قالت له
قالت له: لماذا أستطيع أن أحبّك وأكتفي بضمة وشمة ولا تعتبره حباً إلا إذا صار اشتعال كل مصابيح الحياة في لحظة اللقاء؟
قال لها: لأن هذا ما يميّز حبّ الحبيبة عن حبّ الأمّ إذا كان الحبّ بين رجل وامرأة فهو حبّ تحضر فيه صفتاهما كرجل وامرأة.
قالت: لكن الكثير من حضور هذه الصفات يذهب بالحب إلى النزوة أو الغريزة ويحوّله فعل استعمال متبادل يفقد الحب سمواً ورفعة.
فقال: في كلّ حاجة وغريزة مكان لذوق الرفيع والذوق الهابط ومكان للسمو ومكان للوضاعة. ففي أبسط غرائز العيش وصلتها بالطعام ثمة حوش تأكل وثمة ذواقة.
قالت: وثمة رهبان ونسّاك يرتضون الفتات ويعيشون سموّ الروح.
قال: وهم أنفسهم يرون الحبّ لله وحده ويترفّعون عن حبّ الرجل والمرأة فيرونه نزولاً من رتبة الملائكة التي ينذرون أنفسهم لبلوغها.
فقالت: وهل من منزلة في منتصف الطريق؟
قال لها: في الشعر فقط.
فقالت: وأنت شاعر!
فقال: ولذلك أكتب قصائدي بصوتي أحياناً وبهمسي أحياناً أخرى، وفي الحالتين شفتاي تنبضان بالشعر.
فقالت: وكيف تعرف المرأة أنها في حبّ بعينه لن تشعر بالندم ما دام وصال الجسد مخاطرة قد تنتهي ككلّ طعام بالشبع.
فقال: هي مخاطرة متبادلة بين الحبيبين أن يشرب كلّ منهما من يد أخرى، ويصابان بداء الغيرة. أو أن يشرب أحدهما من يد الآخر ويصابان بداء القلق من الملل. والشبع لكن المخاطرة ليست لأحدهما بل لكليهما فقد يقع الرجل بالغيرة وتقع المرأة بالملل.
فقالت: لكن الرجل أشدّ نهماً والمرأة أكثر شعراً.
فقال لها: ملل المرأة قد يكون من الشعر المكرّر.
فقالت: هاتِ شعراً لا يتكرّر.
فقال: قصيدة تكتبها الشفاه بعيون مغمضة.
فقالت: كيف؟
قال: أغمضي العينين وإليك البيان… وأغمضت.