لماذا سيكون عيداً للتحرير الثاني؟
حسن شقير
بغضّ النظر، عما سيكون عليه حديث البعض، وذلك في اليوم التالي لخطاب السيد نصرالله، في لبنان وخارجه، فإنّ إشارته اللافتة إلى وجوب اعتبار النصر العتيد على الإرهاب – والذي ربض على الأكتاف وحتى بعض الأعماق اللبنانية، ولسنواتٍ طوال – عيداً للتحرير الثاني، فإنّ ذلك يستحق الغوص في مدلولاته الاستراتيجية، لكون التحرير الأول، كان عرساً وطنياً بامتياز، لأنّ مفاعيله وتداعياته، وحتى بركاته، كانت قد عمّت على مختلف ربوع الوطن الصغير، وعلى المستويات والأصعدة كافة.
السؤال البديهي، هل ستكون مفاعيل النصر الحاسم على الإرهاب، مشابهة لتلك التي تحققت بعد التحرير الأول؟ وهل يمكن أن تكون بنتائجها عامةً وشاملةً في مختلف أرجاء الوطن كما كانت سابقاتها؟ وهل فعلاً، هي تستحق أن تكون عيداً وطنياً جامعا؟
إذا نحينا بديهيات الأمور، والتي يوجد عليها اتفاق وطني جامع، وبغضّ النظر عن الاختلاف في مسبّباتها، والتي أصبحت ماضياً، فإنّ الإرهاب المتفق على تصنيفه أممياً ، والمتمثل بداعش وجبهة النصرة، لهو عدوّ للبنان بمذاهبه كافة وتلاوينه السياسية، وحتى الدينية أيضاً. وإذا ما اتفقنا بأنّ الأراضي والأرزاق التي صادرها هذا الإرهاب وكذا الأرواح التي أزهقها، لم تكن حكراً على هذه الفئة أو تلك… وإذا ما أقرينا بأنّ أمن واقتصاد وسياحة لبنان، كانت مهدّدة منه، وهي تخصّ الجميع طبعاً… فإننا نستطيع أن نحكم – ومن خلال هذه المنطلقات المتفق عليها وطنياً – بأنّ يوم الخلاص من الإرهاب، لهو عيدٌ تحريري جامع، وبامتياز.
ولكن، وإذا تعمّقنا أكثر في ما ينتظره لبنان، وإذا أردنا دراسة الأبعاد الاستراتيجية لهذا اليوم الموعود، فإننا نستطيع اختصار تداعياته الاستراتيجية على وطنٍ صغير، يحق له أن يعتبر هذا اليوم، يوماً للخلاص والتحرّر من مشاريع كادت أن تطيح بتحريره الأول، لا بل بأصل وجوده على الخريطة الدولية… فما هي هذه الأبعاد؟
أ – خلاص لبنان من الحزام الإرهابي الجاثم على أرضه وحدوده، والذي كان مشروعه، استنزاف الدولة والجيش والشعب والأرض، وفي أصقاع الوطن كلّه.
ب – كسر فك الكماشة الثاني المرسوم للبنان، والمتمثل بالحنش الإرهابي الداعشي، والذي كان يأمل الوصول الى الضفة الشمالية للبنان، حيث بُتر جذعه في وسط سورية، وتمّ تقزيم رأسه سابقاً في الجرود، وقبل ذلك كان بإشعال النار في أطرافه في كلّ من العراق وسورية… وبالتالي فقد سقط حلم محاصرة ثلاثية لبنان الذهبية مع الفكّ الأول لتلك الكماشة، والمتمثل بالكيان الصهيوني في ضفة لبنان الجنوبية.
ج – اندثار أوهام وأحلام بعض الرؤوس السياسية والمذهبية المقيتة في لبنان، عبر تعويلها على ذاك الخطر الإرهابي الداهم، وبالتالي فلقد خابت آمالهم، وتحرّرت الإرادة السياسية لبعض أطياف الشعب اللبناني، والتي كانت «تقف على التلّ»، لتعود أدراجها إلى حاضنتها اللبنانية الأرحب.
د- فشل لمشروع الكيان الصهيوني بإمكانية الاستثمار على استنزاف الدواعش للمقاومة – إنْ على الحدود أو في الداخل – والذي كان سيجعل من أولوياتها، المعركة مع الوكيل، بدلاً من الأصيل. وعليه فإنّ المقاومة، وعند اكتمال نصرها على الإرهاب، ستعود الأولوية الاستراتيجية الأساسية لها، إلى مربعها الأول، والمتمثلة باستراتيجيتي الدفاع والتحرير ضدّ الأصيل، أيّ الكيان الصهيوني.
هـ – بعد فشل تحويل سورية إلى دولة فاشلة، يضربها الإرهاب طولاً وعرضاً، وبعد وأد مشروع هيلاري كلينتون حديثها على هامش مؤتمر أفغانستان الجديدة لعام 2012 ، في جعلها كذلك، ومن ثم تحويلها دولة تهدّد السلم والأمن الدوليين، والتي تتطلّب نشر قوات دولية فيها، وذلك وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.. وبعد هذا وذاك، ها هو لبنان يشرب من كأس النصر السوري نفسه، وذلك بخلاصه من هذا الإرهاب الذي أرادت به أميركا والكيان الصهيوني عاملاً حيوياً مديداً في تحقيق مصالحهما الكبرى في المنطقة والعالم.
و- وبخلاص لبنان من كابوسه الإرهابي، ومن على حدوده الشرقية والشمالية، والذي كان يدغدغ حلم بعض أهل السياسة في الداخل، وأميركا من خلفهم، بأن كانوا يتمنّون لو يشتدّ العود الإرهابي هناك، مما سيحتم – بحسب أمانيهم – على لبنان في حينه، بضرورة الاستنجاد بتحالف أميركا ضدّ الإرهاب، وكما جرى في باقي الدول العربية، الأمر الذي كان سيؤدّي إلى تحقيق الحلم الصهيوني للعام 2006، ومطالبته بنشر قوات دولية على الحدود مع سورية، وما يستبطن ذلك من أهداف مبيّتة لقطع «طريق حرير» المقاومة، وإدخالها في الدوامة التي تبعدها عن بوصلتها الأساسية، وبعد كلّ هذا وذاك، فإنّ أياماً قليلة تفصل لبنان عن وأد مشروع بتر هلال المقاومة، ومن بوابته اللبنانية على وجه التحديد.
بكلماتٍ معدودة، نعم يستحق هذا اليوم، بأن يكون، ليس عيداً للتحرير الثاني فحسب، إنما عيدٌ للنصر المبين على أضخم وأخطر مشروعٍ صهيوأميركي، وفي المنطقة برمّتها.
باحث وكاتب سياسي