عيد بأيّة حال…؟
حاتم الشلغمي تونس
بعد الهالة الإعلامية المدروسة – التي حظي بها تنظيم «داعش» الذي يبدو أنّه قد أنهى مهامه الرسمية في أرض «الشرق الأوسط الجديد»، ودخل الآن في مرحلة السيناريو، تتحوّل الأعين والعدسات والأقلام الى سماء هذا الشرق حيث مقاتلات وطائرات ما سُمّي «حلفاً دولياً لمكافحة داعش»، والتي ترمي بصواريخها المتطورة على الأراضي والمنشآت النفطية التي يسيطر عليها هذا التنظيم في العراق وسورية بعد التنسيق مع الأولى وإعلام الثانية عبر ثلاث جهات رسمية كما صرّح وزير الخارجية السوري السيد وليد المعلّم.
لقد تزايد حجم القلق بين الجمهور الداعم للدولة السورية كما بين حلفائها الذين تسارع نسق لقاءاتهم المتبادلة. فسورية بحسب البعض تشهد المرحلة الأخطر منذ بدء الهجمة الكونية ضدّها. فإيجاد الولايات المتحدة الذريعة القديمة الجديدة المتمثلة في مكافحة الإرهاب، والتكالب التركي لفرض واقع المنطقة العازلة شمال سورية بحجة «حماية قبر ميت»، أمام ما وصفه البعض بـ»التراخي» في تصرفات إيران وروسيا الحليفين الرسميين للدولة السورية، قد شكّل تقريباً هاجساً وقلقاً حقيقياً لكلّ المساندين لخيار الدولة الوطنية السورية، ومن حقّهم أن يقلقوا أمام كلّ هذا المشهد الذي يبدو غامضاً إلى درجة ما.
ولكن بحسب التحليل السياسي والاستراتيجي، نعلم جيّداً أنه في واقع التعامل بين الدول والدبلوماسيات، ليس كلّ أمر يُقال… بينما تكون لغة الرسائل هي السائدة. فيكفي مثلاً أن يقول الرئيس بشّار الأسد إنّ سورية ماضية في مكافحة الإرهاب وإنّ تأمين كلّ المحاور التي تحيط بدمشق تمثّل أولوية… هذا عنوان عريض أما التفاصيل فهي بيد قوات الجيش العربي السوري. ويكفي أن يقول السيد حسن نصرالله: «لن تسقط لا بيروت ولا غير بيروت في يد الجماعات التكفيرية»… هذا عنوان عريض، أما التفاصيل فيحقّقها التنسيق بين المقاومة والجيش. يعني ما يُراد قوله هو أنّ الجمهور الذي صمد قرابة أربع سنوات أمام حجم التزوير والتهويل والتشويه والشيطنة، ومنح ثقته لقيادة الدولة السورية السياسية والعسكرية التي أثبت أحقيتها وجدارتها بهذه الثقة لا يمكنه أن يجد لنفسه الآن الذرائع والتعليقات الانفعالية كوسيلة لإبداء رأي يبدو منقوصاً وغير مكتمل – كحال المشهد الدولي العام – ووصف حلفاء سورية بـ»التخاذل» أو «التراخي» أمام ما تتعرّض له أرضها المقدّسة من سيناريوهات «قد تنفجر و تخرج عن السيطرة» كما عبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خصوصاً أن حجم الدعم والمساندة لم يهتزّ منذ بدء الأزمة.
في الحقيقة لقد سبق وأجاب الرئيس الإيراني حسن روحاني «أن أحداً لن يمنع غيران من قتال التنظيمات التكفيرية في أي مكان في حال تطوّر المشهد»، وسبقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين قال: «لن نتخلّى عن الأسد ولو وصل القتال إلى شوارع موسكو»… و ما قاله أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني «إن إسقاط سورية حلم لن يتحقق»… هذه الرسائل عناوين عريضة وتفعيلها سياسياً وعسكريا يبقى مهمة التنسيق بين كلّ أطراف الحلف الروسي الإيراني السوري المقاوم.
فالهدف المعلن من غارات التحالف على الشمال السوري هو ضرب «داعش» ومواقعها، ولكن على أرض الواقع ومنذ بدأت الغارات التي استهدفت المنشآت الحيوية السورية، قد سيطر هذا التنظيم على 17 قرية تقريباً وتمكّن من طرد أهلها نحو حدود تركيا التي تلوّح بالتدخّل العسكري شمال سورية، والتي قال رئيسها الذي اعتمد الغدر والحقد والحمق منهجاً: «أن إسقاط الرئيس الأسد والحفاظ على وحدة سورية ؟؟؟ أولوية مطلقة»، ليعلن بذلك عن نية حلف الولايات المتحدة الحقيقية.
يبقى التساؤل عن كيفية معاقبة هذا التحالف عسكرياً لأن العقاب القانوني أمر مستبعد خصوصاً أمام سيطرة الولايات المتحدة على دوائر القرار القضائي الدولي ، من قبل الدول التي لم تتورّط في الانضمام إليه إذا ما تجاوز نيته المعلنة وانتقل إلى تنفيذ نواياه المبيّتة ؟
أما بخصوص لبنان، فهو قد سلك كلّ السبل التي يعلم أنها غير مجدية لمحاولة تحرير بواسل الجيش وفك أسرهم، فقد شكرت الحكومة قطر وفاوضت تركيا واستمعت لفرنسا واتصلت بأميركا وائتمرت بأمر السعودية، أما السبيل الوحيد والأوحد المفتوح والخالي من المقايضات والعنتريات لخلاص البلد فهو التنسيق مع الدولة السورية وجيشها، ولكن لبنان ينأى بنفسه عنه للأسف. فلا مليارات السعودية السرابية ولا مراهقة بعض قواه السياسية يمكنها أن تخلّص البلد من محنته الداعشية. فالمطلوب من لبنان سعودياً هو الانتظار إلى ما بعد عيد الأضحى لتكون السعودية قد أمّنت انتهاء موسم الحجّ من دون تنفيذ «داعش» نيته في إعلان البيعة من الديار المقدّسة، لتتضح إمكانية وجود هدنة بين السعودية و»داعش» في شكل مقايضة، فتكون ضربات التحالف على المنوال السعودي بحيث لا توجع تلك الضربات التنظيم من جهة وعدم إتمام اي جهد لتسليح الجيش اللبناني، أو قيام الأخير بأيّ تنسيق مع الجيش السوري من جهة ثانية. وللأسف يبدو أنّ ما قامت به الحكومة اللبنانية يسير نحو الموافقة على هذا المنوال السعودي… فهل تغيّر الهبة العسكرية الإيرانية العاجلة إلى الجيش اللبناني لمحاربة الإرهاب رهانات الحكومة التي انتظرت العيد لكي تكون في مستوى الوطن التي هي مؤتمنة عليه؟
على أية حال، يتبيّن أنّ الجميع في المنطقة انتظر هذا العيد الكبير والاستثنائي في خياراته والمفصلي في ما بعده. عيد يجمع بلغة الدم بين الأضاحي والتضحيات. ولكن علّمنا التاريخ أنّ تجارب الصمود تولّد القوة وأنّ الصمت والصبر مع امتلاك القوة هو رهان رابح كما عبّر أسد سورية الأكبر.