خطوات أميركيّة سعوديّة لإجهاض الانتصار على الإرهاب
محمد حمية
«جبهة النصرة» وسرايا «أهل الشام» وتنظيم «داعش»، خارج لبنان، الجرود الحدوديّة اللبنانيّة السوريّة محرّرة من الوجود الإرهابي، اللبنانيّون يحتفلون غداً بالتحرير الثاني! مشهد كان من الصعب تصوّر حصوله في غضون أسابيع قليلة في السنوات الأربعة الماضية، حيث كانت الحرب على سورية في ذروتها ومدن سوريّة وعراقيّة تسقط بأكملها في قبضة «داعش»، والإرهاب يتوسّع عسكريّاً في جرود عرسال امتداداً إلى عكّار وعلى الحدود مع سورية وينثر انتحاريّيه وسياراته المفخّخة في القرى البقاعيّة وأحياء الضاحية الجنوبية، وكان إعلان إمارة «الجبهة» في القلمون ودولة «التنظيم» على البحر المتوسّط قاب قوسين أو أدنى، ولم يخف ذلك «أمراء» التنظيمين وأكّدت عليه اعترافات الشبكات الإرهابيّة التي وقعت في قبضة الأجهزة الأمنيّة، وكان المناخ السياسي آنذاك مؤاتٍ في ظلّ تأييد بعض الأحزاب الداخلية وقرار حكوميّ متخاذل وتابع للخارج، وانقسام حادّ ينذر بحروب على الساحتين الإقليميّة والدوليّة.
عوامل كثيرة محلّية وخارجية أدّت إلى تغيير المعادلة ورسم مشهد جديد، لا مجال للدخول فيها الآن، لكنّ السؤال الذي يُطرح: ماذا بعد دحر التنظيمات الإرهابيّة من الجرود، التي كانت محطّ رهانات قوى إقليميّة ودوليّة ومحلّية؟ هل سيقف المحور المقابل لحلف المقاومة مكتوف اليدَيْن أمام هذه الانتصارات المتتالية بعد أن عجز عن منع تحقيقها؟
فور خروج الجيش «الإسرائيلي» مهزوماً من جنوب لبنان عام 2000، بدأت «إسرائيل» تعدّ العدّة لحرب من نوع آخر على المقاومة على المستوى الاستخباري والإعلامي والسياسي وفي المحافل الدوليّة، فكان القرار 1559 لنزع سلاح المقاومة ثمّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثمّ ولادة حركة 14 آذار لمناهضة النظام في سورية وحزب الله، وبعدها عدوان تموز 2006 لفرض مشروع «الشرق الأوسط الجديد» وصولاً إلى أحداث السابع من أيار 2008 لايقاع الفتنة المذهبيّة بهدف حصار المقاومة تمهيداً لنزع سلاحها، وعندما فشلت كلّ هذه المشاريع كانت الحرب على سورية.
لم توفّر «واشنطن» و«تلّ أبيب» وبعض الدول العربية والخليجية وسيلة لتشويه صورة المقاومة والتخفيف من قيمة وأهميّة انتصاراتها وتأثيرها على شعوب المنطقة، لا سيّما بعد تحرير العام 2000 وانتصار تموز 2006 نذكر منها ما كشفه السفير الأميركي السابق في لبنان جيفيري فيلتمان من أنّ حكومة بلاده أنفقت في لبنان نصف مليار دولار 500 مليون دولار لتشويه صورة المقاومة، وكشفت وثائق ويكيليكس أيضاً عن رشاوى أميركيّة تقاضتها شخصيّات سياسية من 14 آذار للتهجّم على المقاومة وتشويه انتصاراتها.
فما الذي يعدّه هذا المحور الآن من خطوات لإجهاض الانتصار على الإرهاب في الجرود؟
إعادة تحشيد قوى 14 آذار في مواجهة حزب الله ومجابهة ما تدّعيه السعودية و«إسرائيل» تنامي الوجود الإيراني في لبنان، لأنّهما تعتبران بأنّ كلّ انتصار يحقّقه الحزب هو انتصار إيراني ويزيد من تمدّد المشروع الإيراني في المنطقة، كما تريد الولايات المتحدة إبقاء ورقة الفريق المناهض للمقاومة في لبنان قويّة لاستخدامها في المفاوضات السوريّة.
وقبل أن تضع المعركة مع «داعش» أوزارها، حطّ وزير الدولة لشؤون الخليج في الخارجية السعودية ثامر السبهان في بيروت، وبدأ جولة على قيادات 14 آذار حيث اجتمع برئيس «القوّات» سميع جعجع على مدى ساعة ونصف، كما التقى بالرئيس سعد الحريري أكثر من مرة وقيادات مستقبليّة عدّة، لتزخيم حضور المملكة في لبنان والعمل على شدّ وثاق العلاقة بين الفريق الآذاري، لا سيّما التحالف المتصدّع بين «تيّار المستقبل» و«القوّات اللبنانية»، إذ تكشف مصادر سياسيّة لـ«البناء» عن طلب السبهان من القيادات التي التقاها ضرورة تجاوز الخلافات السياسيّة والانتخابية، وتوحيد الجهود للتصويب على حزب الله والحدّ من آثار الانتصار. كما تتحدّث المصادر عن محاولات أميركيّة سعوديّة لاستعادة رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط إلى موقعه في الحلف الآذاري، لكنّها لم تفلح حتى الآن، لأنّ جنبلاط يعتبر أنّ الحفاظ على تموضعه في هذه المرحلة هو الخيار الأفضل.
وقد استغلّ هذا الفريق الخيار الوحيد المتوفّر أمام المقاومة والجيش السوريّ لإخراج المسلّحين وكشف مصير العسكرييّن، لسَوق اتهامات باطلة ضدّ المقاومة تعوّد اللبنانيّون على سماعها بهدف التغطية والتعمية على أهمية الانتصار، فرغم توضيح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله طبيعة المعركة وظروف التفاوض مع «داعش»، غير أنّ جعجع الذي وصف الإرهابيّين سابقاً بـ«الثوّار»، استمرّ في التشكيك بهذا الانتصار، فوصف أمس ما حصل بالصفقة بين حزب الله و«داعش»، متناسياً إنجاز المقاومة في كشف مصير العسكريّين وإنهاء هذا الملف الذي لفّه الغموض منذ ثلاث سنوات، وكاد يُحدث فتنة في الشارع أكثر من مرّة. بينما أطلقت كتلة المستقبل اتهامات للحزب في محاولة لإيقاع الشرخ بين المقاومة والجيش، في حين أنّ «المستقبل» أوّل من يُسأل عن انتشار رقعة الإرهاب في لبنان وعن التغطية السياسيّة على «غزوة» عرسال وخطف العسكريين ومنع أيّ قرار سياسيّ للجيش اللبناني بالتدخّل لتحرير عرسال والمخطوفين وطرد الإرهابيّين.
إعادة قضية المحكمة الدوليّة في قضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى الواجهة للضغط على حزب الله، وإحياء حالة التشنّج المذهبي الذي كان سائداً في مرحلة ما بعد الاغتيال، للتقليل من قيمة النصر الوطني ووضعه في إطار مذهبي، وكان لافتاً إسهاب وسائل إعلام «المستقبل» والخليج في استحضار قضيّة المحكمة في هذا التوقيت بالذات!
ضغوط أميركيّة على التيّار الوطني الحرّ للجم اندفاعته باتجاه حزب الله والنظام في سورية.
هذه المحاولات تزامنت مع جهود أميركيّة «إسرائيلية» في المحافل الدوليّة لفرض مزيد من الحصار والعقوبات على حزب الله، وتعديل القرار 1701 بطلب «إسرائيلي» لنشر القوّات الدوليّة في الجنوب على الحدود مع سورية، للحؤول دون تسلّم الحزب لهذه الحدود.