طهران وأنقرة.. «قفزة» غير مسبوقة والرياض تحاول التوازن

سماهر الخطيب

تسير سياسة طهران مع جيرانها على خيط رفيع جداً، ولكن بوضوح، مرحّبة بكل تطور إيجابي من شأنه أن يخفف من حدّة التوترات والأزمات في المنطقة. هذا ما أكده المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أنّ «سياسة طهران واضحة»، مرحّباً بكل «تطور من شأنه أن يخفف من حدة التوترات».

وفي الآونة الأخيرة ومع اشتعال المنطقة بفتيل من الأزمات الدبلوماسية والسياسية ناهيك عن العسكرية والحروب القائمة على أرض جوارها العراقي وامتداده السوري، ما حتّم عليها الوقوف إلى جانب جيرانها كحليف وداعم وراعٍ للسلام من جهة وصديق صادق مع باقي دول المنطقة، ل ما تجمعه بها من شراكة جيواستراتيجية وتاريخية عريقة، كما تركيا وقطر، وحتى السعودية.

وعلى سيرة تركيا، وصف قاسمي زيارة رئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري إلى أنقرة بـ «القفزة»، وأنها خطوة تكاملية في العلاقات بين البلدين.

وقال قاسمي حول الزيارة: إنها «فريدة من نوعها، حيث لم يكن لدينا خلال السنوات الماضية مثل هذا المستوى من الزيارات مع هذا البلد الجار».

ولمن لم يراهن على قوة الوجود الإيراني في المنطقة فقد كان الخاسر الأكبر، إذ لا يمكن نكران ما تؤكده طهران منذ 37 عاماً من مواقف ومبادئ ثابتة تجاه المقاومة وبوصلتها القضية الفلسطينية. فكانت السباقة في كل ما يخدم مصلحة وأمن المنطقة ككل وفلسطين والمقاومة بشكل حصري، ولأن أهدافها محددة باستراتيجية إيجابية تجاه جيرانها لا تردّ يداً مُدّت إليها للتعاون والمساهمة في استقرار المنطقة. وفي هذا الصّدد أوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية «أن اللواء باقري غادر إلى تركيا عقب تلقيه دعوة رسمية من نظيره التركي خلوصي أكار»، مشيراً إلى أنه «استُقبل بشكل جيد، وعقد محادثات مهمة للغاية مع المسؤولين الأتراك».

ولا ننسى بأنّ زيارة اللواء باقري زيارة مميزة، لم يحصل مثلها خلال الـ 40 عاماً الماضية.

ولفت قاسمي إلى أنّ «النتائج الإيجابية للزيارة ستنعكس على العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية في المستقبل»، معرباً عن أمله «أن تساهم الزيارة في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة».

ولأنّ أمن سورية هو أمن للمنطقة ككل، بل وللعالم أجمع، فهي لم تغب عن أي خطوة تخطوها إيران. وهذا ما أكده رئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري، على أهمية دور طهران وأنقرة في استقرار سورية وعودة الأمن لها، وقال: «لقد اتفقنا مع الجانب التركي على ضرورة بسط سيطرة الحكومة الشرعية السورية على كامل أراضيها، لاسيما في الشمال، حيث توجد قوات أميركية من دون أن تأخذ رخصة أو إذناً من الحكومة السورية المنتخبة.»

وفي الشأن العراقي رفضت إيران أي شكل من أشكال التقسيم الهادف إلى تفتيت العراق والسطو على ثرواته والمحافظة على وحدة الجغرافية العراقية بفسيفسائها المجتمعية. وحول موضوع الاستفتاء المزمع إجراؤه في كردستان العراق أكد باقري بكلمات دقيقة وفي محلها قائلاً: «على ضرورة عدم تقسيم الجغرافيا السياسية للعراق، وينبغي أن تُحلّ الخلافات بين الأطراف المتنازعة عبر قنوات الحوار والدبلوماسية».

أما في الشأن الخليجي فلم تتأخر إيران في تقديم المساعدة لقطر بعد أن طبّق عليها الحصار، رغم ما واجهته إيران والشعب الإيراني من سياسات طائفية قطرية ظهرت بشكل ملموس في إعلامها، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدل على قاعدة تتبعها إيران مع جيرانها، بأنّ السلام في المنطقة يجبّ ما قبله ولتحقيقه لا بدّ من رمي الحسابات الفردية لتحقيق المصلحة الجماعية.

أما السعودية التي قدّمت وساطة بعد أن رأت الدروب كلها تؤدي إلى طهران بمسعى لإيجاد مقعد لها بعد أن خلطت الأوراق في اللعبة الدولية وأعيد الاصطفاف تحت قوانين الحق ومبادئ الشرعية التي فرضتها سورية وحلفاؤها الروس والإيرانيون، ولأن إيران الأقوى إقليمياً كانت تلك الوساطة العراقية بطلب سعودي لإحياء العلاقات الإيرانية السعودية.

في ما أوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنّ العلاقات بين إيران والسعودية «ثنائية دوماً»، مشيراً إلى أنه «يجب أن يتوصل البلدان إلى أوضاع خاصة بدءاً بمراحل خفض التوتر».

ولم تكن تلك المرة الأولى التي تقدّمت بها السعودية بوساطة كالوساطة العراقية. فقد جرت خطوات عدة من قبل بعض الدول كمساعٍ حميدة، لكنها لم تنجح، فالرياض التي ترفض القبول بواقع وحقائق المنطقة بمحاولاتها العبثية لبسط سيطرتها وتطبيق تعاليم أميركية صهيونية لن تستطيع التأقلم مع وجود قوى اجتمعت على الحق والإرادة.

وأكد قاسمي «بقيام إيران بالإجراءات اللازمة ونأمل أن تنظر السعودية إلى الأوضاع في المنطقة بواقعية»، مشدداً على أنه «ما يمكن أن يكون مصيرياً للجميع هو الاستقرار والأمن الإقليمي».

لا بدّ أن الجميع سيشاهد في المستقبل الآثار الإيجابية للسياسة الإيرانية مع جيرانها وشركائها في المنطقة إن كان على الصعيد الثنائي أو الإقليمي…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى