممية على أنّ ملكية حائط البراق تعود للفلسطينيين وهو جزء من الحرم القدسي الشريف.
الأحداث الجارية في القدس منذ الرابع عشر من يوليو/ تموز رغم تصاعد عمليات القمع والمداهمة والاعتقال الجماعي والإعدامات اليومية، تؤكد أنّ الفلسطينيين لهم السيطرة والسيادة على القدس والأقصى مجبرة حكومة الاحتلال على البحث عن طوق نجاة لها بالتراجع عن خطوتها في تقييد حرية العبادة بالأقصى وفرض البوابات الالكترونية. ربما رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نجح في النزول عن الشجرة بسُلّم نجاة في أعقاب حادثة السفارة الإسرائيلية في الأردن، وساعده المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في التوسط بصفقة بين نتنياهو والعاهل الأردني متجاهلاً السلطة الفلسطينية الذي يقضي بإزالة البوابات الإلكترونية واستبدالها بكاميرات.
إنّ وزارة الإسكان الإسرائيلية عمدت مؤخراً إلى تبني خطة ذات أثار استراتيجية لإقامة 110 وحدات سكنية استيطانية شمال شرق القدس توسع حدود المدينة إلى الشرق وتجمع بين حي النبي يعقوب ومستوطنة جيفع بنيامين آدم التي تقع شرق حدود جدار الفصل العنصري، وهذا المشروع يفصل بين التجمّعات السكانية الفلسطينية ويحول دون إقامة تواصل جغرافي بين أحياء القدس المحتلة عام 1967 وبين محافظة رام الله والبيرة، ما يحول دون إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967.
الخطة الإسرائيلية لتهويد مدينة القدس متكاملة وتسير على قدم وساق، حيث صادقت مؤخراً لجنة التشريع في البرلمان الكنيسيت الإسرائيلي على مشروع قانون يمنع تقسيم مدينة القدس في التصويت بالإجماع، الذي ينص على منع تقسيم القدس إلا بموافقة 80 عضو كنيسيت حتى لو كان ذلك في إطار عملية السلام مع الفلسطينيين، وتسعى «إسرائيل» بإحداث تعديل على قانون أساس لإحداث تغيير ديموغرافي كبير في القدس يعمد لنقل مخيم شعفاط للاجئين وكفر عقب وعناتا 140 ألف مواطن فلسطيني اللذين يتبعان لبلدية القدس ويقعان خلف جدار الفصل العنصري إلى سلطات محلية مستقلة في المقابل ضمّ 24 مستوطنة إسرائيلية 150 ألف مستوطن إسرائيلي إلى داخل حدود بلدية القدس بما يضمن سيادة إسرائيلية على المدينة المقدسة. اللافت أنّ رئيس المجلس الإقليمي للمستوطنات في شمال الضفة الفلسطينية يوسي دغان نفذ جولة في المدينة القديمة بالقدس المحتلة في مغارة الكتان أو ما تسمى «مغارة صدقياهو» وهي مغارة أثرية تقع أسفل البلدة القديمة وتمتدّ تحت سورها بين باب العمود وباب الساهرة، تهدف لتهويدها.
إنّ القدس تعيش بين صراع دموي همجي علني، وصراع صامت تهويدي استراتيجي في تحدّ سافر لقرارات الأمم المتحدة، دون وضع خطة عربية بشأن المدينة المقدسة، بينما الموقف الرسمي الفلسطيني يعيش عجزاً سياسياً قائماً على سياسته الانتظارية بالقيام بخطوات تكتيكية كتجميد العلاقات والتنسيق الأمني مع «إسرائيل» ودعم مدينة القدس بعشرات الملايين من الشواقل تنتهي بمعالجة مشكلة البوابات والكاميرات الالكترونية وانتهاء الأحداث الملتهبة في القدس، دون القيام بخطوات استراتيجية لحماية الشعب الفلسطيني في العاصمة الفلسطينية والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وتشكيل مرجعية وطنية ائتلافية على قاعدة الشراكة الوطنية الكاملة لمدينة القدس توفر مقومات الصمود للمقدسيين، والشروع الفوري بتطبيق قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته الأخيرة.
على السلطة الفلسطينية أن تعي حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتهويد التي تتعرّض له مدينة القدس والمقدسات فيها على وجه الخصوص، وأن تخرج عن العجز السياسي الذي تعيشه ولا ترضخ للضغوطات الأميركية التي تهدف لقمع التحركات الشعبية بذريعة فرض التهدئة لإفساح المجال باستئناف المفاوضات الثنائية وفق شروط غرنبيلات التسعة التي تبرّر لـ»إسرائيل» كلّ إجراءاتها التهويدية والاستيطانية الهادفة للقضاء على الملامح العربية للقدس والمعالم والمقدسات الإسلامية فيها، لذلك المطلوب من حركة حماس حلّ اللجنة الإدارية في قطاع غزة، وكذلك من السلطة الفلسطينية التحرك نحو تطبيق مخرجات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني المنعقدة بـ 10-11/1/2017 في بيروت لتجهيز قانون وآليات الذهاب لانتخابات تشريعية ورئاسية وكلّ مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بالتمثيل النسبي الكامل، واستئناف المقاومة الشعبية وتطويرها نحو الانتفاضة الشاملة على طريق التحوّل لعصيان مدني ضدّ الاحتلال، وتفعيل تدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية في المحافل الدولية.
الفلسطينيون اليوم موحّدون في وجه الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تستهدف القدس والمقدسات، وإفشال كافة المخططات الإسرائيلية لتهويدها، مجبرين رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التوقف باللعب بالنار بعدما فشل المفاوض الفلسطيني في إرغامه عبر مفاوضات عبثية ضيّعت على الشعب الفلسطيني ربع قرن استغلها الاحتلال في التهويد والاستيطان وتمييع الحقوق الوطنية الفلسطينية.
كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة
swisam2009 hotmail.com