البرزاني ومشروع دولة «كردائيل»…!
محمد ح. الحاج
يبدو أنّ مسعود البرزاني مصمّم على إنجاز مشروعه لإقامة دولة عرقية رغم معارضة الشعب العراقي وغالبية العرقية الكردية إضافة لمعارضة دول المنطقة والعالم، وحده النظام العنصري الصهيوني في المنطقة يقف مشجعاً للبرزاني الابن معلناً أنّ قيادة هذا الكيان ويهود العالم واللوبي الصهيوني يدعمون قيام دولة كردية وأنها ستكون دولة «علمانية… ديمقراطية». وقد جاء ذلك في خطاب الصهاينة عند استقبالهم لمسعود البرزاني في تل أبيب، كما ركز الخطاب على الطلب من الأكراد المضيّ في إجراء الاستفتاء والانتخابات وعدم الالتفات إلى الأطراف العربية، والترك القتلة والفرس الأنجاس .
خلال استقبالهم مسعود البرزاني رغم الخطأ في البداية والترحيب به على أنه مصطفى البرزاني..! تمّ الإعلان أنّ اليهود والأكراد تربطهم أواصر أخوّة لا تنفصم، ومصالح مشتركة! وإذا كان القول الأخير فيه الكثير من الصحة والنظرة الواقعية إذ أنّ للكيان الصهيوني مصالح واسعة في الشمال العراقي، فإنّ الادّعاء بالأخوة أمر يدعو إلى السخرية والعجب، فمن أين أتت هذه العلاقة الأخوية؟ هل يعتبر اليهود أنّ الرابطة تعود إلى زمن سومر وابراهيم الخليل؟ قد يؤيد هذا الادّعاء القول بأنّ الكرد من السلالة السومرية ولا علاقة لهم بالآرية، لكن في المقابل يؤكد أيضاً أنّ ابراهيم أبو الاسماعيلية العربية التي تمتدّ عبر التاريخ وصولاً إلى قريش ليبني عليها عربان الخليج قرابتهم ورابطتهم مع الكيان الصهيوني وليس فقط مع بقايا اليهود الذين يمتّون لهم بالقرابة، وقد اندثر هؤلاء وورثهم أبناء الخزر الذين اعتنقوا اليهودية التلمودية والتي طوّرتها بريطانيا لتصبح نظرية استعمارية استيطانية.
مشروع الدولة الكردية ليس وليد الساعة أو لسنوات قليلة مضت بل هو قديم، وفكرته موضوعة يوم وضعت الصهيونية فكرة الدولة اليهودية قيد التنفيذ، والخريطة التي يحتفظ بها الصهاينة في أدراج البنتاغون والتي تمّ نشرها بعد احتلال العراق تبيّن حجم ومساحة الدولة الكردية وهي مطابقة للمعتقد القائل بأنّ «إسرائيل الكبرى يحدّها شرقاً مجرى الفرات وكلّ ما بعده هي حدود الدولة الكردية المجاورة، وهذه تمتدّ حتى الهضبة الإيرانية الشمالية الغربية، وبما أنّ تركيا عضو في حلف الأطلسي الناتو جعل واضعي الخطة يحجمون عن إدراج المقاطعات السورية المحتلة من قبل تركيا وهي ذات أغلبية كردية ضمن تلك الخريطة بل أبقوها تحت السلطة التركية، ربما، لمرحلة لاحقة بعد تثبيت الدولة على أراضي ما يسمّونها كردستان الشرقية والغربية، ولا ذكر لكردستان الشمالية! وقد جنّد الصهاينة منذ الخمسينات عائلات ومجموعات كردية بعد إقناع هؤلاء بالفكرة وكان في مقدّمهم البرزاني الأب الذي وصل إلى رتبة جنرال في الجيش الصهيوني وكانت ثورته على الدولة العراقية منذ مطالع الستينات والتي استمرّت تخبو أحياناً وتنشط أحياناً أخرى وقد دفعت حركته بالرئيس العراقي صدام حسين إلى استخدام أقصى درجات العنف والقوة في ضرب هذه الحركة مستخدماً ضدّها السلاح الكيميائي.
مسعود البرزاني هو الوريث الشرعي لوالده الماسوني – الصهيوني، وارتباط مسعود بالمشروع يشكل ضمانة استمراره في الحكم والسيطرة على الشمال العراقي رغم معارضة الغالبية الكردية له، ومع أنّ تركيا تتخوّف وتدرك خطورة المشروع على وجودها إلا أنّ ضغوط الصهيونية العالمية وموقف حلف الناتو الداعم للكيان الصهيوني يفرضان على الإدارة التركية التزام الصمت ومسايرة المشروع أغلب الأحيان بوجود تطمينات الغرب بأنّ المشروع لن يصل إلى الأجزاء الكردية الواقعة تحت السيطرة التركية، ويفرض العلاقة مع البرزاني فتبدو ودية ومعها مصالح مشتركة، وقد تتذبذب تبعاً لواقع العلاقة بين الصهاينة والأتراك وربما يستمرّ البرزاني بلعب دور الوسيط أو شعرة الربط بين الطرفين!
ما يؤرق النظام التركي ليس قيام دولة كردية في الشمال العراقي، بل امتداد هذه الدولة الى الغرب في الشمال السوري وفتح الطريق إلى البحر بمساعدة الغرب والصهيونية العالمية، وقد لمسنا تعبيراً عن ذلك محاولة الربط الأخيرة بين جزر متباعدة ذات أغلبية كردية كما في عين العرب الباب وصولاً إلى عفرين تحت ظلال دخان وغبار العدوان الغربي على الدولة السورية منذ 2011 حتى اليوم وعلى مدى سنوات، إلا أنّ مجريات المعارك وثبات القيادة السورية وصمود الجيش ودعم فصائل المقاومة والحليف الإيراني والأصدقاء الروس دفع بالفكرة إلى الاهتزاز بعنف وتساقط أركانها، وما استمرار أدواتها في المنطقة الشمالية الشرقية إلا بسبب الوجود الأميركي المؤقت لتستكمل سقوطها النهائي وتلاشي الفكرة كما تلاشت تجربة أول جمهورية كردية في الشمال الغربي الإيراني جمهورية مهاباد .
لا شك أنّ هناك في أوساط كرد سورية من تدغدغ أحلامه فكرة البرزاني، ورغم كونهم أقلية إلا أنّ التشجيع والحماية الأميركية والتمويل والتسليح لعبت دوراً هاماً في تنميتهم ودفعهم إلى الظهور بالشكل الحالي رغم كونهم فصيلين من أصل ثلاثة وثلاثين فصيلاً، وقد انضمّ لهم تحت شعار محاربة داعش أعداد كبيرة من أبناء العشائر العربية، ومن السريان والكلدو آشور السوريين باعتبار أنّ الأولوية لقتال داعش، وهذه تشكل مرحلة مؤقتة تنتهي بسقوط داعش ومعه سوف يغادر الراعي الأميركي وتعود المياه إلى مجاريها فالأكراد ذاتهم لن يكونوا متفقين، وهم بالأصل ليسوا من المؤيدين لمشروع البرزاني وفكرته في قبول قيام «إسرائيل الكبرى» وزوال فكرة سورية الكبرى التي تسمو بشعبها وترتقي إلى مصاف الدول الكبرى قوة في المجالين الاقتصادي والعسكري وهو سبب كاف لزوال الكيان العدو، والذين يعلمون ذلك يدركون أسباب الحرب على الجمهورية السورية وقبلها العراق، ويدركون أيضاً أنّ ما أطلق عليه «الربيع العربي» هو ربيع عبري استظله الكيان الصهيوني على كافة الأصعدة توسعاً وتهويداً، وتشهيراً وشيطنة لكلّ نظام يعتبره خطراً مستقبلياً على الكيان.
رجل أميركا في الشمال السوري حالياً صالح مسلم – ومعه بعض الشخصيات المغمورة، هؤلاء استقبلوا الصهيوني الفرنسي برنارد هنري ليفي ومعه أيضاً عدد من الضباط الصهاينة من حملة الجنسية الأميركية، وهؤلاء كانوا وما زالوا يضعون الخطط ويقودون العمليات، ويبقى صالح مسلم وآخرون مجرد واجهة سياسية لا مكان لها في المستقبل القريب، فالكرد ليسوا فقط في الجزيرة السورية، هم في حلب، وحماة، ودمشق، وهم متجذرون في سوريتهم وانتمائهم للأرض، وقد كانوا وما زالوا مسؤولين وضباط وقادة وتجار ووجهاء ولن يقبلوا أن يتجمّعوا في كانتونات ليقودهم عملاء أميركا أو أدوات الصهيونية العالمية خدمة للكيان العدو، وتبقى الخطابات والكلمات المنمّقة في استقبال رموز العمالة سواء في تل أبيب أو باريس أو واشنطن عاجزة عن التلاعب بهم وجرّهم إلى أوحالها.
لا حاجة لتأكيد المؤكد، وأنّ قيام دولة كردية على امتداد الأراضي حيث يتواجد الكرد، ضمن أربع دول في المنطقة من المستحيلات ولو أدّى لحرب كونية، ولن يكون لأميركا القدرة على فرض ذلك ولو بناء على طلب وإصرار الصهاينة، فالواقع يفرض نفسه على المستقبل، لن تكون تجزئة، ولن تقوم كيانات جديدة تغطي عورة الكيان الصهيوني، بل هو توجه قريب لقيام حلف إنْ لم تكن دولة واحدة بين الشام والعراق، حلف مقاومة يمتدّ من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، ويبقى الشعار لا لاستمرارية الكيان المغتصب لأرض فلسطين وحقوق شعبنا جنوب لبنان وغرب الشام وغور الأردن، وستسقط اتفاقات الإذعان مع كلّ من مصر والأردن، وها هي مراكز البحوث والدراسات، وكبار رجال الاستخبارات المركزية الأميركية يعلنون سراً أمام قياداتهم أنّ العام 2022 سيكون البداية، وأنّ الكيان الصهيوني لن يكون موجوداً العام 2025.
سيعود المستوطنون من حيث أتوا إلى أوروبا وأميركا وأكثر من مليون ونصف المليون إلى روسيا، فقط سيبقى يهود يمنيون ومغاربة وقليل من العراق والشام ولبنان، وهؤلاء إما أن يهاجروا أو يعودوا مواطنين في بلدانهم وتعود فلسطين كما قبل ثورة 1936 ولكن دون وجود الانتداب البريطاني ودون مهاجرين ومستوطنين لا من الخزر ولا من الفالاشا.