بوّابة الجنوب… مفتاح الحلّ المعلّق
بهاء خير
انتصار كتب في الجرود ومساحات تقلّصها أقدام رجال الجيش في البادية السورية.. محاور عدّة وفي أكثر من اتّجاه قطعت الطريق على ما كان يُرسم اتجاه المنطقة الجنوبية، ولكن يبقى السؤال: هل باتت المنطقة الجنوبيّة في منأى عن حسابات واشنطن وحتى «إسرائيل» كما يبدو في الظاهر؟
منذ بداية الحرب على سورية تمّ تقسيم المناطق إلى محاور كلّ محور منها يتّصل بحدود مع دولة مجاورة لسورية تشكّل مدخلاً لإيصال الدعم لمجموعات إرهابية تختلف بارتباطاتها، ولكن يبقى للمنطقة الجنوبيّة المفتوحة على الأردن خصوصيّة تاريخية قبل أن تكون جغرافية…
تمّ الاعتماد على الأردن الذي دخل خطّ المواجهة غير المباشرة مع سورية ليكون الذراع الممتدّة نحو الداخل السوري، وتحديداً نحو حوران ودرعا بريفها، عبرعلاقات عائليّة تربط ما بين الجانبين وتواصل لم ينقطع كرباط الوريد بالقلب… فالأردن يعتبر العلاقات العائليّة التي تجمع الطرفين مفتاحاً له لبثّ ما يريد في الجزء الجنوبي من سورية.
كلّ هذا جعل من الأردن قاعدة انطلاق تشكّل منظومة متكاملة بالنسبة لأجهزة استخبارات عالمية، لطالما كانت متواجدة هناك وعزّزت من وجودها عبر غرف عديدة أبرزها الموك وغيرها ممّن قد تكون من الأهميّة بمكان ولكن للسرّية وُضعت في الظلّ…
الحذر السوري من عمّان حاضر، وأخذ على محمل الجدّ ودعمت ذلك مواقف روسية كانت على التوازي مع عمليات عسكرية قام بها الجيش السوري لفكّ الطوق السياسي أولاً، والطوق العسكري الذي كان محضّراً لحوران أميركياً وعربياً أيضاً…
قُلّصت مساحة الحدود المسيطر عليها من قِبل الجماعات الإرهابيّة، وشكّلت تلك المنطقة جزءاً من خارطة العمليات الميدانية للجيش والقوّات الحليفة له. كلّ هذا جاء مدعوماً بحضور روسي على الأرض عبر إرسال موسكو مجموعات عسكرية إلى هناك، بقصد إضفاء قوة مضافة لموقف وعمليات الجيش. سؤال آخر يحيط بتلك المنطقة، هل كانت الخطوات الروسيّة السوريّة ضمن قائمة الاحتمالات الأميركيّة العربية حتى؟
تكثر التكهّنات والتوقّعات وحتى التحليلات الميدانية والسياسية، إلّا أنّ واقعاً مفروضاً ميدانياً، وخطوط تواصل دولية غير ظاهرة هي الحاكمة لمسار العمليات والتطوّرات هناك. والأرجح أن تُشكّل تلك المنطقة بوّابة ضغط وورقة أميركيّة في وجه موسكو بحكم تراجع الحضور الأميركي في الشمال، نظراً لعمليات ميدانية سحبت الكثير من النقاط التي كان من الممكن أن تشكّل إسفيناً في أيّ تفاهم قد يُبرم. حدود مع العراق أُغلقت، وحدود من الشرق مع لبنان أيضاً باتَ ملفّها في حكم المغلق تماماً، فلم تبقَ إلّا منطقة جنوبيّة عناصرها المقابلة أردنية «إسرائيلية»، تتبادل الدعم والتأثير ما بين ريف دمشق وصولاً إلى ريف القنيطرة ودرعا على طول الحدود مع الجولان السوري المحتلّ وصولاً إلى الحدود مع الأردن.
الدّعم «الإسرائيلي» الحاضر على الحدود مع الجولان السوري المحتلّ لم يكن بعيداً عمّا حُضّر ويحضّر في الداخل وعلى الحدود الأردنية… فالتصوّر «الإسرائيلي» لتلك المنطقة يشابه إلى حدّ قريب ما رُسم لجنوب لبنان في سبعينيات القرن الماضي وتشكيل جيش لحد الداعم «لإسرائيل» والحارس لمصالحها جنوب الليطاني، وهنا المقاربة ما بين جيش لحد وتجمّع الفصائل الإرهابية على طول التخوم مع الجولان السوري المحتلّ، إلّا أنّ مقوّمات النشوء غائبة وفاقدة لمتطلّبات الحياة. ولكن هذا لا يعني أنّ «إسرائيل» وأميركا استسلمتا لواقع فُرض إيقاعه عسكرياً سورياً، فبوّابة الجنوب بالنسبة لهما بوّابة حياة للبقاء وفرض الوجود…