تركيا تحصد لهيب حرب كوباني: لا منطقة عازلة في هذه المرحلة
هدى رزق
يبدو جلياً أن لهيب كوباني «عين العرب» قد انتقل إلى الداخل التركي. بعد أن حام حزب العدالة والتنمية حول أزمات الشرق الأوسط معتقداً أنه لن يكون ممكناً اتخاذ أدنى قرار في المنطقة من دون موافقة تركيا -بحسب أوغلو-. لكن سياسات الحكومة السابقة تركت تركيا ضعيفة وغير فاعلة. إذ يحصد الداخل التركي اليوم نتائج الانقسامات الواضحة بين المتدينين والعلمانيين وبين السنة والعلويين. كذلك يعاد إنتاج صراع خطير بين الأكراد والأتراك ما يشي بتطورات خطيرة.
لهيب خراب «داعش» إذا يحرق البيت التركي حتى قبل دخولها الحرب مع دول التحالف، وقبل أن تصبح جزءاً منها. لقد أعلنت الحكومة حظر التجول في ست محافظات لا سيما تلك المأهولة بالأكراد، حيث وقع عشرة قتلى في ديار بكر والأخطر أن هذا الأمر لم يحصل منذ الثمانينات. افتعال الأحداث في ديار بكر أخذ طابعاً مقلقاً لانغماس مؤيدي حزبي العمال الكردستاني المحظور والشعب الديمقراطي اللذان يتشاركان الأفكار نفسها في الصراع، مع مؤيدي حزب العدالة والتنمية وحزب «الهدى بار» الإسلامي الكردي المتحالف معه، وهم يعتقدون أن حزب العمال الكردستاني يبتز الحكومة في محادثات السلام الجارية بينهما.
من جهة أخرى أثار تمزيق العلم التركي، والتعدي على تمثال مؤسس الدولة التركية أتاتورك، حزبي الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المعارضين في البرلمان. ما أدى إلى مطالبة حزب الشعب الجمهوري أعضاءه بعدم النزول إلى الشارع أو المشاركة. بعد اضطرار الحكومة إنزال الجيش مع المشاة والدبابات بعد الأحداث التي شهدت فوضى في الشوارع التركية، كذلك أدى الأمر إلى اتخاذ قرار بإغلاق المدارس لمدة أسبوع.
يبدو أن الخلاف التركي ـ الأميركي، أصبح واضحاً حول ما بعد عين العرب كوباني ، التي يسلّم الأميركيون بقرب سقوطها، فيما ينتظر الأتراك بفارغ الصبر هذا الأمر وسحق أبو بكر البغدادي للمقاومة الكردية. هكذا يكون أردوغان قد استراح من مشروع الحكم الذاتي الكردي. في الوقت عينه، وجد الرئيس رجب طيب اردوغان شريكاً بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لتبني طرح المنطقة العازلة بعد التقارب مع الأتراك من أجل الحصول على دعم أمني والتنسيق بين الاستخبارات التركية والفرنسية، لاحتواء العائدين الأوروبيين والفرنسيين، المقدرين بثلاثة آلاف مقاتل، خوفاً من تسربهم من دون معرفة الاستخبارات الفرنسية كما حصل منذ فترة. خوفاً من تنفيذهم عمليات إرهابية في أوروبا.
لكن الولايات المتحدة أعلنت رفضها لأي منطقة عازلة وأعلنت حدود عمليات التحالف ضد الإرهاب، وعدم إنزالها إلى الأرض، في الوقت الحاضر.
أشعل صمود مقاتلي «وحدات الحماية الشعبية» الكردية، تركيا إذ قلب حساباتها بالقيام بحرب خاطفة تراقبها الدبابات التركية على الحدود، واشتدّ مأزق أردوغان داخلياً في مواجهة الأكراد وحركة الاحتجاج. لقد أظهر حزب العدالة والتنمية جهله لديناميات الشرق الأوسط، وبدل أن تكون تركيا نموذجاً علمانياً ديمقراطياً، متنوع متقدم على الصعيد التنموي، تأثر أوغلو وأردوغان بالإخوان المسلمين وحذوا حذوهم. كما أنهم اعتقدوا أن نجاحهم في الانتخابات اليوم يعطيهم الحق بالعبث. وإتباع سياسة متقلبة لا يمكن التنبؤ بعواقبها خارجياً.
يواجه الأتراك اليوم احتجاج الرأي العام العالمي، وتظاهرات للجاليات الكردية في الخارج. يجدون أنفسهم معزولين بعد أن حدد حلف شمال الأطلسي، عدم الموافقة على أي مغامرة تركية. هم اليوم منعزلون سياسياً وبالكاد يسال رأيهم أو نصيحتهم في السياسة. كل ما نراه اليوم عن تركيا «الجديدة» هو احتمالات متزايدة من الاضطرابات. بسبب حالة الفوضى التي اعتمدها الساسة الأتراك في المنطقة من أجل إعادة تشكيلها وجعل تركيا مرجعية إقليمية. لقد استطاعت تركيا أن تنجو في ما مضى من ثلاثة حروب على حدودها بأقل الخسائر الممكنة ربما كانت الأضرار اقتصادية أمكن تعويضها، لكن يمكن للأزمات أن تتسبب في هدم الداخل ولا بد من إدراك هذه الانقسامات السياسية والمذهبية والاثنية، التي تشكل تحدياً كبيراً أمام الحكم في تركيا. لا معنى في السياسة لما يعتبره رئيس الوزراء أوغلو ومنظرو الحزب سياسة «أخلاقية «اتجاه الشعب السوري. فهذا الكلام الإيديولوجي يمكن أن يؤثر في المحازبين وفي تنظيم المؤيدين، لكن لا مكان له في السياسة الواقعية.