مشروع الكنتنة والفدرلة في ظلّ المشروع الأميركي…!
محمد ح. الحاج
محطة التلفزة الفرنسية «فرانس 24» تستضيف نكرة سياسية يتحدث باسم الشعب السوري ويعتبر نفسه نداً للناطق الرسمي السوري، بل يعلق على كلام معاون وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد! وبهذا، وربما بناء على توجيهات رسمية فرنسية تتبناه المحطة وتعتبره موازياً أو مساوياً لمعاون الوزير.
يتبجّح الناطق الكردي قائلاً «إنّ سورية التي يعرفها العالم لن تعود بمركزيتها»، وإنه وجماعته «يعملون على إقامة سورية الجديدة الفيدرالية المتحرّرة، المتساوية الحقوق إلخ…» وهو يتجاهل ما تفعله الوحدات الكردية في الشمال من عزل للقوى الوطنية أو طرد وإلغاء وطمس حقوق وفرض أنظمة لا تتناسب مع الحرية أو الديمقراطية ولا الحقوق المتساوية، وقيل في الأمثال: احذروا مظلوماً إذا تحكّم، وهؤلاء تعرّضوا للظلم التركي على مدى عقود والآن يجدونها فرصة للانتقام، ولكن، ليس ممّن اضطهدهم، بل ممّن آواهم وفتح لهم الأبواب، تماماً على قاعدة السلوك اليهودي الذي تعرّض للعسف الأوروبي فانتقم من الشعب الذي آواه وقدّم له الحماية زمن الدولة في الأندلس.
ألدار خليل، أو هكذا قدّموه، قال: «يعتقدون أنهم يملكون سورية، وهم ليسوا أصحابها، نحن أصحاب سورية الجديدة ولن نسمح لهم بعد اليوم أن يفرضوا علينا آراءهم…! ألدار هذا وهو ليس صاحب دار باعتباره يمثل شريحة صغيرة من الاثنية الكردية التي تعادل 20 من الشعب السوري وموزّعة في كلّ المدن السورية، شريحته هذه قد لا تعادل 5 من سكان الشمال السوري تطمح لفرض سيطرتها على الأرض والسكان في ظلّ الوجود الأميركي الذي يتهيأ للخروج بعيداً عن الأرض السورية، وهكذا يقع هؤلاء في المطبّ من جديد للمرة الثالثة أو الرابعة حيث لم يتعلّموا من دروس الماضي.
الواقع الاجتماعي الذي أنتجه العدوان على سورية، ليس في الشمال فقط، بل وفي كلّ المحافظات، هذا الواقع المرير هو من يدفع بالشبان للالتحاق ببعض التنظيمات والقتال أو العمل إلى جانبها… مدفوعين بالحاجة، التي لن تكون قائمة أو متوفرة بعد لحظات من خروج الأميركي وإغلاق الصناديق وسيكون أول الباحثين عن وسيلة المال للاستمرار أمثال ألدار ومسلم ومن معهم، بل، على الأرجح أنّ هؤلاء هيأوا أنفسهم للرحيل لاحظوا حرصهم على التفاهم والتنسيق مع البرزاني، ربما تمهيداً للانتقال إلى كانتونه أو مع مشغّليهم ورصيد من الأموال وهي ليست أميركية بطبيعة الحال بل هي من فضلات ما تمّ نهبه من خليج العربان الذين يتحضّرون لما بعد هزيمة الوجود الأميركي على الساحة المشرقية.
سورية التي يبشر بها المستجدّ السياسي – الكردي لن تقوم لها قائمة مستقبلاً، لأنّ سورية التي حافظت على روحها هي من تستعيد جسدها موحداً دون أن تفقد حبّة من ترابها بهمّة جيشها والنشامى، ولا نشك أنّ الغالبية الكردية التي وقفنا إلى جانب حقوقها، والتي أعلن رئيس سورية موقفه الداعم لها وأصدر ما يلزم من توجيهات وقرارات تلبية لمطالبها، هذه الغالبية نثق أنها وطنية وأنها ترفض أيّ شكل من أشكال الانفصال، وهي التي أعلنت ذلك قبل العدوان 2009 ، وأنها الأحرص على الهوية السورية والدولة السورية التي تشكل أحد مكوّناتها الرئيسة، والتي لم يلحق بها الغبن لولا المشاكل الحدودية وعمليات الانتقال من أراض تحتلها تركيا ويحمل الأفراد هويتها، إلى مناطق الجزيرة الحدودية أو بعض المدن الداخلية كما في حلب، ولا نتجاهل أخطاء بعض السياسيين التي وجب العودة عنها وتصحيح نتائجها.
قد يتفهّم الشعب السوري في كلّ كياناته القائمة ويتقبّل مشروع فدرلة بين كيانات قائمة من منتصف القرن الماضي إلى اليوم كلبنان والأردن مع الشام، وهنا تكون الفدرلة عملية تمهيد لعودة الاندماج المجتمعي وتوحيد المصالح على طريق استعادة وحدة الأرض والأمة، أما أن يطالب البعض في الداخل القائم بمثل هذا النظام فهو إنما يتوجه إلى انفصال هو نوع من الخروج على الدولة لتبرير التعامل مع العدو وفتح الباب واسعاً ليتسرّب منه، وهو هنا الباب الخلفي، تماماً كما في الشمال العراقي بعد أن زرع الصهاينة عائلة البرزاني العميلة والتي لم تعد خافية على أحد، ولولا ارتباط هذه العائلة مع الصهيو ماسونية المشرقية لما استمرّت، ولما توثقت علاقاتها مع الماسونية التركية القائمة، ونعلم تماماً من يقف وراءها، وربما اكتشفنا الحركات المسرحية لرأس النظام التركي متأخرين، ولكن، بعد أن تمكن من اختراق مشرقنا والدخول عبر بوابة الشمال وصولاً إلى دمشق التي أعلن أنه سيصلي في مسجدها بغياب القائد الأسد، وهذا لم ولن يحصل، وستبقى حسرة في قلبه، كما الحسرة التي سيعانيها ألدار خليل وصالح مسلم ومن معهم في دولة عفرين البائدة… يا لعبر التاريخ، هل يذكرون جمهورية مهاباد؟
ما يبعث على الحيرة إصرار هؤلاء على الاستمرار في نهج خاطئ رغم وضوح الطريق، وهل بعد تصريح السفير الأميركي السابق في دمشق وتلميحه إلى سلوك الإدارة الأميركية المعروف وسهولة تخليها عن أيّ حليف، أو هكذا يعتبر البعض نفسه بينما تنظر له هكذا إدارات على التوالي على أنه مجرّد أداة ووسيلة لتحقيق غاية وبعدها يمكن تنسيقه أو حتى إتلافه، ولقد أثبتت الإدارات المتعاقبة قول السفير على أرض الواقع بدءاً بشاه إيران ثم السادات ومبارك وبن علي، وحتى أمراء وشيوخ الخليج الذين تأمر باستبدالهم والتخلّص ممّن لا فائدة ترجى منه، التفسير الوحيد أنّ هؤلاء يؤدّون مهمة جوهرها توريط الأتباع وزيادة الشرخ الاجتماعي، ثم يخرجون منها برعاية وحماية قد لا تطول، ثم يلقى بهم إلى حضن عميل ما كأن يتمّ الطلب من برزاني أن يأويهم عندما ينبذهم شعبهم ولا يبقى لهم مكان بينه.
حكام الخليج، ولأنه مطلوب بقاءهم واستمرارهم، تمّ توجيههم لقبول واقع يفرض نفسه على العالم، اعترف به الأوروبيون وتبعهم الأميركان، وطلبوا إلى أهل الخليج أن يعترفوا بذلك، وإنْ هي إلا خيمة يستظلها الجميع الشعب السوري هو صاحب القرار، مهرب أو مخرج مهذّب ، وبطريقة التسلسل التنازلي يبدأ الإعلان وإبلاغ أدوات ما يسمّى المعارضات بالقرار الدولي، وما علينا سوى متابعة التصريحات التي تصدر عن هؤلاء وهي تعبّر عن المرارة وخيبة الأمل.. وربما الإعلان على الملأ أنّ الجميع بما في ذلك «العالم الحر» تخلى عن ثورتهم ، والمعنى انسحاب الوعد، وسقوط العهد، وإغلاق الصناديق وجفاف المزاريب، وأشكّ بأنّ برنارد هنري ليفي سيستضيف غليون وكيلو وصبرا وغيرهم في مقهى على الرصيف وليس في فندق خمسة نجوم، انتهى دوركم فابحثوا لكم عن جحر بعد فراغ الجيوب، وقد لا يطول بكم المقام في أوروبا!
الأميركي الذي يضع الخطط للانسحاب من بين فكي الكماشة على الحدود السورية العراقية ترك لنفسه مخرجاً عبر حدود الأردن، وأما القوات التي درّبها وصرف عليها فقد تركها لمصيرها بعد أن سحب الأسلحة المهمة والثقيلة، هذا الأميركي لم يخسر شيئاً فقد قبضت شركاته ثمن السلاح مضاعفاً، وها هو يستردّ أغلبه، هناك مواقع أكثر أهمية يجري ترتيب الانسحاب منها بهدوء، في الجزيرة، ومحيط الرقة وكلّ الطرق توصل إلى أنجرليك رغم الجفاء مع التركي، تنتهي فصول المسرحية وتعود الأمور إلى طبيعتها، حلف واحد، هدف واحد، ومنذ فجر التاريخ يختلف اللصوص على الغنيمة لكن الظروف تفرض عليهم المصالحة أمام خطر أكبر.
الأميركي يتصالح مع التركي، والتركي مع الروسي والإيراني، لكن درساً لن يفهموه أبداً وهو أنّ السوري لا ينسى ولا يصفح حتى لمن تورّط مغرّراً به، الأعراب الأكثر خسارة، خسروا كلّ شيء، المال، الكرامة، المصداقية، وهم بالأساس بلا إنسانية.
لسوريانا المجد، كما طائر الفينيق تنبعث من تحت الرماد قوية إلى الحياة الجديدة المتجدّدة.