عون لوفد مجلس بطاركة الشرق: القيام بحملة عالمية بعد الحرب لترميم الأماكن التاريخية التي تشهد على الحضارات في العراق وسورية ولبنان
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أن لبنان الذي يتمثل فيه المسيحيون والمسلمون بمختلف مذاهبهم، يصلح لأن يكون مركز حوار للحضارات والأديان، وأنه الباب الذي تدخل منه الحرية إلى الشرق الأوسط».
وشدّد الرئيس عون من جهة ثانية على «وجوب القيام بحملة عالمية بعد الحرب لإصلاح الأماكن التاريخية وترميمها كلها، بما فيها الكنائس، التي تشهد على الحضارات، إن في العراق أو سورية أو لبنان. وقد عرضت هذا الموضوع مع قداسة البابا فرنسيس حين التقيتُه، ومع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، وقد أبديا تأييدهما لهذا الأمر. كما أنني سأتناول هذا الموضوع في كلمتي التي سألقيها في أيلول باسم لبنان، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويمكن أن يتمّ بحث الموضوع على مستوى الطوائف كلها، وأن يكون جزءاً من خطابنا، خصوصاً بعد التجربة القاسية التي مرّ فيها المسيحيون».
كلام رئيس الجمهورية جاء خلال استقباله في قصر بعبدا، وفد مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك والأرثوذكس لمناسبة اجتماعهم في المقرّ الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان. وضم الوفد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الارثوذكس مار اغناطيوس أفرام الثاني، بطريرك الروم الكاثوليك يوسف الأول عبسي، بطريرك الاسكندرية للأقباط الكاثوليك إبراهيم اسحق سوراك، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان، بطريرك الكلدان مار لويس روفايل الأول ساكو، بطريرك الأرمن الكاثوليك كريكور بدروس العشرين، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الانجيلية في سورية ولبنان القس الدكتور سليم صهيوني، ممثل كنيسة القدس للاتين المطران وليم شوفاني وحضر أيضاً السفير البابوي المونسينيور غبريال كاتشا والأمين العام لمجلس البطاركة الكاثوليك في الشرق الأب خليل علوان، وعدد من المطارنة والآباء.
وفي مستهلّ اللقاء، تحدّث البطريرك الراعي باسم الوفد شاكراً الرئيس عون على استقباله الوفد في اليوم الأول من المؤتمر الـ25 لبطاركة الشرق الكاثوليك، واللقاء مع الكنائس الأرثوذكسية ورئيس المجلس الوطني الانجيلي، وقال: «إن العنوان العام لليوم الأول للمؤتمر هو «الأوضاع الكنسية والسياسية في بلدان الشرق الأوسط» ورغبنا في طرح الأمور أمام فخامتكم لسماع أفكاركم وطروحاتكم التي نحتاجها. لقد طرحنا اليوم مواضيع عدة، وهي:
1 – أهمية لبنان كدولة تتمتع بخصوصياتها ودوره وأهميته في البيئة المشرقية، والمخاوف والمصاعب التي يواجهها في أوضاع اقتصادية وسياسية وأمنية، خصوصاً ضرورة إيجاد حلّ للأخوة النازحين واللاجئين، علماً أننا نعلن معكم تضامننا الانساني معكم.
2 – ضرورة الفصل بين الدين والدولة في البلدان العربية والشرق الأوسط لانعكاسه الإيجابي على المسيحي ليساهم بإيجابية في بناء الوطن.
3 – أهمية الحفاظ على وجود المسيحيين في الشرق الاوسط القائم منذ ألفي سنة، وليس من السهل أن تقتلعهم الأحداث من أرضهم، وهم يحملون رسالة مسيحية قائمة على احترام للإنسان وكرامته والمحبة والشراكة.
4 – موضوع المدارس الكاثوليكية المسيحية والخاصة في ضوء سلسلة الرتب والرواتب في ظل الحاجة إلى إعادة النظر بها، بعد صدور الموازنة وإجراء الاصلاحات اللازمة وتأمين التوازن بين المداخيل والمصاريف وعدم إرهاق المواطنين بالضرائب، وإنصاف المعلمين والأهل والمدارس ومطالبة الدولة لمساعدة الأهل في المدارس الخاصة من خلال اعتماد البطاقة التربوية، وإذا كان لا بد من تطبيق الزيادات على الأجور للمعلمين حالياً، فيجب على الدولة أن تتحمل هذه الزيادات هذا العام، ونتمنى أن تتشاور اللجان المعنية مع الأمانة العامة للمدارس الخاصة».
وردّ الرئيس عون مرحباً بالوفد، مستعرضاً المواضيع التي تم طرحها، وقال: «إنها مواضيع منها ما هو شائك ويخرج عن إرادتنا في ما يتعلق بالوجود المسيحي في المنطقة، حيث نحاول في لبنان ترتيب أوضاعنا بشكل جزئي، بينما نحاول المحافظة على الوجود المسيحي في الدول الأخرى في ظل دعوة عالمية إلى ذلك، وبعد الردّة الرجعية التي شاهد العالم مفاعيلها. نتمنى أن توصلنا هذه القناعة العالمية الى تفاهم جديد حول المسيحيين في الشرق».
وأضاف: «أن لبنان الذي يتمثّل فيه المسيحيون بمختلف كنائسهم، والمسلمون بمختلف مذاهبهم، يصلح لأن يكون مركز حوار للحضارات والأديان، فهذه المنطقة المشرقية شهدت تطور الحضارة من العهد الآرامي وحتى اليوم مع كل الحضارات التي مرت فيها يونانية ورومانية… . وقد تصدّى اللبنانيون سابقاً لمحاولة تغيير اللغة العربية على يد الاتراك، كما أنهم كانوا السباقين نحو نهضة نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، وبعدها تأقلموا مع الحضارة الغربية، وكان لبنان بالتالي الباب الذي تدخل منه الحرية إلى الشرق الأوسط».
وتطرّق إلى القضايا الاقتصادية والمالية، معتبراً «أن لبنان يعمل حالياً على معالجة الوضع الاقتصادي في خطوة لم تحصل منذ سنوات طويلة، فالاقتصاد كان ريعياً وقام على الاستدانة، وتأثر بتراكم الأزمات التي ضربت العالم على مر السنوات ومنها الركود الاقتصادي والحروب في المنطقة والنزوح الكثيف. وفي ما خصّ النقطة الأخيرة، فقد اتُهمتُ بالعنصرية لمطالبتي بالحدّ من استقبال النازحين لعدم قدرة لبنان على استيعاب هذه الأعداد التي أضيفت الى أعداد اللاجئين الفلسطينيين وتخطى عددهم المليونين».
واوضح ان «هذه الازمات اثرت سلباً على لبنان، كما ادت التراكمات إلى انقسام اللبنانيين حول سلسلة الرتب والرواتب، ولا بد من الوصول الى تسوية حول الموضوع».
ثم دار حوار بين رئيس الجمهورية والبطاركة، أعرب خلاله الكاثوليكوس كيشيشيان عن تقديره لأهمية الاستقرار الأمني الذي يعيشه لبنان منذ انتخاب الرئيس عون، مشدداً على «الدور الإيجابي الذي يلعبه رئيس الجمهورية مع الجيش اللبناني للحفاظ على هذا الاستقرار».
كما تحدّث البطريرك يونان عن أوضاع الرعايا المسيحيين في سوريا والعراق، وتطرق إلى «معاناة النازحين العراقيين الراغبين في العودة إلى أراضيهم في العراق بشكل خاص، والتسهيلات التي يمكن أن تقدّمها الحكومة من أجل تحقيق هذا الأمر».
وأشاد البطريرك ساكو من جهته بالرئيس عون وبالقرارات التي يتخذها، داعياً إياه إلى زيارة العراق. وقد وعد الرئيس عون بدراسة توقيت الدعوة الرسمية التي كان تلقاها من السلطات العراقية.
من ناحية أخرى أبلغ رئيس الجمهورية وفد الهيئات الاقتصادية الذي استقبله، في قصر بعبدا، برئاسة الوزير السابق عدنان القصار، «أن قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقرّه مجلس النواب مؤخراً، هو قيد الدرس بعد إحالته إلى رئاسة الجمهورية، تمهيداً لاتخاذ الموقف المناسب منه على نحو يزاوج بين ما ترتبه السلسلة الجديدة من حقوق للمستفيدين منها من جهة، وما يحفظ الاستقرار الاقتصادي وسلامة المالية العامة في البلاد».
وأكد الرئيس عون «أن معالجة الأوضاع المعيشية والاجتماعية الضاغطة والانعكاسات الاقتصادية، تحتاج إلى عمل مشترك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لأن ما يصدر عن هاتين السلطتين يرتُب مسؤوليات كبيرة ينبغي تحمّل نتائجها، خصوصاً أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب والأحكام الضريبية تزامن مع تحركات سياسية وشعبية واجتماعية وحملات إعلامية لم تخلُ من المزايدات التي أدّت الى تضمين قانون السلسلة والأحكام الضريبية بنوداً يناقض بعضها البعض الآخر، ومنها ما يخالف الأنظمة المرعية الإجراء والحقوق المكتسبة لبعض العاملين في قطاعات مختلفة، إضافة إلى بروز تناقض مصالح بين مختلف الفئات الشعبية مما يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، الأمر الذي يفرض تصحيح بعض مكامن الخلل».
ولفت رئيس الجمهورية وفد الهيئات الاقتصادية إلى أنه «مضى على التعاطي مع سلسلة الرتب والرواتب وما رافقها من رسوم وضرائب سنوات عدة لم تتمّ خلالها معالجة هذه المسألة الدقيقة، كما يجب من خلال حوار بين الهيئات والنقابات المعنية، ما أوصل الأمور إلى الوضع الذي باتت البلاد فيه».
وكان الرئيس عون استمع إلى شرح مفصّل عن موقف الهيئات الاقتصادية، قدّمه رئيس الوفد القصار ورئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه، ورئيس جمعية التجار في بيروت نقولا شماس، عرضوا فيه ملاحظات الهيئات الاقتصادية على قانون سلسلة الرتب والرواتب والأحكام الضريبية مبرزين ما وصفوه بـ «التداعيات السلبية للضرائب التي تمّ إقرارها في مجلس النواب بهدف تمويل سلسلة الرتب والرواتب».
وتحدّث القصار باسم الوفد، فأشار الى أن «الزيارة تأتي في سياق التشاور»، وقال: «نحن نثمّن موقف رئيس الجمهورية في ما يتعلق برفضه للضرائب التي أقرّت لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، وعرضنا عليه الهواجس التي تنطلق منها الهيئات الاقتصادية في إطار رفضها الإجراءات الضريبية الجديدة».
اضاف: «دعونا الرئيس عون الى ممارسة حقه الدستوري الممنوح له بموجب المادة 57 من الدستور، برد قانون السلسلة إلى مجلس النواب، وضرورة إجراء قراءة ثانية ومتأنية لمشروع السلسلة والضرائب الملحقة به، وبالتالي العمل على استدراك المخاطر التي ترتبها الضرائب الجديدة على الاقتصاد والمجتمع اللبنانيين».
وقال: «إن الوفد يرى أن الضرائب التي أقرّها مجلس النواب غير مدروسة دراسة كافية، ومن هذا المنطلق شدّدنا أيضاً أمام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على أهمية تدارك الخطر الحقيقي قبل أن تقع الكارثة، وبالتالي لا يعود هناك مجال لتصحيح الخلل، كذلك شدّدنا على أن إقرار سلة من الضرائب غير المدروسة بذريعة تمويل سلسلة الرتب والرواتب سوف يكون له تأثير كارثي وسيهز السلامة المالية للبنان وتصنيفه الائتماني ومرتكزات الاقتصاد اللبناني، وذلك لصالح الاقتصاد غير الشرعي».
ولفت إلى «أن الهيئات الاقتصادية ليست وحدها مَن يرفض الضرائب التي تم إقرارها لتمويل السلسلة، حيث إن الاعتراضات برزت بشكل واضح داخل مجلس الوزراء، وكذلك العديد من النقابات والاتحادات والأحزاب السياسية، حتى أن موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كان مهماً في هذا الإطار، كما أن هناك اعتراضات حتى من جانب المستفيدين من السلسلة ومن نقابات المهن الحرة والمؤسسات التربوية، وهذا يؤكد وجود خلل كبير تنبغي معالجته حتى لا ندخل في المحظور وتقع الكارثة الكبرى بحق الاقتصاد والمواطن».
وأشار القصار إلى «وجود إجراءات ضريبية شديدة الأذى للاقتصاد، لا سيما المادة 17 التي تتناول ثلاثة أمور جوهرية: زيادة معدل الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات المالية والسندات لدى المصارف من 5 إلى 7 تعديل المادة 51 من القانون رقم 497/2003 وعدم حسمها من ضريبة الأرباح، وفرض تدبير جديد على المكلفين بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع كالمهن الحرة، كما أن هناك محاذير مترتبة على تطبيق المادة منها خرق السرية المصرفية، وفرض الازدواج الضريبي على بعض أنواع الدخل، مما يخالف مبدأ المساواة بين المكلفين بالضرائب المنصوص عليه في الدستور اللبناني».
وشدّد القصار على أن «الوضع بات يحتاج إلى معالجة جذرية من خلال خطة اقتصادية متكاملة يجري العمل على وضعها حالياً»، معتبراً أن «مكافحة الهدر والفساد والتهريب من أبرز الخطوات التي يجب أن تعتمد في سياق معالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية الراهنة».
على الصعيد النقابي، استقبل الرئيس عون وفداً من نقابة المعالجين الفيزيائيين في لبنان برئاسة النقيب طانيوس عبود الذي عرض عليه أبرز مطالب النقابة التي باتت تضم 1200 منتسب، ومنها الاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي والالتزام بالتعرفة التي تحددها النقابة، ومنع منافسة اليد العاملة الخارجية للمعالجين اللبنانيين».
وعرض النقيب عبود اقتراحات من أجل إقرار صندوق تعاقد المعالجين والمساعدة في تمويله من خلال طابع مالي، إضافة إلى تنظيم عملية التوظيف في المستشفيات الخاصة لحفظ حقوق أعضاء النقابة، ومنع المتخرّج من مزاولة المهنة قبل إلزامه بالانتساب إلى النقابة.
وردّ الرئيس عون مؤكداً اهتمامه بمطالب المعالجين الفيزيائيين ومتابعتها مع الجهات المختصة.