ترامب قد يدفع باكستان نحو الصين وروسيا…

هادي حسين

بعد أكثر من سبعة أشهر من انتقاله إلى البيت الأبيض، كشف أخيراً الرئيس الأميركي دونالد ترامب النقاب عن استراتيجيته التى طال انتظارها حول أفغانستان وجنوب آسيا.

وكما كان متوقعاً، تساءل الرئيس ترامب عن دور باكستان في التعامل مع بعض الجماعات المسلحة، ولا سيما حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني التي تغيظ الولايات المتحدة الأميركية.

وقال ترامب فى خطابه الذى استمرّ 30 دقيقة «لم يعد بإمكاننا السكوت عن الملاذات الآمنة للمنظمات الإرهابية وحركة طالبان والجماعات الأخرى في باكستان. التى تشكل تهديداً للمنطقة وخارجها. ثم ذهب إلى القول «انّ هذا النهج يجب ان يتغيّر، وعلى الفور».

لم يكن ترامب أوّل رئيس أميركي يتهم باكستان «باللعب على الحبلين» وكثيراً ما سمعنا شيئاً من هذا القبيل من الرئيسين بوش وأوباما ضدّ الدولة التي لطالما اعتبرها المسؤولون الأميركيون حليفاً كبيراً من خارج حلف الناتو ضدّ الإرهاب.

غير أنّ الفرق هذه المرة، أنّ ترامب وجه وبوضوح إنذاراً لباكستان، ودعا إسلام أباد لاتخاذ الإجراءات اللازمة والحاسمة أو مواجهة العواقب. وعلى الرغم من عدم وصولنا لأيّ تفاصيل حول نوع هذه العواقب بعد، فإنّ إدارة ترامب قد تستخدم الخيارات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية للحصول على النتائج المرجوّة من باكستان.

وعلى العكس من أسلافه الذين كانوا حذرين من إعطاء نيودلهي دوراً رسمياً في أفغانستان، بسبب تداعيات ذلك على العلاقة مع باكستان، فإنّ ترامب ينوي بوضوح استخدام الهند كرافعة على حساب إسلام أباد. فقد دعا ترامب الهند للعب دور فاعل في أفغانستان، كجزء من الاستراتيجية الأميركية الجديدة.

لكن السؤال الذي يطرحه الخبراء هو: هل ستعمل هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة القديمة مع باكستان؟ لا سيما أنّ في إسلام آباد من لا يرى جديداً في استراتيجية ترامب.

فالسيد ترامب لم يصف لنا كيف يعتزم تغيير سياسات باكستان. كلّ ما في الأمر تهديدات أميركية جديدة دون أدنى تلميح يساعدنا على تحديد النهج الذي ستعتمده إدارته لتغيير سياسات إسلام آباد.

بنفس السياق، نقل موقع «ذي أكسبرس تريبيون» الباكستاني عن مايكل كوجلمان، الخبير فى شؤون جنوب آسيا فى واشنطن، قوله: «انّ ترامب لم يقدّم ايّ حلّ جديد للصراع المستمر منذ 16 عاماً فى أفغانستان».

كما حذر الجنرال الأميركي المتقاعد مارك ماكارلي من أنّ اعتماد سياسات أكثر حزماً مع باكستان قد يحقق بعض النتائج بالنسبة للولايات المتحدة على المدى القصير، ولكن العواقب ستكون وخيمة على المدى الطويل.

أضاف الجنرال الأميركي: «باكستان لا تزال توفر طريق الإمداد الرئيسي للقوات الأميركية في أفغانستان. وفي حال قيامنا بأيّ خطوة متطرفة أو صبيانية، يمكن لباكستان أن تمنع خط الإمدادات الأساسي وهذا سيكون «كابوساً بالنسبة لنا».

يُذكر أنّ باكستان كانت قد عرقلت مرة واحدة خط الإمداد الأساسي لقوات الناتو التي تقودها الولايات المتحدة عام 2011، في أعقاب مقتل جنودها الـ 24 من قبل القوات الأميركية بالقرب من الحدود الباكستانية الأفغانية عند نقطة تفتيش «صلالة».

من جانبها الخارجية الأميركية، وتحسّباً لردّة فعل مُحتملة من إسلام أباد على خلفية خطاب الرئيس ترامب الذي وجه اتهامات قاسية لباكستان، واستفزّها من خلال إضافة عنصر جديد – قديم للعبة في أفغانستان، من خلال دعوة الهند «رسمياً» للمشاركة في ما وصفه إعادة الاستقرار لأفغانستان والمنطقة، لم تُصدر أيّ بيان عن أيّ تدابير قسرية ضدّ باكستان.

بل على العكس من ذلك، وخلافاً لخطاب ترامب، أصرّ تيلرسون على انّ الإستراتيجية الجديدة للإدارة الأميركية، والتي وصفها بالمتكاملة، تجاه جنوب آسيا ستتطلب مشاركة دبلوماسية من باكستان وأفغانستان والهند لخلق الظروف المناسبة لتحقيق الاستقرار فى المنطقة.

وقال أيضاً: «انّ باكستان عانت كثيراً من الإرهاب، ويمكن ان تكون شريكاً هاماً فى أهدافنا المشتركة للسلام والاستقرار فى المنطقة، ونحن نتطلع إلى باكستان لاتخاذ إجراءات حاسمة ضدّ الجماعات المسلحة التي تتخذ من باكستان مقراً لها والتي تشكل تهديداً للمنطقة.

بدوره أكد وزير الخارجية الباكستاني خواجه آصف مجدّداً وجهة نظر باكستان، ورغبتها فى السلام والاستقرار فى افغانستان. كما ذكّر بالتضحيات الهائلة التي قدّمتها باكستان فى الحرب المستمرّة ضدّ الإرهاب، وأكد على رغبة باكستان المستمرة والجدية فى العمل مع المجتمع الدولى للقضاء على خطر الإرهاب.

بتقديري أنّ هناك مجالاً لمستقبل أكثر استقراراً مع توازن أفضل للقوة. وباكستان لا تريد بالتأكيد ان تنهار افغانستان، ولا تريد حكومة أفغانية مرتبطة بنيودلهى. ما ترغب فيه إسلام أباد هو أفغانستان مستقرة نسبياً، وحكومة لديها علاقات مقبولة مع إسلام أباد على الأقلّ، وتواجد بعض العناصر القبلية وشبه القبلية القريبة من الحدود الغربية لباكستان.

لكن إذا استمرت الإدارة الأميركية على نهجها الحالي حيال باكستان، وجيشها الذي يخوض حرباً شرسة ضدّ الإرهاب على حدوده الغربية، منذ 3 سنوات، ومضت قُدماً في سياسة تشريع أبواب أفغانستان أمام الهند، التي تعارض دوراً كهذا لنيودلهي، لاعتقادها أنّ الهند ستستخدم الأراضي الأفغانية لتطويق باكستان من حدودها الغربية والقيام بعمليات تهدّد الأمن الباكستاني والمنطقة، فليس بعيداً كما ألمح بعض المسؤلين الباكستانيين أن تدفع السياسة الأميركية – الأفغانية الجديدة باكستان نحو الصين وروسيا.

فقد تضطر إسلام أباد الى إقامة علاقات «أكثر عمقاً» مع الصين وروسيا لتعويض ما قد تخسره نتيجة استراتيجية إدارة الرئيس ترامب الجديدة.

غير أنّ ما يبدو لي للآن، أنّ الولايات المتحدة الأميركية تعمد إلى إبقاء باكستان «تحت الضغط وعلى أصابع رجليها».

كاتب وباحث باكستاني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى