بري من خيمة الإمام: الوحدة والمقاومة والمحرومون والدولة والجيش وسورية وفلسطين باسيل: سنشارك في احتفال النصر مع حزب الله… وليصمت مَن تخاذل ومَن تعامل ومَن تطاول
كتب المحرّر السياسي
لم تبرد السجالات التي انطلقت تحت عنوان نتائج معركة الجرود، فيما كان الجيش اللبناني يتقدّم للانتشار في المناطق الحدودية التي خرج منها مسلحو داعش وصولاً للقمم والتلال الواقعة على خط الحدود مع سورية، وفيما هدأت الاتهامات التي طاولت الحكومة السابقة ورئيسها تمام سلام مع تصريحات لبعض الوزراء كشفت تقريراً قدّمه القائد السابق للجيش العماد قهوجي عن استحالة خوض معركة عسكرية لتحرير العسكريين من دون سقوط قرابة الألف قتيل من المدنيين اللبنانيين والسوريين ومئات الشهداء من الجيش، توجّهت الدعوات للتحقيق للبدء من الاستماع إلى قهوجي، خصوصاً مع كلام قائد فوج المغاوير السابق العميد شامل روكز عن تضييع فرصة كانت متاحة لتحرير العسكريين من خاطفيهم بسبب قرار خاطئ لوقف النار.
الحملة على حزب الله واتهامه بتضييع نصر كامل على الجيش اللبناني وجدت تتمّتها بحملة عابرة للحدود، تحت شعار تعريض أمن العراق للخطر، ومعلوم أنّ عدد المنسحبين ثلاثمئة مسلح بينما عدد مسلّحي داعش في المناطق الحدودية مع العراق يزيد عن عشرة آلاف يتمركزون بين دير الزور والميادين، كما يقول الأميركيون، الذين كشفت وسائل إعلامهم حملة عنوانها البوكمال هو القضية، لأنّ الأميركيين سبق ووضعوه ضمن الخط الأحمر الذي يمنع أن يبلغه الجيش السوري والمقاومة، ويراهن الأميركيون على تمكين جماعات تابعة لهم من دخول البوكمال، بينما انسحاب المسلحين إليها سيجعل المعركة لدخولها فوق قدرة الجماعات التي يديرها الأميركيون، وبات تحريرها من داعش وقفاً على خوض الجيش السوري والمقاومة معركة التحرير.
اليوم سيكون المنبر لخطاب الحرب على الإرهاب ودعم خيار المقاومة والتنسيق مع سورية والحرص على الوحدة بين اللبنانيين ومشروع الدولة وحماية الجيش والتمسك بحقوق المحرومين، والوقوف بوجه العدو الوحيد وهو «إسرائيل» والبوصلة فلسطين، منبر الإمام المغيّب السيد موسى الصدر الذي يعتليه ككلّ عام في يوم الذكرى رئيس مجلس النواب نبيه بري مستعرضاً التطورات، ومذكراً بالثوابت، ومنهياً بمهام أقرب لبرنامج عمل وطني وعربي يدعو للتوحّد في ظلاله، والابتعاد عن الفرقة تحت عناوين الولاءات الصغيرة فيضيع الولاء الأصلي للوطن وحمايته وكرامته وعزته.
في التصدّي للحملات التي استهدفت حزب الله، كان الكلام الأبرز لرئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، الذي قال للمتطاولين على حزب الله، إن هناك خياراً سياسياً هو مَن جاء بالإرهاب الى لبنان وإنّ خياراً آخر دحر هذا الإرهاب. ونحن كنا من الخيار الثاني. وهناك خيار سياسي أتى بالنازحين الى لبنان وهناك خيارنا بإعادة النازحين آمنين الى وطنهم، خيارنا يثبّت صحة تمسّكنا بالرئيس القوي ونتيجة التخاذل وحتى التعامل، احتلّ الإرهابيون الجرود. وإذ أشار باسيل الى انّ «علينا الدفاع عن مصالحنا الوطنية بإعادة النازحين الى وطنهم»، دعا «الذين غطوا وجود الإرهابيين في لبنان أكان غفلة أو عن وعي أن يكفروا عن خطاياهم اليوم بالمساعدة في حلّ مشكلة النزوح، بدلاً من أن يحاولوا رمي التهمة على المناضلين الذين كانوا يطالبون بضرورة إعطاء الغطاء السياسي للجيش لتحرير الأرض»، وأكد أنّ «اليوم هناك مشروع سقط، وهو مشروع الإرهاب، و»ع قبال» أن يسقط مشروع النزوح وبعده التوطين، وهي مرحلة سقطت فلا يحاولنّ أحد فتحها لأنّ مسارنا واضح وقتالنا في الدفع باتجاه تحرير الجرود كان معروفاً». وأوضح باسيل «انّ اليوم يثبت ما كان يقوم به التيار في معركته على قيادة الجيش، والذي حوّله البعض الى معركة شخصية، والآن عرفتم يا لبنانيين لماذا كنا نحرص على قيادة الجيش، وذلك ليقدر الجيش على أخذ القرار وألا يتركه لغيره لأخذه»، مذكّراً اللبنانيين «بأنّ العسكريين لم يستشهدوا اليوم، بل بعد تقاعس قيادتهم عند خطفهم وتركهم لدى خاطفيهم»، مشدّداً على «ان لولا الغطاء من كلّ اللبنانيين للجيش لما كنا وصلنا الى النصر. فكلنا يجب أن نحزن على شهدائنا وكلنا يجب أن نحتفل بالنصر»، داعياً «مناصري التيار الوطني الحر إلى المشاركة باحتفال النصر في البقاع الذي ينظمه حزب الله غداً، لأننا شركاء في النصر وحزب الله مدعوّ للمشاركة في الاحتفال الذي ستقوم به الدولة في بيروت، هذا النصر يجب أن يجمعنا ولإقفال الصفحة يجب أن نقول إنه لا مكان في لبنان للإرهاب والتوطين والنازحين».
مَن المسؤول عن قتل العسكريين؟
بعد أن طوى لبنان صفحة الإرهاب وباتت جروده محرّرة وحدوده مع سورية آمنة، بفضل جهود وتضحيات المقاومة والجيش اللبناني بالتعاون مع الجيش السوري، وعشية احتفال اللبنانيين بالتحرير الثاني الذي دعا إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء غدٍ الخميس في مدينة بعلبك، عاد ملف العسكريين المخطوفين الى الواجهة من بوابة تحديد الجهات السياسية والعسكرية المسؤولة عن تجميد العملية العسكرية التي كان ينفذها الجيش اللبناني على تنظيمي «داعش» و»النصرة» لتحرير عرسال واسترداد عسكرييه ما سمح للإرهابيين بتهريب الأسرى الى الجرود وقتلهم ذبحاً في ما بعد.
وقد فجّر مشهد العثور على رفاتات العسكريين الثمانية في أحد المقابر في معبر الزمراني وحالة الحزن والانهيار لدى أهاليهم، غضباً شعبياً عارماً وفتح باب السجالات والاتهامات السياسية المتبادلة حول المسؤولية عن تلك المرحلة.
فمَن أمر بتجميد العملية العسكرية لاسترجاع العسكريين؟ ولحساب مَن؟ ومَن يقنع أهالي العسكريين الشهداء واللبنانيين بأن قرار السلطة السياسية آنذاك، وعلى رأسها الرئيس تمام سلام لم يؤد إلى قتل العسكريين بهذه الطريقة الوحشية؟ ومَن يقنعهم أيضاً بأن قرار هذه السلطة كان بريئاً، وأنه لم يحمل خضوعاً لإرادة خارجية ونابع من حسابات المصالح السياسية ويصل حد التواطؤ؟ وإذا كان الجيش حينها قادراً على استعادة الأسرى بعملية عسكرية، بحسب ما يقول قياديوه الميدانيون، فما هي جدوى وساطة هيئة العلماء المسلمين؟ وهل استطاعت هذه الهيئة تحريرهم؟
تساؤلات كثيرة توجّه الى حكومة الرئيس سلام لن تجد أجوبة إلا من خلال لجنة قضائية عسكرية برلمانية مستقلة لكشف ملابسات وخفايا تلك المرحلة السوداء في تاريخ لبنان.
وقد ضاقت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الغضب وتوجيه أصابع الاتهام إلى رئيس الحكومة حينها تمام سلام، بينما توجّهت مجموعة شبابية غاضبة إلى منزل وزير الدفاع السابق سمير مقبل أمس، وألقت «البطيخ والبيض» على منزله وأجبروه على النزول والتحدّث معهم وطالبوه بكشف حقيقة ما جرى وتشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصّرين والمتواطئين.
واعتبر وزير الدفاع يعقوب الصراف أن «واجب الدولة التحقيق بملابسات قضية خطف واستشهاد العسكريين، وحكماً يحق للقضاء العسكري التحقيق في كامل ملابسات الملف، وبالتالي أن يقاضي من يجب أن يقاضيَه».
وقال الصراف في حديث للـ «او تي في»: «بدلاً من أن نتطهّر من دم الشهداء نسمّي ما حصل بالمسرحية؟».
ولفت الى أن «الدولة ليست عصابة، وبالتالي هي لا تثأر». وتابع: «حق الأهالي مقاضاة الدولة».
وأضاف: «لم يحصل أي تفاوض مع الدولة اللبنانية ولا الجيش اللبناني، وكان هناك وساطة من حزب الله، لأن الحكومة فشلت بإعطاء تفويض رسمي للتفاوض مع السوريين حول الحدود والمعركة وحق المرور وعودة النازحين وغيرها».
الحريري وميقاتي يدافعان عن سلام
وقد كشفت المعلومات أن الرئيس تمّام سلام أجرى اتصالاً غداة أسر العسكرين بقائد الجيش العماد جان قهوجي وطلب منه وقف العملية العسكرية إفساحاً بالمجال أمام وساطة هيئة العلماء المسلمين، لكن هل اتخذ سلام هذا القرار من دون معرفة الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل ومَن خلفه إقليمياً؟
الجواب بالتأكيد لا يتحمّل سلام وحده عواقب هذا القرار، بل يتشارك وتيار المستقبل المسؤولية، وفي موقف استباقي خرج الرئيس الحريري عن صمته ودافع بشراسة عن سلام، وقال عبر «تويتر»: «تمام سلام أعلى من أن تصيبه سهام المتحاملين. كنّا إلى جانبه وسنبقى… ولحد هون وبس». ثم عاد وغرّد: «ما بتذكر أن المتحاملين على تمام بك سلام اليوم، انسحبوا من حكومته يومها احتجاجاً على ما يزعمونه الآن».
وقد تناوب وزراء حكومة سلام، الدفاع عن الأخير ومحاولة التنصل من مسوؤلية دم شهداء الجيش، مدّعين أن الجيش كان سيدفع الكثير من الشهداء لو أكمل المعركة، في حين أكد الضابط الميداني المسؤول حينها عن جبهة عرسال العميد شامل روكز، قائد فوج المغاوير، أن الجيش كان قادراً وبسهولة على تحرير العسكريين.
وقد انضمّ الرئيس نجيب ميقاتي الى حملة المدافعين عن سلام، وقال: «الحملة على دولة الرئيس سلام غير مبررة، لأنه استطاع بحكمة تمرير مرحلة كانت من أصعب المراحل في ظل الانقسامات والرهانات التي لم تنته بعد».
وقد لوحظ أن هناك مَن يحاول إعطاء القضية منحى مذهبياً؟ فلماذا لا تشكل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق مع كل المسؤولين السياسيين والعسكريين عن تلك الحقبة لتحديد المسؤوليات والمحاسبة وإنهاء الخلاف حول هذا الملف؟
مصادر سياسية وعسكرية قالت لـ «البناء» إن «الرئيس سلام ليس مخولاً حينها التفرّد باتخاذ القرار، والطلب من قيادة الجيش وقف العملية العسكرية، بل عليه أن يعود إلى مجلس الوزراء لاتخاذ مثل هذا القرار»، وأوضحت أن «قيادة الجيش يجب أن لا توقف العملية حتى وإن تعرّضت لضغوط سياسية، لأنها هي الجهة المخوّلة اتخاذ القرار في الميدان، لا سيما اذا تعلق الأمر بهيبة الجيش وكرامة جنوده ومعنوياتهم»، مشيرة الى أن «السلطة حينها أخضعت الجيش لتسوية على حسابه إن كان بخسارة جنوده أو بتراجعه عن نقاط استراتيجية في جرود عرسال ما سمح للإرهابيين بالانسحاب مع العسكريين»، وأوضحت أن الجيش كان باستطاعته استرداد جنوده أحياء من خلال عملية عسكرية تفاوضية، حيث يحاصر الإرهابيين ويخيّرهم بين الموت أو إخلاء سبيل الأسرى وفتح ممر آمن لهم إلى الجرود، لكن ما حصل كان خطأ عسكرياً وسياسياً فادحاً».
وسأل رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح: «هل عرفتم أيها اللبنانيون اليوم لماذا كنّا نطالب بالإتيان بقائد جيش جديد قادر على القيام بمهامه ولا يهمّه أي مآرب أخرى؟».
وردّ باسيل على الحريري ورئيس «القوات» سمير جعجع، وقال إن «البعض يحاول تحوير الأمور والقول إن داعش والنصرة صنيعة حزب الله. وهذه المؤامرة الشيطانية مختلقة ومن نسج الخيال». وقال: «دعونا نحتفل بالنصر قبل أن تفرضوا علينا النزاع حول مّن حققه وكيف، ودعونا نودّع شهداءنا بكرامة بدلاً من إغراقنا في المزايدات على دمائه»، وأضاف باسيل: «مَن سمح بالإرهاب سابقاً فليسكت اليوم وليكفر عن خطاياه بالمساعدة بحلّ موضوع النزوح».
وتساءلت مصادر في 8 آذار لـ «البناء»: «أين كان المستقبل والحريري عندما دافعوا عن الإرهابيين ووصفوهم بالثوار منذ بداية الأحداث السورية؟ وهل نسوا أم تناسوا دعمهم للتنظيمات الإرهابية لوجستياً وعسكرياً وسياسياً وإعلامياً؟».
انتظار الفحوص لتحديد جثة مدلج
وفي انتظار صدور نتائج الحمض النووي لتحديد هوية الجثث الثماني الموجودة في المستشفى العسكري، والتي أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في تصريح من مطار بيروت بأن «الرفات تعود للعسكريين والنتيجة العلمية التي ستقطع الشك باليقين ستصدر قبل نهاية الأسبوع»، واصل الجيش وعناصر من الأمن العام لليوم الثاني على التوالي عمليات البحث في الجرود منذ الفجر عن جثمان الشهيد عباس مدلج. في حين تضاربت المعلومات في شأن العثور على رفات جثته في المحلة التي أعلن عنها عناصر «داعش» على ان يتم إجراء فحوصات الحمض النووي للتأكد منها.
وقالت مصادر «البناء» إن «الجيش أنشأ غرفة عمليات في قيادة اللواء الثامن في منطقة اللبوة البقاعية لإجراء الفحوص الفورية للجثث التي يتم العثور عليها لتحديد هوية الشهيد مدلج، لكن نفت المصادر أن «تكون الجثتين الأخيرتين تعود أي منهما له بانتظار فحوص الحمض النووي للتأكد من ذلك».
ولفتت المصادر الى أن «كثرة الجثث التي يتم العثور عليها في البقعة التي حدّدها الإرهابييون تعوق عملية تحديد هوية مدلج، لكن الجيش يحاول العثور على علامات فارقة لتمييز الجثة، وكشفت المصادر أن «المسؤول في داعش أبو البراء لا يزال عند المقاومة. وهو يملك جميع المعلومات وخرائط ميدانية عن كل ما قامت به داعش منذ أربعة أعوام لا سيما مكان دفن الجثث وطريقة القتل والعمليات الإرهابية الذي كان ينوي التنظيم تنفيذها في لبنان».
وأوضحت أنه «حدّد المربع الذي دفنت فيه جثة مدلج، لكن تحلّل الجثث والعوامل الطبيعية والمناخية تعيق عمل فرق الكشف في الجيش، لكن المصادر توقعت أن يتم الكشف عن جثة مدلج في غضون أيام، ولن تتوقف عملية البحث قبل إيجادها».
وعلمت «البناء» أن «العسكريين قتلوا ذبحاً ثم بإطلاق الرصاص وتم دفنهم في مقبرة جماعية».
وأشارت قيادة الجيش في بيان إلى أنه «نتيجة متابعة البحث عن مصير عسكريين مفقودين، تمّ بتاريخ سابق العثور في جرود عرسال على رفات أحد الأشخاص. وبتاريخ اليوم، عثرت وحدة من الجيش في منطقة الرهوة جرود عرسال، على رفات آخر عائد لأحد الأشخاص. وتخضع عيّنات من الرفات لفحوص الـــDNA اللازمة بإشراف القضاء المختص».
كما لفتت المديرية العامة للأمن العام في بيان إلى أن أي خبر غير صادر رسمياً عن المديرية العامة هو عار عن الصحة، وأن المديرية العامة ستضع أية معلومات جديدة بشأن جثمان الشهيد عباس مدلج تحت تصرف قيادة الجيش اللبناني المعني الأول بالموضوع».