رصاص عين الحلوة ليس «طائشاً»
روزانا رمّال
كشفت معلومات خاصة لـ«البناء» مساء امس انه بات يوجد ما يؤكد على الرابط المباشر بين معركة الجيش اللبناني في جرود بعلبك كمعركة سمّيت «الفرصة الأخيرة» عند المشتبكين في عين الحلوة وبين التصعيد في المخيم بهذا التوقيت بالذات. وبالتالي فإن الاعتبارات التي تنطلق منها الجماعات الإرهابية صارت أبعد من ان تكون امام اشتباك مشابه لتلك السابقة، لأن الإرهابيين يربطون التفاوض على تهدئة الاوضاع بـ «ترحيلهم» الى سورية او خارج الحدود اللبنانية. وهو المطلب الذي لم يتحقّق بعمليات الجرود في عرسال ما جعل هذه الفرصة هي الأخيرة بالنسبة إليهم من جهة جرود بعلبك وما يعني أن على الأجهزة الأمنية التحسّب لكل أنواع التصعيد، خصوصاً أن الجماعات المفلسة لم تعُد تملك ما تخسره. وتضيف المعلومات «تزامن المعارك في عين الحلوة مع عمليات الجيش اللبناني في جرود بعلبك فيها جزء أمني ينبعث إحباطاً على التنظيم المنتشر في اكثر من منطقة وفي الجوار الاوروبي تشي بأن نهايته باتت قريبة وأنه مهزوم، ما حتّم إزاحة العين بلفت الانظار الى قدرة التنظيمات الإرهابية، خصوصا داعش على تهديد الدولة اللبنانية والإثبات أن لديها القدرة على هز الاستقرار اللبناني، وذلك عبر رصاصات وصلت خارج المخيم استهدفت عناصر أمنية لبنانية لم تكن طائشة، بل كانت رسائل مباشرة للضغط على الحكومة اللبنانية تمهّد لإمكانية تطورها في حال عدم التجاوب معها بتقدير المجموعات المسلحة».
التشويش اذاً على عمليات الجيش اللبناني هو احد ابعاد تحرك الإرهاب في عين الحلوة. وهو تشويش مطلوب إعلامياً نظراً لتأثيره على باقي المجموعات المنتشرة في الجوار، خصوصاً أن معارك العراق الموصل والبادية السورية فعلت فعلها بتكوين التنظيمات وبنيتها.
اشتباكات عين الحلوة هي الحلقة الأضعف التي يمكن للإرهاب أن يتصرّف فيها كورقة «انتقام». هو بالواقع «مكابرة» فيها ما فيها من رغبة التنظيمات تأكيد أن الضغط عليها لا يعنيها وحدها، لأنها قادرة على الضغط أمنياً من أجل تحريك مسألة التفاوض على إخراج بعض الأسماء المعروفة من المخيم بدون محاكمة أي أنها قادرة على هز الأمن اللبناني «الهش» بسهولة، كيف إذا كان الأمر يتعلّق بقطع الطريق الحيوي بين بيروت والجنوب.
عملياً، يبدو تنظيم «داعش» المعني بعمليات عرسال مباشرة لاعباً محترفاً، رغم أنه يلتقط انفاسه الاخيرة. فهو يُحسن توظيف اوراق القوة حتى وهو ضعيف. فالتمهيد الذي سبق هذه الاشتباكات كان قد بدأ العمل عليه منذ تحريك ملف الجماعات «الاسلامية» وقضية بلال بدر «المستحدثة» التي تطورت لتؤسس لملف آخر اليوم بمعزل عن ظروفها هي «بلال العرقوب»، بحيث تمكّنت المجموعات من خضّ أمن أحياء الطيري والصفصاف في المخيم، لكن اللافت والإيجابي هنا هو ان حركتي فتح وحماس متّحدتان في الهدف نفسه، وهو محاربة هذا الخيار في المخيم. فأهم ما في الأمر هو ان المجموعات فشلت بالرهان على الحصول على تغطية حركة حماس ضمن غطاء «الحركة الإسلامية». وهو ما من شأنه تأكيد أن وحدة الفلسطينيين في المخيم قادرة أن تؤدي إلى نتائج أفضل وأسرع تعود بالفائدة على الوضع الأمني داخل المخيم اولاً، وأمن مدينة صيدا ثانياً، والاستقرار في لبنان عامة او ثالثاً.
ضاقت اذرع القوى الإرهابية، لكن خيار التهديد بالتصعيد يصل حد إخراج الاشتباك لضواحي المخيم وتحديداً إلى احياء مدينة صيدا. هو تهديد جدّي، خصوصاً أن انهيار المجموعات المسلحة وانقطاع التواصل مع بعضها البعض في سورية والعراق، كما اعترف الداعشيون الذين وقعوا بأيدي حزب الله قد يأخذ بعض «العقائديين» في التنظيمات الإرهابية الى اللجوء الى الخطط الاخيرة. وهي العمليات الانتحارية او القتال حتى النفس الأخير بدلاً من الاستسلام. وفي هذا الاطار تكمن مخاوف من كون نسبة من الانتحاريين خرجت من عين الحلوة هي جزء يؤكد أن التطرف الديني وغرف التأطير موجودة في تلك البقعة وقادرة على اللجوء لهذه الخيارات في اي لحظة. الأمر الذي ليس ممكناً بحالتي جرود بعلبك وجرود عرسال لأن مخيم عين الحلوة شكل ما يشبه غرفة عمليات الإرهاب والإرهابيين منذ اندلاع الازمة السورية وبدء القتال، رغم أن الإرهاب استغل مخيمات فلسطينية اخرى وتخفّى وراءها وانطلق منها لأعمال تخريبية في لبنان الا ان لعين الحلوة رمزية مغايرة تماماً.
يبقى على الدولة اللبنانية ان تحسن التعاطي مع أمن مخيم عين الحلوة بالشكل الذي يعود بالحرص على أهله من جهة وعلى امن صيدا ومن ورائها لبنان من جهة اخرى، مع الاخذ بعين الاعتبار ضرورة الاسراع في إيجاد حل للمخيم الذي يبدو ان «الهدن» التي تخرج منه عند كل اشتباك لم تعد فعالة على الإطلاق. وفي هذا الاطار مصادر عسكرية رفيعة المستوى أكدت في وقت سابق ان مخيم عين الحلوة سيكون الخطة رقم اثنين التي تلي معارك الحدود اللبنانية وأن القوى المعنية تسعى لإيجاد حل جذري هذه المرة للخطر المستمر.