هجرة الغربان إلى الشمال تكشف دواعش القتل في لبنان
د. رائد المصري
حتى نكون منصفين ولو بالحدِّ الأدنى، سنعتبر موقف وكلام وتصريحات الرئيس سعد الحريري الأخيرة حيال تحرير جرود عرسال ومعركة الجيش اللبناني، هي تصريحات مسؤولة ولَبِقَة وتحاكي المرحلة، ولو من باب التكتيك السياسي المرحلي. فالأمر انقضى وتثبَّت استقرار لبنان بطرد القاعدة من أراضيه، وهناك تصميمٌ وعزم على طرد تنظيم داعش الإرهابي ممّا تبقّى من هذه الجغرافيا الطاهرة والممزوجة بطهارة الشهداء والمقاومين المضحِّين الى آخر نفس…
لكن هو نقدٌ لبقايا قوى سياسية امتهنت المُحْنَ والعُهْرَ السياسي والاستفراس بالآمنين من المدنيين اللبنانيين، وعليه وَجَبَ وضعهم في زوايا التشهير والملاحقة السياسية والإعلامية وحتى القضائية، كي لا تضيع حقوق المضحِّين والذين قدَّموا الغالي والنفيس حماية لاستقرار البلد ولأمن أبنائه، وليس من باب النكاية برمي تُهم الخيانة والتآمر والعمالة، فيما أصحابها باتوا يجاهرون بها عن ظهر قلب وأمام الإعلام بلا حياء، إتقاناً للدور المرسوم لهم، بل ومغالاة في الزيادة على هذا الدور لوجود نقص ذاتي في التركيبة السيكولوجية منذ التكوين الأول في الأرحام لهؤلاء الخدم.
ولهؤلاء من بقايا مسؤولين سياسيين قيِّمين على أمننا وحياتنا واقتصاداتنا ومستقبلنا، نقول: عارٌ عليكم نقد انتصارات المقاومة في وجه الإرهاب وتبسيط إنجازاتها، وعارٌ عليكم أن تضعوا الجيش أمام امتحانات تريدوه من خلالها راسباً في رهاناتكم، فهو يبقى جيشاً وطنياً قدَّم تضحيات كبرى لتتثبَّتوا على كراسيكم السياسية وترتكبوا كلَّ فواحش العصر وموبقاته والأدلَّة في السِّياق.
لا نستطيع أن نكون مزهوِّين بالانتصارات الكبيرة على الإرهاب والقاعدة في لبنان، وأن تستكمل هذه الانتصارات ما لم يرافقها أو يتبعها اقتلاع القَتَلَة والمأجورين والسارقين والفاسدين والمارقين من جذورهم التي ثبَّتتها عولمة المال والاقتصاد منذ العام 1992 الى اليوم، ولا زالت تسرح وتمرح قتلاً وتنكيلاً ونهباً وسمسرات من دون حساب أو محاسبة.
فكيف أكون منتصراً في لبنان سواء على الكيان الصهيوني الغاصب أو على العدو التكفيري، ويتربَّص بنا تكفيري وداعشي في الداخل سطا على المواقع السياسية وإدارة البنوك والمال والاقتصاد ونهب 11 مليار دولار ولا مَن يسأل… ؟
كيف أكون منتصراً في لبنان ولا زال بعض سياسييه مُمعِنين في سمسرات بواخر الكهرباء وصفقاتها وفساد النفايات ورجالاتها وتلزيمات الصناديق ومحسوبياتها وسرقة المال العام وزبانيتها…؟
كيف أكون منتصراً مع تقديري للمنجزات والتضحيات كلها، وأن تبقى قابضة الأرواح التي باعَت أدوية علاجات السرطان بمئات ملايين الدولارات واستبدالها بأدوية مزوّرة منتهية الصلاحية، وقتل المئات من الناس الأبرياء تبقى خارج أيِّ محاسبة أو إجراء قضائي سوى إقصائها عن مهامها ووظيفتها…؟
كيف أكون منتصراً ويتمُّ التلاعب مجدَّداً، بالتغطية بأنَّ المافيات الكبرى كانت وراء صفقات أدوية السرطان المزوَّرة التي قتلَتِ الناس، ومن بين هؤلاء مسؤولون سياسيون لتيار سياسيٍّ عريض شعاره لبنان أولاً والعبور الى الدولة، وينسِّق ويجتمع مع وزير سيادي ممسكاً بالأمن من بابه إلى محرابه، وهو بذلك محميّ وخارج قيد أيِّ محاسبة نتيجة مشاركته في قتل الناس واستباحة دمائها في سبيل جمع الأموال …؟
كيف أكون منتصراً، أيُّها السادة، مع تقديري للمنجزات كلها، وهناك مَن لا يزال يعتبر أنَّ النصر على القاعدة والإرهاب وداعش سيكون نتيجته الحصار الأميركي والغربي والخليجي على لبنان وتقويض ماليته العامة والخاصة وتصوير لبنان أنَّ منجزاته الكبيرة هذه قد جرَّته إلى ويلات وخيبات…؟؟؟
كيف أكون منتصراً في لبنان من دون التخلُّص والقضاء على دواعش الداخل والقَتَلة منهم، الذين يريدون في كلِّ مرة رهن لبنان ومقاوميه والمقامرة بهم أمام الأميركي و»الإسرائيلي» في حركة دائرية مُشْبعة بالذلِّ والعار والخنوع بذريعة حبِّ الحياة، وهم لا يعلمون أنَّ الشهداء المقاومين والعمود الأساسي لجامعات لبنان والخارج والمتخرِّجين من الاختصاصات العلمية العالية كافة يشكلون نخبة المجتمع ومستواه الراقي المحبِّ للحياة..؟؟
لن أكون منتصراً والكلام موجّه لمسؤولي الدرك الأسفل السياسي ، وأنا أتآمر على سوريا منذ ما يزيد على السَّبع سنوات، والتي دمَّرت فيها الحرب الاستعمارية كلَّ بناها، وأقوم بعقد اتفاقات لاستجرار الطاقة الكهربائية منها، لأني عجزت عن بناء مفاعلات توليد الطاقة بسبب سرقة مافيات السلطة لمعظم المشاريع الكهربائية وتواطئها منذ بدء خليقة الحريرية السياسية إلى اليوم، بتركيب الديون وهدر المال العام عبر منهج منظّم للمال قائم على الريوع الاقتصادية متكامل مع العولمة الاستعمارية ولا يزال….
لن أكون منتصراً إلاَّ إذا لامسْتُ حقوق الفقراء والمُعدَمين من أبناء وطني وأنصفتهم بأجورٍ لرواتب القطاع العام عبر سلسلة الرتب والرواتب، وقضيتُ على تآمر أصحاب البنوك ورؤوس الأموال وقبضتهم الحديدية، التي أفقرت الناس واستباحت البلد في جنات ضريبية وفي التهرُّب الضريبي من دون حساب ولا رقيب وبلا مسؤولية وطنية، لكونهم أدوات وموظفين للبنك الدولي مهمَّتهم النَّهب والتهرُّب من دفع الضرائب وتكديس الأموال والقرصنة البنكية خدمة للأميركي ولمشروعه الاستعماري.. ونحن هنا نتحدّث عن عمالة متقنة متفنِّنة في ضرب النسيج الوطني والاجتماعي للبنان المقاوم….
بكلِّ صراحة ووضوح لن نكون منتصرين في لبنان حتى لو هاجرت غربان القاعدة وداعش من جبال لبنان الى الشمال السوري في إدلب أو إلى غير منطقة، طالما أنَّ دواعش القتل في الداخل ما زالوا مطمئنِّين إلى حياتهم ومستقبلهم، وطالما لا زالت أدوات القتل بحوزتهم من سواطير وأنياب وأظافر، ومن أدوات وعدة سياسية إعلامية جاهزة غبَّ الطلب لضرب الأعناق وقطع الرقاب وبيع الأدوية الفاسدة لقتل الآمنين ونهب أموالهم، إذا بقيت أموال في جيوبهم، وسرقة المال العام في كلَّ حين وحين تتوفر الظروف وغالباً ما يوفّرونها…. أليست هي الحال نفسها أيام كان أبو مالك التلي مزهواً بإماراته، وأيام عزِّ ممارسات داعش بحق الشعوب…؟؟؟ فبماذا نتميَّز عنهم في لبنان…؟؟؟ أفيدوني أرجوكم…
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية