يوسف: رسالتنا حبّ وسلام إلى العالم كلّه لنقول إن ما يجمعنا فقط الإنسانية

لورا محمود

للأطفال خيال من أجنحة، أمامه تتلاشى العاصفة. نعم العاصفة التي افتعلها الكبار ولم يحسبوا حساب الصغار، ضحايا المصالح الكبرى والعقول القذرة. فالأطفال في زمن الحروب أصبحوا كباراً بحجم الألم الذي خيّم على أوطانهم، فكبروا في لحظة قهر لم يفهموها، لكنهم فهموا جيداً أن هذا لا يشبه أحلامهم الصغيرة التي هي بحجم راحات أيديهم ربما.

أطفال سورية في ليلة وضحاها ناموا واستيقظوا على أصوات الرصاص. ولم ينتبه أحد أنّ الصباحات كانت تبدأ بضحكاتهم وتنتهي بها. ولعلّ «شام»، بطلة قصتنا، ليست إلا واحدة من أطفال سورية والعالم، الباحثين عن حلمهم بعيداً عن دويّ المدافع، علّهم يحضنون أنفسهم حباً لا خوفاً، في أرض تتّسع لأحلامهم تكون للسلام والحبّ فقط.

ولأن الياسمين يشبهها في نعومته وعطره وبساطته، كانت «شام» تضعه في شعرها من دون أن تدرك أنه رمز التعريف بهويتها الدمشقية أيضاً هو اسم دميتها الذي كانت تنادي به صديقتها التي ذهبت إلى السماء، وبقيت حية في وجدان «شام» التي تحمل رسالة تتخطى الحدود والأديان والاعراق وكل ما يفرّق البشر. وهذا بالضبط ما أراده القائمون على مشروع الدمية «شام».

القصة التي تحكي عن حياتها، خاصة ميشلين يوسف صاحب الفكرة والقصة والرؤية والتمويل، وهي الشغوفة بالعمل في ما يخص الأطفال. وكان هذا المشروع بمثابة حلم لها بأن تقدّم شيئاً للأطفال يمس الضمير ويدغدغ الروح بفرح رغم الحرب وتبعاتها.

ميشلين المقيمة في كندا تواصلت معها «البناء»، وخصتنا بحوار تحدثت فيه أكثر عن فكرة الدمية وتفاصيل الحملة التي أطلقتها لمساعدة اللاجئين السوريين، عبر تقديم الدمية «شام» وقصتها.

الفكرة والأسم

تقول ميشلين إن الفكرة خطرت لها عام 2009، وتضيف: كنت أفكر دائماً أن الفتاة السورية مميزة، والعائلة السورية هي عائلة تعتبر مثالاً للعالم كله بما تمتلكه من المحبة والتواصل. فلماذا لا نُظهر هذا الأمر لكل العالم؟ ولماذا هناك دمية اسمها «باربي» في العالم ولا توجد دمية اسمها «شام» نقدّم من خلالها الفتاة الذكية والطموحة التي لديها مبادئ وجمال الشكل والروح والأخلاق؟ فبدأت العمل على الفكرة بكتابة قصص عن «شام في المدرسة»، «شام في الحديقة»، «شام مع رفاقها»، ولكن ظروف الحرب بعدها كانت صعبة جداً، ومنعتني أن أكمل ما بدأته.

على المستوى الشخصي كان والدي مريضاً، واضطررنا أن نأتي إلى كندا لنؤمّن له عناية صحية أكبر، وأيضاً لنجتمع مع أخي المقيم في كندا منذ 13 سنة. وعندما وصلنا واستقررنا قرّرت أن أعود إلى مشروعي قصة «شام»، وأكمله وأحكي قصتها للعالم وأحقق حلمي بأن أعمل شيئاً للأطفال بشكل عام، وخاصة الأطفال الذين عايشوا الحرب. ومنذ سنة ونصف السنة، بدأت العمل على المشروع بكل تفاصيله من كتابة القصة إلى تصميم شخصية الدمية «شام».

وعن اسم الدمية وخصوصيته قالت يوسف: دائما عندماً أقول لفظ الشام، أشعر بتنهيدة فرح وحبّ كأنها اسم لحبيب. فهي عشقنا الأبدي والأجمل ولا يوجد أجمل من اسم شام ليكون لفتاة تشبه سورية بحنانها وأخلاقها، وتمثل سورية بالوقت نفسه.

أيدٍ سورية

وتابعت يوسف: لقد كنت مصرّة أن كلّ من يعمل معي في هذا المشروع، من السوريين. وبالفعل، القصة التي خلقتها أنا بكل تفاصيلها كتبها على الورق شاب سوريّ يعمل أساساً كمخرج، واسمه سامر زعرور. وهو شاب سوري مميّز جداً وموهوب جداً، وأعطى القصة حقها بطريقة كبيرة، وكتبها تماماً مثلماً رسمتها في مخيّلتي. أما أسعد حناش، وهو أيضاً شاب سوري له خبرة كبيرة مع الأطفال والرسم للأطفال، فهو الذي رسم الدمية «شام». وبعد نقاشات طويلة اخترنا الشكل النهائي لها.

وتابعت يوسف: عملنا على أن يكون هناك تسجيل للحقوق الادبية للقصة في سورية، لحماية الشخصية والقصة. فلجأنا إلى عدد من الأمور القانونية التي كان من الصعب القيام بها في سورية. وأنا اتواصل مع أكثر من جهة كي نقوم بتسليم الدمى عن طريقهم. والمراسلات ما زالت قائمة معهم خاصة مع جمعية تعالج الأطفال نفسياً عن طريق الدمى، ولا أستطيع ان أقول اسمها حتى نصل إلى اتفاق نهائي معها.

أما في كندا، فالصعوبة كانت بأن أطلق هذا المشروع وأنا القادمة الجديدة اليها. فقد كان عليّ التواصل مع عدد من الجهات والتنسيق معها. وكان عليّ تحضير مخطط كامل ودراسة للمشروع وأيضاً أن أعمل على الامور القانونية والحماية الادبية. وفي الحقيقة، الكنديون كانوا متعاونين وساعدوني بشكل كبير، خاصة المنظمات التي تعنى بالقادمين الجدد إلى كندا، مثل « La ruche» التي أطلقنا بمساعدتها حملة تقديم الدمية للاجئين، وأيضاً «Neo Canadians»، وهم دخلوا معنا في المشروع، وعن طريقهم سيتم تسليم الدمية والقصة للأطفال اللاجئين السوريين في كندا. وهناك أشخاص كثيرون ساعدوني في هذا المشروع، ولكن في الحقيقة مهما كانت الصعوبات، هناك فرح في داخلي يُذهب كل التعب.

رسالة باللغات كلها

وتقول يوسف: رسالة «شام» رسالة حب وسلام للعالم، فالذي يجب أن يجمعنا كلنا يتمثل بالإنسانية بالمطلق. لذلك نحن نرسل رسالة لكل شخص في العالم بأن للطفل في كل مكان حقاً بأن يأكل ويشرب ويتعلم وأن يعيش بسلام.

ورأت يوسف أن لا ظلم وبشاعة أكثر من مشهد طفل يقوم بإيقاظ أمه الميتة ظنّاً منه أنها ما زالت على قيد الحياة، لأنه لا يفهم كيف الموت يُغيّب الأحبة وكيف الحرب تأخذ منّا أغلى ما نحبّ.

وتابعت يوسف: إنّ قصّة «شام» متوفرة بثلاث لغات كي نحاكي كل طفل بلغته ونعمل على أن تكون بكل اللغات كي يكون هناك اندماج وحوار ثقافي بين أطفال العالم.

ولفتت يوسف إلى أن قصة شام هي قصة إلكترونية مصوّرة، وأيضا مطبوعة على ورق. وكان من الضروري أن تكون كذلك لأن الواقع أو الحياة التكنولوجية التي نعيشها اليوم تفرض علينا هذا الأمر، وأيضاً لتصل القصة ورسالتها لكل العالم. والانترنت أحسن وأسرع طريقة لذلك.

وذكرت يوسف أن للدمية «شام» أيضاً دوراً مؤثراً على الأطفال الكنديين. فهم من خلالها استطاعوا ان يفهموا الطفل القادم من بلاد اخرى ليعيش معهم وأن يحترموه ويقبلوه ويسهّلوا اندماجه في مجتمعهم. وقالت: هناك الكثير من الأهالي الكنديين شكروني لأنهم اعتبروا أن القصة تحمل رسالة توعوية لأطفالهم حتى يدرك الطفل الكندي انه يعيش بسلام ورفاهية لا تتوفر في الكثير من دول العالم.

«شام» والأطفال السوريون

وعن الحملة التي أطلقوها في كندا لمساعدة الأطفال السوريين من خلال الدمية «شام» وقصّتها، قالت يوسف: لقد أطلقنا حملة تمويل تشاركية، عن طريقها يشتري الناس دمية «شام» أو القصة ويعطوها لطفل مهجّر في سورية بالتعاون مع جهات رسمية، وأيضاً للأطفال اللاجئين هنا في كندا. والأطفال الذين سيأخذون اللعبة والقصة سيكتبون رسالة شكر للشخص أو الطفل الذي اشترى اللعبة وقدّمها لهم، وسيتم تصويره وقت استلام اللعبة.

ونوّهت يوسف بأن الدمية «شام» غير متوفّرة في المحال التجارية وقالت: نحن في مرحلة انطلاق للدمية وقصتها. وفي المرحلة الثانية سيتم شراء الدمية عن طريق الموقع الذي أطلقته الحملة وهو «laruchequebec.com»، أو التواصل معنا مباشرة. فطرق الدفع المطلوبة غير متوفرةً في سورية. لذا يستطيع أيّ شخص في سورية أن يدفع سعرها عن طريق «حوالة» مثلاً.

يذكر أن «شام» فتاة تعيش مع أبيها وأمّها وأخيها الصغير «رام»، وهم عائلة بسيطة ومترابطة، ما جعل من شخصية «شام» شخصية قوية.

تبدأ قصة «شام» في قرية صغيرة في ريف منسيّ، كان يشكّل كل العالم بالنسبة إلى «شام»، ولكنها عندما اضطرت وعائلتها للرحيل اكتشفت مدى كبر هذا العالم واتساعه.

«شام» طفلة صغيرة تعشق الطبيعة والأشجار، ذكية ولماحة. معرفتها بالحياة قليلة جداً لأنها محصورة بقريتها، إلا ان عاطفتها قوية واندفاعها أقوى. تحبّ الحياة واللعب تحت السماء المفتوحة. لديها نظرة متفائلة بالحياة وسلاحها الأقوى متمثل بأحلامها التي لا تتوقف، والتي تشكل وجهة نظرها عن العالم من خلالها.

والدها ككلّ الآباء قويّ ومصمّم، وهو بطلها المفضّل. همّه الوحيد حماية عائلته في هذا الزمان الصعب وتحقيق الأمان لهم والحياة الكريمة. لذلك، وخلال الرحلة، لا يتوانى عن عمل أيّ شيء ليضمن سلامة من يحبّ.

اما أمها فهي سيدة حنون ومعطاء، تغطّيهم بالعاطفة وبالأغاني. تساند الأب وتحافظ على شعلة الأمل في داخل أطفالها حتى لا تخمد بسبب العواصف التي تواجههم. وأخوها «رام» ولد شقيّ ودائم الحركة، قست عليه الحياة أيضاً.

كانت لـ«شام» صديقة اسمها «ياسمين» فقدتها في الحرب. وقالت «ياسمين» لـ«شام» مرّة: إذا أتى يوم ولم نرَ بعضنا، تكلّمي مع هذه اللعبة لأنّني سأدخل بها. وفعلاً، أصبحت «شام» تحكي مع اللعبة التي سمّتها «ياسمين» والتي تشكل الجانب الفكاهي في القصة ونراها بالصورة بيد الدمية «شام».

تسير بطلة القصة «شام» في درب صعب وطويل سار عليه قبلها كثيرون وقد يسير عليه بعدها الكثيرون أيضاً، هاربين من الحروب والدمار.

ولا بدّ أن ننوه بأن كاتبة القصة تجنّبت ذكر أيّ مكان أو مدينة أو بقعة جغرافية محدّدة، لأنها أرادت أن تكون «شام» صوت كل الأطفال اللاجئين والنازحين في كل العالم وليس في سورية فقط، وهي أيضاً لا تحمل جنسية معيّنة، فعدد من الناس ولو اختلفت أسبابهم يتشاركون مع «شام» الألم نفسه والحلم نفسه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى