كيمياء نصرالله ـ الحريري
روزانا رمّال
ربما لم تسمح الظروف أن يعرف الرئيس سعد الحريري امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن قرب أكثر، ولم تشأ الصدف أن يجتمع الرجلان على طاولة واحدة لأكثر من بضع مرات قليلة تُعد على اصابع اليد الواحدة. فالحريري القادم الى السياسة بعد كارثة الاغتيال التي قلبت موازين البلاد، وهي اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري، أي والده، كان ضيفاً متواضعاً على عالم السياسة اللبنانية لا بل الإقليمية – الدولية دفعة واحدة وذلك من دون أي إنذار او تحضير للمهمة الصعبة. فالراحل رفيق الحريري لم يكن في حسبانه أن يجهّز أياً من اولاده لدخوله هذا العالم. هكذا ما ينقله مقربون من الرئيس رفيق الحريري لـ «البناء» حول تعاطي الحريري «الأب» مع مستقبل أبنائه الذين انصرفوا بمعظمهم نحو الاهتمام بالعمل الاقتصادي وإدارة الشركات والمؤسسات التجارية من دون أن يضغط رفيق الحريري يوماً أو يشجّع أحداً منهم لخوض غمار السياسة مرغماً، فكل ابن من أبنائه كان حراً في اختيار ما يلائمه ليكمل حياته المهنية. ويضيف المصدر «لكن وبالرغم من ذلك فقد كان رفيق الحريري يعترف أن ابنه سعد كان محباً للعمل الإداري والاقتصادي، وكان شغوفاً بهذا المجال حتى أنه كان يعتمد عليه في اي حاجة لسيولة مالية أو ترتيب مستحق ما، في وقت سريع جداً من الزمن، حتى ولو كان هذا المبلغ غير مؤمن نقداً. كان سعد قادراً على مساعدة والده جدياً. وكان والده يفاخر بذلك أمام أصدقائه، لكن كل هذا لم يعني يوماً أن الحريري الأب اهتم في تنشئة ابنه سعد ليحل مكانه ويتسلم المسيرة من بعده ولا حتى سعى لتنشئة ابنه «بهاء» سياسياً كابنه البكر «كل هذه الظروف لعبت سلباً باتجاه ادارة الحريري للعملية السياسية في بداية مهامه، فكيف بالحال وهو حامل إرث ثقيل من علاقة رفيق الحريري بالسياسة والمال وبحلفاء خارجيين كالسعودية التي كانت قد تمركزت في وقت مبكر في الجانب المعادي لسورية وحزب الله، معتبرة انهما طرفان مسؤولان عن اغتيال رفيق الحريري؟».
كل هذه الظروف لم تتح لسعد الحريري التعرف على الأفرقاء اللبنانيين بظروف أفضل وأبرزهم السيد نصرالله. وهو ما منع بناء علاقة متينة بين الحريري الابن ونصرالله، كتلك التي كانت موجودة بين الحريري الوالد ونصرالله قبل حادثة الاغتيال، خصوصاً بعد تعميقها حتى مراحل وجدانية محفوظة في ذاكرة من عرف الطرفين، بعد مرحلة تحرير جنوب لبنان عام 2000.
وبالعودة للظروف الحالية التي تحسب من عمر المرحلة السياسية الممتدة لما بعد خروج سورية من لبنان، فإن العلاقة بين الحريري ونصرالله لم يحكمها يوماً البعد الشخصي على غرار ما جرى مع خصوم الحريري السياسيين، على سبيل المثال النائب سليمان فرنجية، لأن التقارب بين نصرالله والحريري كان شبه مستحيل يوماً ما. وهو الأمر الذي صعّب المهمة لارتباط الحريري بأجندة واضحة.
أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مدّ يده للحريري الابن في أكثر من موقع يذكر منها المواقفة على صفقة انتخاب رئيس للجمهورية حليف لحزب الله مقابل رئيس عودته رئيساً للحكومة. وهو الأمر الذي لم يكن وارداً من دون ليونة نصرالله، وكرر نصرالله اليوم من هذه الليونة تجاه الحريري بإشادة بموقفه خلال عملية تحرير جرود عرسال والدعم الكامل الذي أبداه الحريري، حسبما قال نصرالله. وهو الامر الذي توقف عنده نصرالله امام جمهوره أولاً وخصومه ثانياً بأهمية الاعتراف بأدوار إيجابية ولو كانت عقد أتت عبر خصومنا السياسيين. وهو ما يعني انه يرغب بالاشارة الى موقف الحريري وعدم اعتباره موقفاً عادياً، لأن الإشادة بمواقف رئيسي الجمهورية ومجلس النواب بالنسبة للمتلقين تعتبر طبيعية وليست بالجديدة على نصرالله ليصبح الحديث عن الحريري هو بيت القصيد.
نصرالله المنتصر في معركة عرسال يهدي النصر للكل ويعترف لخصومه بحسن التعامل والتعاون وللذين أبدوا رغبة بدراسة مواقف نصرالله وتقاطعها مع مواقف إيران، فإن هذا غير بعيد عن رغبة مماثلة لإيران بالتقرب من السعودية بغية التعاون في ملفات المنطقة. وكلها أمور اعترفت فيها الجمهورية الإسلامية بأكثر من محفل دولي، نظراً لما لعودة التواصل من أثر مباشر على تقليل منسوب التوتر بين البلدين.
الكيمياء بين الحريري الابن ونصرالله، وإن كانت لا توزاي حالياً ما كانت عليه بين الحريري الوالد ونصرالله يوماً، إلا انها لا تبدو مستحيلة بجمع المعطيات تلك. فاللقاءات القليلة بين الطرفين التي تلعب دوراً أساسياً، بهذا التباعد لأسباب سياسية وأمنية واضحة يمكن أن تتطوّر مستقبلاً لعلاقة منطقية وجيدة، بالإطار الذي تسمح به الظروف. فالرسائل التي يتناقلها الطرفان إيجابية لناحية التأسيس لعلاقة جيدة، وفيها اشارات تكفي لإشعار جمهور الطرفين بمرحلة جديدة مقبلة تحمل في طياتها نيات التخلص من تعقيدات الماضي المتطرفة سياسياً.
وبالمحصلة ليست كل هذه الاشارات بعيدة عن التطور الإقليمي الذي سيشهد سياسياً تقارباً بين الأطياف المتنازعة في سورية من اجل التوصل الى اتفاق على حل نهائي قريب. هذا ما تتحدث عنه معلومات تابعت لقاء القمة الأخير بين بوتين وترامب وضع خلالها جدول زمني لا يتعدى نهاية العام لتكون صورة الحل قد بدت واضحة المعالم ومكتملة العناصر.