هل تتحمّل أميركا هذا الاعتراف؟
روزانا رمّال
الحديث عن عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن البيت الابيض بات جزءاً لا يتجزأ من يوميات الراي العام الأميركي الذي يتابع بكل اهتمام هذه المسألة، تتفاعل جهات اكاديمية وقانونية مع خيارات يتيحها الدستور الأميركي لكنها تسجل في سجل البيت الابيض كاستثناء او سابقة عندما يتم الحديث عن عزل رئيس اختاره الشعب الأميركي ديمقراطياً. وهو الامر الذي لاحق الرئيس الأميركي الاسبق نيكسون حيث قدم استقالته قبل موعد الإعلان عن الحكم المبرم او النهائي بعزله. وهو الأمر الذي لن يقدم عليه الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب الملاحق بقضية السماح لروسيا بالتدخل بالانتخابات الأميركية ما أدى لوصوله لسدة الرئاسة، لان ترامب سيبقى يراهن على اللحظات الاخيرة القادرة على قلب مجريات الامور.
اللحظات الأصعب من دون شك تمر فيها الادارة الأميركية والطاقم المحيط بالرئيس الأميركي الذي لا يزال غير قادر على الاستقرار في ظل محاولات تكبيل الرئيس منذ لحظة دخوله الى البيت الأبيض، لكن السؤال هنا بات عن امكانية ان تتخطى مسألة القيود «التكبيل» لتصل الى ما هو ابعد من ذلك بكثير ويتعلق بالعلاقة مع روسيا وشكلها، بعد أن بدت واشنطن مستعدة للشراكة الواضحة المعالم مع موسكو بالشرق الأوسط، وذلك قبل وصول الرئيس ترامب للحكم، حيث كانت ثنائية الوزيرين الروسي والأميركي سيرغي لافروف وجون كيري الانجح على الاطلاق حيث استطاعا التوصل الى اتفاق تاريخي بين الغرب وطهران بخصوص الملف النووي يعتبر اساس رسم هذه الشراكة. وهو الاتفاق الذي ما كان ليكون بدون روسيا وقد سعت طهران الى ابراز الدور المحوري لموسكو في هذا الملف تكريساً لتفعيل دورها كشريك لديه حلفاء أقوياء لا يمكن التعاطي معه أميركياً بما يتناسب مع الموقف القديم الذي احاط بالسلوك السياسي الأميركي المتمثل بـ «الأحادية».
هذا يعني ان دونالد ترامب المتهم بعلاقات جيدة مع روسيا ليس هو من فتح باب العلاقة بل هو قدم واستلم ما انجزه عهد اوباما من تعبيد للطريق. لم يقدّم ترامب حتى الساعة ما يبرر خوف الفريق الذي يسعر الحملة ضده في الولايات الأميركية الاكثر تطرفاً، حيث تم استغلال خطاباته العنصرية وكل ما من شأنه أن يصب في خانة الادانة حتى الشفهية لرئيس متطرف لا يرقى لمستوى رؤساء الامة الأميركية العظيمة. دونالد ترامب لم ينجز حتى اللحظة اي اتفاق مع الروس قدم فيه تنازلاً أميركياً مباشراً، بل على العكس ادارة الرئيس الاسبق باراك اوباما هي التي قدمت ما يمكن البناء عليه بما يتعلق بالتبعية والنفوذ والحسابات التي تصب في خانة التنازلات بالنسبة للأميركيين.
السؤال الأبرز هنا هو هل تحتمل واشنطن جدياً مسألة عزل الرئيس الأميركي بحجة من هذا النوع، فيها ما يكفي من «الاعتراف» بان روسيا نجحت بهز المنظومة الامنية الأميركية واستطاعت ان تتدخل بمصير أميركا عبر التأثير على الانتخابات في اقوى دولة في العالم وقلبت الحياة السياسية رأساً على عقب؟ هل تتحمل أميركا هذا الاعتراف؟ هل تتحمل ان يشار الى خرق روسي ناجح لأمن شكل قدوة المدارس الامنية الاستخبارية العالمية ونجاح روسيا بالسيطرة على عقل المسؤولين الأميركيين ببساطة شديدة وجذبهم باتجاه التنسيق معها بمعزل عن حساسيات البلدين؟
الاكيد ان هذا هو أكثر ما يجعل قرار عزل ترامب صعباً بعيون الأميركيين، ولهذا السبب اذا كانت هناك امكانية لتبرير قرار العزل، فانه يتوجب على الفريق المعترض تقديم «اتهام» واضح يدين ترامب، من دون ان تحتل القضية مع روسيا المليئة بالثغرات واجهة القرار. وهو الحل القادر على انقاذ ماء الوجه والسيادة الوطنية الأميركية.
وعلى أن هذ الخيار لا يزال صعباً، فإنه من الواضع ان تهديد ترامب مع تقدم الساعات بسحب الثقة منه يعود من وجهة نظر مغايرة الى ان الأميركيين الذين انغمسوا بضرورة التعاون مع روسيا في ملفات المنطقة كأفغانستان والعراق وسورية والذين نجحوا معها بملف ايران النووي، باتوا بحاجة بعد روحية الصداقة التي كشف عنها ترامب تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى ما يعمي الأنظار عما بات «انبطاحاً» أميركياً رئاسياً في أمجاد الدولة الروسية وقدراتها كشريك منقذ للولايات المتحدة هذه المرة، وليس العكس. وبالتالي فإن التعمية هذه تطلب المزيد من الضغط الكلامي على ترامب في الوقت الذي تستكمل فيها مساعي الحلول مع روسيا متزامنة مع قرار عقوبات يلعب نفس الدور أيضاً لأن ما يجري هو بالتأكيد ليس مقبولاً بالذهنية الأميركية التي يسيطر عليها «التفرد» و«التسلط».
واذا كان مطلوباً من الربيع العربي المزعوم في المنطقة إحداث تغيير في ذهنية الانظمة الحاكمة، فإن هذا التغيير نفسه هو ما بات يحكم الولايات المتحدة التي خضعت لضرورة التعاون مع روسيا التي باتت بدورها جزءاً لا يتجزأ من تكوين النظام العالمي الجديد. وبالتالي فان هذا التغيير الكبير المقبل على الأميركيين هو السبب في هذا اللااستقرار والاهتزاز، لكن في نهاية المطاف يجب على الأميركيين ان يعترفوا بهذا التعاون المحتوم قبل فوات الأوان.