العقوبات الأميركية… أسباب وتداعيات
معن حمية
لا أحد يعرف ما الذي كان يدور في ذهن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يوقّع رزمة عقوبات وضعها الكونغرس الأميركي ضدّ روسيا وإيران وكوريا الشمالية. لكن، ما هو معروف ومعلوم ومؤكد ومثبَت، أنّ سياسات أميركا وعلاقاتها ترتكز على خطط عامة وتخضع لاستراتيجيات مقرّرة، ويعلم ترامب كما كان يعلم أسلافه، الديمقراطيون منهم والجمهوريون، أنّ الرئيس لا يمتلك صلاحيات مطلقة ولا يستطيع القيام بأيّ إجراء يتعارض مع الخطط والاستراتيجيات الموضوعة من قبل مراكز الأبحاث والدراسات الخاضعة لنفوذ المحافظين الجدد وسطوة اللوبي الصهيوني.
المعطيات كلّها كانت تؤكد أنّ الرئيس الأميركي لن يردّ العقوبات إلى الكونغرس، ونائبه مايك بنس، المعروف بقربه الشديد منه، استبق توقيع رئيسه على العقوبات ضدّ روسيا، بالتأكيد له، لأنّ النشاط الروسي في زعزعة الاستقرار غير مقبول ، بحسب بنس. كما صدرت إشارات أميركية عديدة تؤكد أنّ توقيع ترامب حتمي وأنّ العقوبات ستصبح سارية المفعول.
المؤكد هو عدم وجود تباين داخلي في أميركا حول العقوبات، ولا يجوز أخذ النقاش باتجاه ما اذا كان الرئيس الأميركي وقع هذه العقوبات على مضض، أم عن سبق إصرار وطيبة خاطر. فالنقاش ليس حول هذه الجزئية، بل حول حجم التداعيات الكبيرة التي ستتأتّى عن هذه العقوبات، ليس على صعيد العلاقات الروسية ـ الأميركية وحسب، بل على صعيد العلاقات الأميركية ـ الأوروبية، وقد بدا واضحاً الموقف الألماني الذي يعارض العقوبات بشدة، لشمولها مشاريع تنفذها مؤسسات ألمانية وأوروبية مع روسيا. إضافة إلى أنّ هناك شعوراً أوروبياً بالخوف بدأ يظهر إلى العلن، من خطورة ذهاب المشرّعين الأميركيين لنشر سلطتهم القضائية خارج حدودهم، خصوصاً أنهم بواسطة العقوبات يضعون الاتحاد الأوروبي أمام الأمر الواقع.
منذ انطلاق الحملات الأميركية ضدّ روسيا واتهامها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أدركت روسيا أنّ هدف مراكز النفوذ في أميركا من وراء هذه الحملات تهيئة الرئيس المنتخب لاتخاذ خطوات غير مسبوقة في العلاقات مع الدول الندّية، لذلك لم يعوّل الروس كثيراً على وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وكلّ ما فعله الروس أنهم أبقوا على قنوات اتصال مفتوحة مع واشنطن، علّ هذه القنوات تساهم في فرملة الجنوح الأميركي نحو التصعيد. لكن بدا أنّ هناك إصراراً أميركياً على الدفع بالأمور نحو مربع الاشتباك. من هنا جاء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضع أكثر من 700 دبلوماسي أميركي على قائمة الترحيل. وهو قرار تعرف أميركا جيداً أنه ينطوي على رسائل تحذير روسية شديدة القوة.
ثمّة كلام عن قيام أميركا بتسليف الروس في سورية، في حين أنّ روسيا ترى العكس، وترى فشلاً أميركياً ذريعاً في سورية، خصوصاً في ظلّ ما يحققه الجيش السوري وحلفاؤه من إنجازات.
في موازاة ذلك، فإنّ الأوضاع على الصعيد الدولي غير ممسوكة، وروسيا وبعض الدول الأوروبية لا تبدي ارتياحاً لسياسات واشنطن، حتى أنّ الصين قدّمت عرضاً عسكرياً غير مسبوق، لأنها تستشعر تهديداً أميركيا بالواسطة، في حين أنّ إيران وكوريا الشمالية تواصلان بناء قوتيهما، ما يعني أنّ انفلات الأوضاع دولياً ليس في مصلحة أميركا، ولا في مصلحة الكيان الصهيوني…
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الإجتماعي