اليونيفيل على الحدود مع سورية والشكوك
روزانا رمّال
لا تبدو مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان بالنسبة لأطراف النزاع المتمثلة بحزب الله والجيش «الإسرائيلي» المعني بتنفيذ قرارت الأمم المتحدة الملزمة، بإطار المؤسسة الدولية المنبثقة عنها، سوى حالة تترجم وجود فرضته ظروف خاصة بطبيعة المعركة بين حزب الله كمنظمة لبنانية مقاومة لاحتلال سابق وتعتقد أنه وارد، بأي لحظة جراء ذهنية «إسرائيلية» معتدية، وبين «إسرائيل» ككيان معتدٍ على أرض لا يوفر فرصة في تجربة خيارات يراها مناسبة عسكرياً بحق أي من دول الجوار وأخصها لبنان.
قوات «اليونيفيل» التابعة لسلطة الأمم المتحدة وطبيعة انتشارها هي نتيجة قرار يحكم العلاقة أيضاً بين الطرفين نتج بعد حرب تموز عام 2006، فكان القرار 1701 الذي يفترض التجديد لمهمة الجنود العاملين في الجنوب كل فترة، لكن فكرة القوات تلك التي أتت لتترجم خيار مجلس الأمن «مقلقة» بالنسبة لأطراف كثر يعتقدون أنها قادرة على لعب دور منسجم مع طبيعة النفوذ التي تسيطر على خيارات مجلس الأمن المتمثلة بالولايات المتحدة وحلفائها، لهذا فإن تجربة اليونيفيل لا تمثّل قدرة على فك أيّ اشتباك أو نزاع بالنسبة للذين يتعايشون معها بالقدر الذي تُعتبر فيه قوة تترجم حالة تحكّم منطقة عملها أمام العالم. فهي لم تستطع يوماً ردّ أي اعتداء «إسرائيلي» على لبنان، ولم تستطع في العديد من الأحيان حماية نفسها من استهداف «إسرائيل» كحرب عام 1996 عندما قصف الطيران «الإسرائيلي» مجمّعاً لقوات الطوارئ العاملة في الجنوب قانا.
استضعاف قوات اليونيفيل وعدم احترام عملها وفي بعض الأحيان، وخصوصيتها، يجعلها لقمة سائغة في أحيان عدة في فمّ الأقوى في السياسة الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها «إسرائيل». هذا هو الواقع الذي يعيه تماماً سكان الجنوب اللبناني ويتخوّفون منه، لأنهم يكنّون مشاعر التعاطف لهذه القوات بدلاً من الإحساس بالأمان بوجودها، لا بل يقول أحد سكان الجنوب اللبناني الشريط الحدودي سابقاً لـ«البناء» لدى سؤاله عن واقع المهمة المنوطة بالقوات الأممية وعن نسبة هواجس سكان المنطقة من وظيفتها: «إن هذه القوات بحمايتنا، ما في منن أوادم». ويضيف «المقاومة بتحمي كل العايشين بهالمنطقة إن كانوا اهلا او ضيوفا».
هذا الكلام العفوي ليس إلا مقارنة بسيطة بين ما تبعثه القوات الأممية من ارتياح وبين ما هو واقع يتجسّد بوقوع أمن هذه القوات تحت رحمة المزاج «الإسرائيلي»، رغم أنها لم تتعدّ يوماً على أي مصلحة «إسرائيلية»، بل انها لعبت أدواراً متعددة كوساطات وصلة وصل مع الجيش اللبناني من اجل البتّ بمطالب واعتراضات او شكاوى من الجانب «الإسرائيلي» عبارة عن مخاوف وهواجس تتعلق بالتنجسس على الجيش «الإسرائيلي» من الجهة اللبنانية.
هذا الكلام تناوله المعني مباشرة بمهمة القوات الدولية، وهو أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بخطاب انتصار حرب تموز الأخير، مذكّراً بهذه الهواجس «الإسرائيلية»، وكم من مرة لجأت «إسرائيل» إلى قوات الطوارئ، لكي تتأكد وتتفحّص طبيعة أي حركة تدور على الحدود اللبنانية على بساطتها قائلاً «يعترض الإسرائيليون على شجرة، وعلى مدني لبناني مدني لا يرتدي الزي العسكري بمجرد أنه نظر باتجاه فلسطين، حيث يشكل هذا ربما خرقاً للـ 1701، و»قوموا يا مجلس أمن كلفوا اليونيفيل» او على «حاووز» أي خزان ماء مرتفع قليلاً، تأتي «اليونيفيل» تصعد على حاووز الماء لترى إذا كان عليه كاميرا أو لا، هل هذا يتجسّس على إسرائيل أو لا!».
كلام نصرالله تأكيد على مرحلة مقبلة توضع في خانة وضع فكرة تنفيذ القرارات الدولية نصب أعين المجتمع الدولي قبل نهاية الشهر موعد إعادة التصويت على مهمة اليونيفيل في الجنوب بمنطق خدمة الجهة «الإسرائيلية» لتصبح القوات حارسة للحدود بما يخدم بث الارتياح لدى الجانب «الإسرائيلي»، رغم أنه المعتدي الدائم على السيادة اللبنانية إلا أن هذا بالنسبة لحزب الله هو انتصار يؤكد بالنسبة إليه ما تحاول القوى الكبرى تعميته وهو التعاطي معه كنسيج من المجتمع اللبناني في وقت تجهد لتصنيفه إرهابياً وهو الذي ساعد في تنفيذ القرار 1701 لسنوات وهو عنصر أساسي في إنجاحه رغم اعتراضات على خروق محدّدة بالعين الغربية لتطبيقه.
حزب الله الذي يلتزم بتنفيذ القرار الدولي في الجنوب هو نفسه الحزب الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية تقييد حركته باليونيفيل، لكن من جوانب متعدّدة وحسابات متباينة.
وفي الوقت الذي يقترب فيه التصويت على وجود اليونيفيل في الجنوب تفتح السفيرة الأميركية نيكي هايلي بمجلس الأمن العيون على خطة تتحدّث فيها عن ضرورة تعزيز دور قوة حفظ السلام الدولية المنتشرة في جنوب لبنان – لتجنّب انتشار الأسلحة غير المشروعة في منطقة عملها، في إشارة مباشرة إلى حزب الله، لكنها طروحات تراها مصادر متابعة على أنها مرحلة جس نبض ما قبل التسويات للحل السوري المقبل. وهي محاولة لتوسيع مهام اليونيفيل لتصل للحدود اللبنانية السورية. الأمر الذي يعني أيضاً بمنظار المقاومة خياراً يخدم «إسرائيل» مجدداً بما يتعلق بنيات ضبط مرور السلاح عبر المعابر السورية لحزب الله. أما محلياً، فتؤكد أصوات، أبرزها كتلة المستقبل النيابية على تبنّي اقتراح نشر اليونيفيل على الحدود بين لبنان وسورية، ورئيس حزب القوات سمير جعجع، الانسجام مع الطلب الأميركي بكل أريحية والتحضير لفترة تناول الموضوع محلياً انسجاماً مع الأميركيين بعد إعلان تاييدهم لتوسيع صلاحيات اليونيفيل لتشمل الحدود الشرقية والشمالية للبنان مع سورية، باعتبار أنهم لا يرون أي مشكلة في الموضوع، بل على العكس تتحقق مصلحة لبنانية.