رؤية الأسد واستراتيجيته الجديدة نحو الشرق

د. رائد المصري

في الخطاب الأخير الذي قدّمه الرئيس بشار الأسد أمام مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين، طرح مبادرات وأفكاراً لم يتنبّه لها البعض لما تشكّله من مسلّمات استراتيجية تبدو بديهية وصوغ منظومة تحالف إقليمي ودولي جديدة لها أبعادها ودلالاتها العميقة، والتي لم يمتلكها أيّ رئيس عربي ذي وزن استراتيجي. هذا هو أصل المشكلة مع سورية، أيّ في محاولة إثبات الذات والقدرة المفقودة لدى هؤلاء على تحقيقها، وكي لا نكون متعجّلين على الانتصار أو قطف ثماره في وصف خطاب الرئيس الأسد بخطاب المنتصر، من دون رسم ملامح التشكّل الجديد الذي يبني عليه رئيس سورية رؤيته الاستراتيجية المتقدّمة في هذا التوقيت.

لا أريد أن أشرح أو أفصّل خطاب الرئيس الأسد، لكن لا بدّ من التعرّض لأمرين مهمّين وأعتقد أنهما يشكّلان جوهر الموضوع ولبّ الصراع، حيث تتمثّل الرؤية الأولى في التوصيف الدقيق مع جمالية الصورة بأبهى مقاماتها في وصف ونعت المعارضات السورية أو بعضها أو ممّن راهنوا ولا يزالون على المشروع الغربي الاستعماري والصهيوني على الدولة السورية. وهو أبلغ وصف حيث جرت تعريتهم أمام الرأي العام ومطابقة أفعالهم مع الأوصاف التي رسمها وشبّهها الأسد. وهو الأمر الذي يوافقه عليه الجميع من دون استثناء.

ذلك أنّ أحوال هذه المعارضات السورية – وهنا لا نسيء أو نودّ الإساءة لأحد، لكن من باب التوصيف الواقعي – هي أكثر ما تشبه حالات بعض السياسيين في لبنان ممّن امتهنوا دور العمالة امتهاناً لقاء أجر تدرّه عليهم دول الخارج، حيث باتوا مكشوفين أمام العالم وحتى أمام مشغّليهم. وهنا في كلّ مرة يُفرض على اللبنانيين التعايش مع هؤلاء الحمقى بذريعة العيش المشترك الواحد وبأن لا أحد يستطيع أن يلغي أحداً.

تماثلاً، وبالتوازي مع ما طرحه الرئيس الأسد من رؤية استراتيجية جديدة، يتوضّح لدينا من خلال مواقف بعض السياسيين اللبنانيين واستمرارهم بالمراهقة والمراهنة على مواقف مذلّة ومُخضعة في إمعان وإصرار مقصودين لوضع البلد في حلبة الدور الوظيفي والتخريبي لنخر جسد الأمة وجسد دول المشرق، ففي بلد مثل لبنان لا تستطيع أن تحلّ مشكلة النفايات ولا الكهرباء ولا المياه ولا الطاقة النفطية ولا قانون انتخاب عصري ولا حلّ للطائفية السياسية، ولا رؤية واحدة وموحّدة للصراع مع الإرهاب أو مع الكيان الصهيوني وغيرها الكثير من القضايا الاستراتيجية المحقّة، فهل معنى ذلك أنّ هذا البلد مقدّر عليه ويجب أن يبقى ككيان وظيفي؟

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى