الاعتذار لمن يجرؤ فقط .. التحية لفايز غصن..
هاني الحلبي
تمكّن الإرهابيون لسنوات مضت من التسلل تحت جنح غطاء رسمي حكومي لبناني، وإقليمي ودولي، ليتمكنوا من إيجاد بنى أولية استندوا إليها لتكون ما يُسمّى «إمارة» ورأس جسر في الاتجاهات كلها، في لبنان والجمهورية العربية السورية..
صوت مسؤول لم يسمح التزامه السياسي والأخلاقي وقَسَم مسؤوليته، أن يراعي منطق الغطاء هذا، تحت يافطة الخوف والغباء والتواطؤ و«المظلومية» الطائفية، فأطلق صرخته التي استنكرتها معظم السلطة حينذاك، ولم يؤيدها سوى تقرير أمني رسمي، لأنه أكد أن ما قاله حينذاك وزير الدفاع الأسبق فايز غصن يوم 20 كانون الأول من العام 2011 بتسلل عناصر إرهابيين مسلحين من «القاعدة» إلى عرسال.
عدتُ، في محاولة إنصاف الرجل، حتى لا يتمّ قتل الرجولة بين المسؤولين عندنا، وهم قلة نادرة على كل حال، باحثاً، فرأيت العجب العجاب، واكتفي بثلاث:
مقابلة للوزير غصن في مجلة «الأفكار»، المنشورة يوم 19 كانون الأول 2014، كان ردّ الوزير غصن حول المعطيات التي استند إليها، لأنه «في الأساس ينبغي على المسؤول أن يكون مسؤولاً … ، وكانت هناك تقارير تصلنا مع بدء الأحداث السورية عن مسلحين يدخلون الى لبنان ويتوجهون الى سوريا الى أن حصلت حادثة ملاحقة وضبط في عرسال، فأوقف أحد الأشخاص والذي اعترف أنه من تنظيم «القاعدة» ويتعاطى مع المتطرفين وقال إن بعض العناصر تدخل الى لبنان عبر جرود عرسال. وأنا كنت أمام واقع وحقيقة، فإذا سكتُّ فالتاريخ لن يرحمني، وإذا تحدثت فسوف أتحمّل تداعياته نتيجة وضع البلد المأزوم والمقسوم من كل النواحي، لكن في النهاية قررتُ بالتشاور مع الأصدقاء والقوى الأمنية أن أفصح عن هذا الموضوع … ، وكأنني بذلك رميتُ قنبلة نووية وقامت الدنيا ضدي واتهموني بأنني عميل سوري وإيراني … ، وأكبر برهان على ذلك أننا لمسناه بأيدينا اليوم ودفعنا ثمناً غالياً من دم أبنائنا العسكريين بين شهيد وجريح … ، بالإضافة الى أن مديرية المخابرات والتي أوجه لها التحية والاحترام، كانت وبشكل أسبوعي تضبط الخلايا النائمة التي وجدنا أنها نابعة من مكان واحد … ».
ويتابع غصن عن المواقف الرسمية اللبنانية حينها: «بالنسبة للرئيس سليمان، لم يتكل على كلامي، … وكلنا نعرف وضع الرئيس نجيب ميقاتي وظروفه أمام الهجمة ضده من الفريق الآخر. فأراد ألا يكون طرفاً، والوزير مروان شربل قال كلمته المشهورة وهي إن لبنان ممر لـ»القاعدة» وليس مقراً، وبالتالي تركوني وحدي في هذه المعمعة ولا يزال الوزير شربل حتى اليوم يفتش عن الإرهابيين».
على موقع «ناو» اللبناني، كتب ساخراً صحافي جهبذ ع.م. مقالاً بعنوان «أين اختفى فايز غصن؟». فيجيب بفجور أن «حاملة طائرات أخذت الفيلد ماريشال فايز غصن إلى تشيلي ليقوم ببرنامج تخسيس»!!!!
إنصاف الوزير النبيل فايز غصن واجب لم يتردّد عنه الشرفاء، بدءاً من كتّاب افتتاحيات جريدة «البناء»، وأمثالهم من الوطنيين في الإعلام اللبناني وغيره، لكن لفتتني الخاطرة التي كتبها المناضل معن بشور، أمس، عبر تطبيق واتس، بعنوان «اعتذار مطلوب» «مع خروج مسلحي النصرة من جرود عرسال الغالية على كل لبناني… لا بدّ أيضاً من توجيه التحية أيضاً لوزير الدفاع السابق فايز غصن الذي قامت الدنيا عليه ولم تقعد حين قال مِن موقع المسوؤلية إن مسلحين متطرفين يتسللون الى لبنان… لماذا لا يملك مَن تحامل على الوزير الجرأة لأن يعتذر له … اليوم».
واجب المواطنية يقضي أن يوجّه الوطنيون التحية للوزير فايز غصن، وأن تؤخذ الواقعة نموذجاً لمعايير المسؤول الرجل النبيل الشريف الذي يوازن بين الوحدة الوطنية وواجب مسؤوليته أمام شعبه والتاريخ، مهما كانت النتائج.
ومتى يصبح مسؤولونا جميعاً، فايز غصن، لهم نموذجاً لهم وقدوة، أكانوا في السلطة أم خارجها، يجاهرون بالحقيقة ولو موجعة، يحقنون الدماء، يحترمون أنفسهم، وعندما يرون حجم الخوف والغباء والتواطؤ المستشري في معظم العقل السياسي اللبناني ومراكز النفوذ.. يبتعدون من الضوء ليفضح الخائفين والأغبياء والمتواطئين معاً.
فايز غصن، مع حفظ الألقاب. سلاماً لك وتحية الشرف. والاعتذار فرض كرامة على مَن يجرؤ منهم، ممن ظنّوا أن بالكذب يفرضون حقيقة!
باحث وناشر موقع حرمون Haramoon.comوموقع السوقalssouk.net