معركة الأقصى: وقائع وأفكار وتحليلات
د. لبيب قمحاوي
إنّ ما جرى في الأسبوعين الماضيين في المسجد الأقصى قد أعاد إلى الفلسطينيين والعرب نكهة وطعم النضال وحلاوة طعم الانتصار التي كاد أن ينساها تحت معاول الهدم الصهيوني وتآمر السلطة الفلسطينية ومؤامرات الأنظمة العربية.
إنّ ما تمّت كتابته في خضمّ الأحداث قد يكون الأصدق تعبيراً كونه جاء في حينه ومحصلة للتطورات والانفعالات التي رافقت سير المعركة.
وفي ما يلي أربعة محطات خلال أسبوعين تمّ فيها تدوين ونشر بعض تلك الانفعالات والأحاسيس لما جرى وما رافقها من أفكار وتحليلات.
الاثنين 17/7/2017
ما يجري في القدس وللمسجد الأقصى وما يجري في فلسطين وما يجري في الأردن يعني أنّ القضية الفلسطينية والفلسطينيين والأردنيين ما زالوا بخير. كما يعني أنّ خصوصية الرابطة بين فلسطين والأردن، والفلسطينيين والأردنيين ما زالت بخير.
إنّ ما يجري في القدس والمسجد الأقصى على أيدي سلطات الاحتلال الاسرائيلي يتطلّب منا ملاحظة ومراعاة ما يلي:
أولاً: لا يضيع أيّ حق وراءه من يطالب به.
ثانياً: أخطأ محمود عباس عندما سارَعَ لإدانة العملية الفدائية البطولية ضدّ شرطة الاحتلال الاسرائيلي في المسجد الأقصى، وهو بالتالي خرج مرة أخرى عن الموقف الوطني الفلسطيني، وعن إطار ما يجري من أحداث، وحافظ على موقعه في التبعية لسلطات الاحتلال على حساب مصلحة القضية الفلسطينية.
ثالثاً: نشهد الآن إحدى الحالات القليلة التي يلتقي فيها الموقف الشعبي الأردني مع الموقف الرسمي الأردني في التصدّي لسياسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
رابعاً: إذا لم تعد الأمور إلى نصابها في المسجد الأقصى، فإنّ «إسرائيل» تكون بذلك قد ضربت عرض الحائط بالولاية الدينية للهاشميين على الأماكن المقدسة ومنها الأقصى حسب اتفاقات وادي عربة، مما يجعل الأردن حراً في اتخاذ ردود الفعل المناسبة بما في ذلك طرد السفير الإسرائيلي وإغلاق مقرّ السفارة أو تجميد العمل بإتفاقية وادي عربة، وقد تكون هذه هي الفرصة التي ينتظرها العديد من الأردنيين.
خامساً: من المستحيل فرض قيود أو حدود أو «تأشيرة فيزا» على عواطف الأردنيين سواء الوطنية أو الدينية أو كليهما تجاه ما يجري في القدس وللمسجد الأقصى ولإخوانهم الفلسطينيين تحت الاحتلال. وما جرى في السفارة الاسرائيلية في عمّان يؤكد ذلك بالرغم من المحاولات الرسمية الأردنية والإسرائيلية لاعتبار ذلك حادثاً عرضياً لا أُسس سياسية له.
سادساً: المسجد الأقصى أرض فلسطينية تتبع السيادة الوطنية الفلسطينية وهو جزء منها، كما أنه أحد أهمّ المقدسات الإسلامية، وهو بذلك يشكل أيضاً جزءاً من المقدسات الإسلامية التي تمسّ جميع المسلمين. أزمة «إسرائيل» إذن سياسية ودينية في آن واحد، وهي الآن في مواجهة مع الفلسطينيين والعرب مسلمين ومسيحيين من جهة، ومع المسلمين في العالم من جهة أخرى. وهنا يجب التأكيد أنّ الصفة الدينية لا تغني عن السيادة الوطنية والسياسية. فالأقصى هو أرض فلسطينية أولاً وأخيراً والمسجد الأقصى هو مقدّس إسلامي لكلّ المسلمين.
سابعاً: وِحْدة شعب فلسطين، بما في ذلك الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948، في مواجهة الاحتلال أصبحت الآن حقيقة لا يرقى اليها أيّ شك، وعلى «إسرائيل» البدء في التعامل مع هذه الحقيقة شاءت ذلك أم أبت. ويجب مقاومة أيّ جهود لإعادة تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني حتى لو كانت تلك الجهود على أيدي فلسطينية ملطخة بالعمالة.
ثامناً: الأرضية ما زالت غير جاهزة لانتفاضة ثالثة نظراً لجهود السلطة الفلسطينية في مقاومة مثل ذلك التطوّر وفي اعتقال أو قتل أيّ فلسطيني يختار مسار الكفاح والنضال ضدّ الاحتلال أو تبليغ السلطات الإسرائيلية عنه أو عنهم تحت ستار «التنسيق الأمني» المشؤوم الذي حوّل السلطة الفلسطينية إلى جهاز أمني تابع لـ«إسرائيل».
تاسعاً: إنّ عنجهية الاحتلال الإسرائيلي وضُعْف الموقف العربي قد تؤدّي لمزيد من الغضب الفلسطيني وبالتالي قد تساعد في إنضاج الظروف الموضوعية اللازمة لانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثالث، ولكن المؤشرات في ذلك الاتجاه ما زالت ضعيفة.
وأخيراً يبقى الحق حقاً لكلّ من يطالب به ويسعى إليه.
الاثنين 24/7/2017
ما الذي يجعل من الأردن والأردنيين ضحايا دائمين وبامتياز لأيّ حادث يكون طرفه الآخر إما أميركياً أو إسرائيلياً؟
اللوم يقع على الحكومة الأردنية لأنها في محاولاتها المستمرة لاسترضاء الآخرين مثل «إسرائيل» وأميركا، تقوم بالتعتيم الأمني على مجرى الأحداث وتفاصيلها وتقوم بالتعامي عن الحقائق عندما يكون الضحية أردنياً مثل القاضي رائد زعيتر، أو الفاعل أردنياً مثل أحمد الدقامسة، أو معارك ابو تايه، هؤلاء الذين فشلت حكومتهم الاردنية اما في حمايتهم أو في توفير الغطاء لهم كما يفعل الإسرائيليون عندما يكون الفاعل إسرائيلياً.
دم الأردني او الفلسطيني حلال ودم الاسرائيلي «مقدس». لماذا؟ لماذا يا أردن؟ لماذا يا عرب؟ لماذا يا مسلمين؟
الخميس 27/7/2017
يستطيع الشعب الفلسطيني ان يحتفل بانتصاره العظيم ولكن الصغير في معركة الأقصى ضدّ ظلم وتعسّف سلطات الاحتلال الصهيوني. فهذا النصر لا يعني زوال الاحتلال أو عودة أيّ حقوق فلسطينية مسلوبة إلى أصحابها، وعلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين أن لا يقعوا في فخ الاسترخاء واعتبار أنفسهم قد قاموا بواجبهم من منطلق و«كفى الله المؤمنين شرّ القتال».
ما جرى عظيم، ولكن حدود عظمته تقف عند أبواب المسجد الأقصى. ما زالت القدس محتلة وفلسطين محتلة، وما زال الفلسطينيون يعانون الأمرّين من سياسات التمييز العنصري والقهر والاستبداد الصهيوني وما زال واجب النضال ضدّ الاحتلال قائماً.
يتسابق الحكام العرب والمسلمون الآن في محاولة مكشوفة لحصد عوائد وأمجاد معركة كسر العظم على أبواب الأقصى والتي كسبها الشعب الفلسطيني بنضاله وتضحياته وتكاتف أبنائه.
إنّ محاولات الحكام العرب البائسة لادّعاء الفضل بهذا الانتصار ومحاولة تجييره لجهودهم الباهتة والشكلية والمتأخرة جداً باعتبارها السبب وراء ذلك الانتصار في معركة الإرادة هي محاولات سقيمة تدعو الى الشفقة ولن تمرّ على الشعوب التي تعلم من ضحّى ومن انتصر.
ما زلنا في أول الطريق وعلينا المحافظة على ما تمّ إنجازه من حشد لقوى النضال والبناء عليه، وتجنب الاسترخاء باعتبارنا قد كسبنا حتى الآن جولة واحدة فقط في حرب طويلة الأمد.
الجمعة 28/7/2017
معركة الأقصى الاخيرة هي في أصولها صراع مع الاحتلال الاسرائيلي على السيادة على ذلك المكان المقدس. وإذا ما نجح الفلسطينيون في تحويل الصراع على الأقصى إلى عنوان لنهج جديد لمقاومة الاحتلال، فإنّ ذلك سوف يشكل نقلة نوعية جديدة في النضال الوطني الفلسطيني. أما إذا سُمِحَ لهذا الصراع ان يتطوّر الى صراع ديني، فإنّ هذا بالضبط ما تريده «إسرائيل» وتسعى إليه، لأنه سوف يشكل المدخل لتحويل القضية الفلسطينية من قضية وطن محتلّ إلى قضية صراع ديني. وعلى أية حال، تبقى الحقيقة أنّ الأقصى هو أرض فلسطينية قبل ان يكون مكاناً إسلامياً مقدساً.
معركة الاقصى على مدى الاسبوعين الماضيين تشير الى التطورات التالية:
اولا: سقوط السلطة والقيادة الفلسطينية من خلال غيابها وغياب تأثيرها الفعلي على مجرى الأحداث، وفشلها الفاضح في التعبير عن نبض الشارع الفلسطيني.
ثانيا: سقوط نهج المفاوضات والسلام الوهمي كبديل لنهج المقاومة بأشكالها المختلفة. ومن المتوقع ان هذا النهج سوف يُجَابَه بمقاومة شديدة من اسرائيل والسلطة الفلسطينية بالتعاون مع العديد من الأنظمة العربية التي تعتبر اسرائيل حليفا اقليميا.
ثالثا: عودة اللحْمَة والوحدة للشعب الفلسطيني ويشمل ذلك فلسطينيي الخط الأخضر بعد سنوات من الجهد الاسرائيلي لتمزيق الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية. والنضال الفلسطيني الان يشمل كل الشعب الفلسطيني بعيدا عن التقسيمات التي خلقتها اسرائيل وتبنتها السلطة الفلسطينية من خلال تعاملها مع الشعب الفلسطيني كوحدات وليس كوحدة واحدة.
رابعا: سقوط العمق العربي الرسمي في حماية ودعم فلسطين والفلسطينيين، وسقوط دور العالم الاسلامي في حماية المقدسات الاسلامية في فلسطين.
خامسا: حتمية إعتماد الفلسطينيين على أنفسهم في النضال ضد الاحتلال.
ان الدور العربي والإسلامي الباهت والمتأخر وغيابه عن مجرى الأحداث الاخيرة يعكس الأمل الخفي للمسؤولين العرب والمسلمين في ان يفشل الفلسطينيين في الصمود والاستمرار مما سيجنبهم بالتالي الاحراج مع الاسرائليين. وهذا يؤكد مرة اخرى ان على الفلسطينيين في الداخل الاعتماد على أنفسهم وعدم انتظار اَي دعم حقيقي او فعال او مؤثر من المسؤولين العرب او المسلمين، وقد يكون في ذلك بداية الانبعاث الفلسطيني الجديد والحقيقي في النضال ضد الاحتلال.
إن ما ورد أعلاه هي أفكار وتحليلات على هامش ما جرى في الأسبوعين الماضيين من حرب اسرائيل على الأقصى وعلى الفلسطينيين، ولعل في تسلسل التعليقات ما يوفر من إضاآت على مجرى الأحداث وعلى حقيقة النوايا الاسرائيلية والمواقف العربية والاسلامية من تلك الأحداث، ومن الهام في هذا السياق ربط محتوى ما هو مكتوب بالتاريخ المشار إليه حتى تتعزز القدرة على مواكبة الأفكار المطروحة مع الأحداث في سياقها الزمني.
مفكر وسياسي
lkamhawi cessco.com.jo