سنكون في المعركة مع الجيش السوري لا تلعبوا لعبة الأميركي نثق بحكمة وأبوّة أمير الكويت
كتب المحرّر السياسي
كان يوم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بامتياز، فالكلّ كان بانتظار مرور يوم تحرير الأسرى الطويل بعد تأجيل كلمة السيد نصرالله، ليقرأ بين سطوره الرسائل. وكما في خطاب الحرب الهادئ والمشبع بالترفع والتواضع والوضوح والحسم، جاء خطاب النصر مليئاً بالرسائل الجامعة ولكن الواضحة، والمضامين التي لا لبس حولها وتضع النقاط على حروف السياسة والميدان، لكن برفق الراغب بختم الجراحات لا نكأها للتشفي من الذين تربّصوا وأساؤوا وعاندوا وعادوا.
مع الشكر المتوقّع للرئيس السوري الدكتور بشار الأسد والشعب والجيش في سورية ومثله للرئيس اللبناني العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، خصّص السيد رسالته الأولى في باب الشكر بتفهّم ظروف رئيس الحكومة وتحيته لموقفه المساعد والمتعاون، لتحقيق الإنجاز، فاتحاً الباب لتجاوز الخلاف الذي حكم العلاقة بين الحريري وحزب الله على خلفية الحرب ضد الإرهاب، التي رآها الحريري ثورة، ورأى إرهابيّيها ثواراً، وها هي تصل خواتيمها والعالم كله يشهد على حقيقتها، بمن فيهم الذين ظنّ الحريري ولا يزال يظنّ أعضاء كتلته أنهم يرضونهم بحديث انتهى زمانه، عن موقف عدائي للدولة السورية واضعين لبنان خارج خارطة السياسة التي صارت استعادة العلاقات مع سورية ورئيسها على رأس جدول أعمال حكومات الغرب من واشنطن إلى باريس.
لفتة السيد نصرالله المميّزة نحو المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ليست مجرد تحية لجهود ومشقة وسهر ومخاطرة، بل لموقف وثقة بقدرة وتفويض لدور.
لداعش كانت الرسالة حاسمة، لم تموتوا انظروا لمَن مات، ولم تهزموا بعد فانظروا لمن هُزِم، ولم تختبروا عزيمتنا في التفاوض فاسألوا مَن اختبرها، فالحمقى وحدهم لا يستفيدون إلا من تجاربهم، ويتجاهلون تجارب الآخرين، وإنْ ركبتم رؤوسكم وأردتم اختبار بأسنا فسيقاتلكم اللبنانيون والسوريون جميعاً شعباً وجيشاً ومقاومة ومن الجهات كلّها، وستُهزمون وتخرجون من الحرب أسرى وقتلى وجرحى نقايض بكم شهداءنا وجرحانا وجنودنا الأسرى.
العلاقة مع الجيش اللبناني رسالة لكلّ اللبنانيين تلاقي ضمائرهم ووجدانهم الوطني، المقاومة في خدمة الجيش ولا تنافسه في انتصار ولا تنازعه في سيادة ولا تشاركه في قرار، تحت سقفه نخوض الحرب ووفقاً لخطته، جاهزون لتسليم ما حرّرناه من أرض، وجاهزون للخروج من الحرب على داعش من الجهة اللبنانية، إنْ أراد الجيش ذلك، وجاهزون لخوضها مدافعين إنْ أراد الجيش، وجاهزون لخوضها مهاجمين، إنْ اراد.
لا تلعبوا لعبة الأميركي، رسالة السيد للسياسيين، فالجيش لا يحتاج هذه الإهانة بداعي مقتضيات الحرب. وهو قادر على الفوز بها، وأنتم تقولون لا تريدونه أن يشارك أبناء بلده من المقاومين وهم الأشدّ أهلية لمشاركة ممكنة، مقابل مشاركة مهينة ومستحيلة في آن تنشدونها من الأميركي ليضع شروطه ولا يخوضها، فتهينون الجيش وتمنعون المعركة، وتحمون داعش، فلتتقوا الله في وطنكم وجيشكم، وأنتم تعلمون أنّ الأميركي الذي يعرف منطقة عملياته لن يتحرك في منطقة لا فرصة له للدخول على خطها، وشرطها التنسيق مع الجيش السوري وطيرانه، بقوة الجغرافيا الأقوى من السياسة والرغبات.
رسالة السيد المتعدّدة الأبعاد جاءت بإعلان قرار المقاومة وسورية خوض الحرب من الجهة السورية، ومنح حق التوقيت للجيش اللبناني، وانتظار ساعة الصفر التي يحدّدها، مع التحذير المسبق من محاولات التلاعب السياسي بالحاجة الميدانية والعملياتية للتنسيق بين مثلث الجيشين السوري واللبناني والمقاومة.
في بُعد عربي لافت توقّف السيد أمام ما يُعرَف بـ «خلية العبدلي» في الكويت، والعلاقات الكويتية اللبنانية من بوابة العلاقة بحزب الله. وهي رسالة تصلح لدول الخليج جميعاً للغد أو لما بعد الغد، إنْ أحسن الجميع القراءة، طمأن حزب الله الجميع أن لا فروع له ولا نيات لإقامة فروع، ولا خلايا ولا نية لبناء خلايا، واحترام قوانين البلاد العربية واستقرارها وسلمها وأمنها من ثوابت حزب الله، لمن يهمّه الأمر، أما للكويت خصوصاً فالثقة بحكمة وأبوّة أميرها، وهو ما قد لا يُقال لغيرها.
نصرالله وجّه الإنذار الأخير لـ «داعش»
وجّه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الإنذار الأخير لتنظيم «داعش»، داعياً إياه الى التفكير وحساب المعركة جيداً وفتح باب التفاوض والاتعاظ مما حصل في المعركة مع «جبهة النصرة»، وتوعّد نصرالله «التنظيم» بالهزيمة الحتمية، وقال: «الميدان جاهز ونتيجته حاسمة بهزيمتكم بكل تأكيد ولبنان سيكون أمام نصر جديد قادم وكذلك في سورية»، وأضاف: «اللبنانيون والسوريون سوف يأتون لكم من كل مكان وعلى جميع الجبهات ستُحاصَرون وأنتم أمام قتيل وجريح وأسير وعليكم التفكير جيداً لفتح باب التفاوض».
ووضع السيد نصرالله المعركة مع الإرهابيين في الجرود في نصابها العسكري والسياسي، وحدّد موقف الحزب وقراءته لإحداثيات المواجهة على المستويين العسكري والسياسي، وجزم بأن المعركة مقبلة وتوقيتها اللبناني بيد الجيش اللبناني، لكنه أكد في المقابل بأن قرار المعركة بشقها السوري قد اتخذ لإنهاء الوجود «الداعشي» في الجرود خلال الصيف، بعد أن تمّ تقسيم العملية الى جزءين، لكن تمّ تأجيل الجزء الثاني مع «داعش» لأسباب عسكرية ولوجستية، وكشف بأن الجزء اللبناني من المعركة على الجيش والمقاومة بتصرّفه إن طلب المساعدة والجزء السوري على الجيش السوري وحزب الله.
وقال السيد نصرالله: «نحن مع الجيش وبتصرّفه وإلى جانبه ونريد أن يحقق الجيش انتصاراً سريعاً حاسماً»، ورأى أن «اللبنانيين سيقفون إلى جانب الجيش اللبناني»، وأضاف: «على قيادة داعش أن تعرف أن هناك قراراً حاسماً بالمعركة، وما يفصلنا عن المعركة هو أيام قليلة، وبالتالي البقاء في الجرود انتهى وستواجه «داعش» معركة تحظى بإجماع لبناني».
وحذّر سيد المقاومة من محاولات فتح المعركة من الجهة اللبنانية فقط على قاعدة النكايات والخلافات السياسية، لأن حصرها بالجبهة اللبنانية دونه مخاطر وأثمان بشرية قد يدفعها ضباط وجنود الجيش، لأن خوض المعركة بتوقيت واحد يسرع الإنجاز ويقلل الكلفة، وحمّل الفريق الآخر مسؤولية الحفاظ على أرواح ضباط وجنود الجيش في هذه المعركة، وفي إشارة لافتة الى أهمية التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة لتصبح المعركة تكاملية عبر توحيد الجهد والانطلاق والإنجاز. وهنا السيد نصرالله يؤشر الى أمرين: الأول المزايدة الداخلية والخلافات السياسية، والثاني الضغط الأميركي على السلطة في لبنان، وحذر في هذا الصدد من محاولات تصوير الجيش القوي والمضحّي والشجاع بأنه عاجز عن تحرير 141 كلم إلا بمساعدة الأميركيين، ما يشكل إهانة للجيش. وفي كلام السيد رسالة سياسية واضحة تلمح الى ما يجري خلف الكواليس منذ أشهر، فهو للمرة الأولى يضيء الى زاوية من زوايا ما يجري من ضغوط على الحكومة ورئيسي الجمهورية والحكومة لجهة تقييد حرية وحركة الجيش وثنيه عن أداء مهامه في مكافحة الإرهاب.
وانتقل الأمين العام لحزب الله للحديث عن ملف النازحين السوريين، مستنداً الى التجربة الناجحة مع «النصرة» و«سراي أهل الشام»، حيث لا أمم متحدة ولا صليب أحمر دولي ولا ضمانات دولية، مشيراً الى أن التعاون مع سورية مصلحة لبنانية قبل أن تكون سورية الأمر الذي يدفع إلى تعميم التجربة الحالية في المرحلة المقبلة لإعادة النازحين الى بلدهم.
وكان السيد نصرالله قد استهلّ كلمته المتلفزة بتهنئة الأسرى بعودتهم الى الوطن بعد انتهاء معركة تحرير جرود عرسال، كما وجّه الشكر للمعنيين على مستوى الرؤساء الثلاثة وكان لافتاً تقديره لموقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وإشارته لانخراط رئيس المجلس النيابي نبيه بري الطبيعي في الدفاع عن المعركة في وجه معارضيها وهو الذي وقف دائماً كتفاً إلى كتف مع حزب الله في تحقيق انتصارات المقاومة، وما استحضار السيد نصرالله انتصار حرب تموز 2006 إلا دليل على ذلك، أما اللافت فتفهّم السيد نصرالله لموقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أنصفه وميّز كلامه عن موقف كتلته النيابية، حيث يحاول الحريري بحسب مصادر مطلعة أن يحفظ موقعاً مرناً إزاء جميع الخيارات وأن لا يدخل في معارك سياسية مع حزب الله، وقبل ذلك شكر نصرالله المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وإشارته الى أن على أياديه البيضاء في نجاح التفاوض، سنشهد إنجازات في ملفات جديدة في إشارة الى ملف العسكريين لدى «داعش».
وأوضح السيد نصرالله أن ما تحقق في جرود عرسال وفليطة «لهو نصر ميداني عسكري كبير حقق نتائج مهمّة ومتقدمة»، وقال: «نحن أمام مهمة أُنجزت ومهام ومسؤوليات جديدة»، موضحاً أن «عملية تحرير بقية الجرود اللبنانية سيقوم بها الجيش اللبناني ومقدّماتها بدأت»، ومؤكداً أن «الجيش اللبناني جاهز وقادر على خوض هذه المعركة والانتصار بها ولديه ضباط وجنود على استعداد عالٍ وبامتياز».
وأوضح أنه «منذ البداية كان التعاون ايجابياً مع الدولة السورية، مع العلم أنه تمّ نقل العبء من لبنان إلى سورية والقيادة السورية تعاطت بأخلاقية عالية»، وكشف أن «القيادة السورية لم تضع أي شروط ولم تطلب أن يكون الطلب بشكل رسمي وتركت المفاوضات تأخذ مجالها، ووافقت على الاتفاق بدون أي تعقيد»، كما كشف أن «رئيس الجمهورية وافق على المفاوضات وواكبها وقدّم كل التسهيلات لنجاحها وكان حريصاً جداً على إنجاحها».
وفي الختام قطع السيد نصرالله الطريق على الاستثمار السياسي لقضية خلية «العبدلي» بموقف مترفع وواضح يعبّر عن التقدير والاحترام كلهما للكويت، وأعلن التعاون مع السلطات الكويتية لجلاء الغموض الذي تعمل من خلاله جهات سياسية داخلية في الكويت على التحريض على الحزب في إشارة الى السلفيين الذين قتلوا وذبحوا السوريين.
برّي: تحرير الجرود تحوّل كبير
وأكد الرئيس بري أن ما حصل في الجرود خلال الأيام القليلة الماضية هو «تحوّل كبير لعله من الناحية الوطنية يعادل لا بل يضيف على موضوع الانتصار الذي حصل عام 2006».
وأشار بري خلال زيارته طهران الى أن «الجيش اللبناني يمتلك المقومات كلها التي تمكّنه من استكمال معركة تطهير الجرود الشرقية من الإرهاب لا سيما الجزء المتبقي الذي لا زال تحت سيطرة تنظيم داعش، أما توقيت المعركة فهو بعهدة قيادة الجيش التي تمتلك تقدير الظروف والمناخات والتوقيت للقيام بمهامها».
الجيش يكثّف ضرباته لمواقع «داعش»
في غضون ذلك، كثف الجيش قصفه الصاروخي وغاراته الجوية على مواقع تنظيم «داعش» واستهدفت أمس طائرة من نوع سيسنا تابعة لسلاح الجو في الجيش مراكز التنظيم في جرود رأس بعلبك، وقد نفذت إغارات على أكثر من موقع ومركز.
وفي ما رجّحت مصادر مطلعة لــ «البناء» «أن تنسحب تسوية النصرة على داعش بعد أيام على انطلاق المعركة»، أشار الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور هشام جابر لــ «البناء» الى أن «الجيش هو الذي سيخوض المعركة مع داعش ولديه القدرة الكاملة للسيطرة والتحكم في الميدان. وهو موجود في القطاع الممتد من جرود رأس بعبك والقاع والفاكهة حتى الحدود السورية منذ ثلاث سنوات، ويدرك واقع الأرض جيداً». ولفت الى أن «حزب الله سيكون قوة احتياط ومساندة، كما كان الجيش خلال معركة الحزب مع النصرة، وعندما يطلب الجيش المساندة سيتقدّم حزب الله باتجاه الشمال بموازاة الحدود السورية اللبنانية لقطع الطريق على داعش بمعنى أن الجيش سيتقدّم من ثلاث جهات أما حزب الله فسيتقدم من جهة الشرق».
وإذ أوضح جابر أن «التنسيق واقع حكماً بين الجيش والمقاومة والجيش السوري»، توقع أن «تبدأ المعركة خلال أيام وما يجري من قصف للمواقع هو تمهيد للمعركة»، ورأى بأن «التنظيم سيقاتل بكل إمكاناته المتوفرة ولن يستسلم في بداية المعركة، لكنه في حال وجد أن لا أفق للمعركة، فإنه سيضطر مرغماً لفتح قنوات للتفاوض مع الدولة اللبنانية للانسحاب الى سورية الى اليرموك أو الرقة، كما فعل في الفلوجة والرمادي وجرابلس، مقابل الإفراج عن أسرى الجيش إن كانوا معه».
وحذّر جابر من محاولات «التنظيم» اختراق الأراضي اللبنانية عبر القاع أو الفاكهة ورأس بعلبك، وبالتالي خلط أوراق المعركة لصالحه، لكنه شدّد على تنبه الجيش لهذه الثغرة.
ولفت الى أن «التنظيم لا يملك صواريخ بعيدة المدى لإطلاقها على أهداف مدنية في القرى القريبة من موقع المعركة، لكنه يمتلك صواريخ تاو المضادة للدروع، وبالتالي لديه قدرة على المقاومة لفترة من الزمن، لكن الحصار الذي يتعرّض له من جميع الجهات سيدفعه للاستسلام والتفاوض في نهاية المطاف».
وقد تردّدت أمس معلومات، نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية وعربية أن «ضباطاً كباراً من جهاز الاستخبارات الأميركية سي آي آي يصولون ويجولون بقاعاً بسيارات مدنية لبنانية تحمل لوحات سياحية، وتتركّز جولاتهم بين المناطق القريبة من الحدود الشرقية اللبنانية مع سورية، مزوّدين بكاميرات متطوّرة جداً ثم يعودون الى بيروت، حيث استأجروا شققاً في منطقتي الطيونة والحمرا».