شبعا مقابل الجولان

عامر نعيم الياس

تتعرّض الجمهورية العربية السورية لأشرس معركة في تاريخ المنطقة نظراً إلى استحالة استمرار حالة التعايش بين مكوّنات المنطقة، مع الحديث عن انتهاء صلاحية سايكس ـ بيكو، وبالتالي نهاية المساكنة بين أنظمة قومية وطنية تتبنّى قضية فلسطين والمواجهة مع الكيان الصهيوني، وبين أنظمة رجعية استبدادية عملت منذ إنشائها على ضرب أسس أيّ جهد تقدّمي صادق لبناء أو لمحاولة البناء على مفهوم مشترك للأمة، وبالتالي للصراع مع العدو. هنا قد يرى البعض في الحديث عن التقدّمية والرجعية بعضاً من ترّهات عفى عليها الزمن، لكن واقع الحال ودقة التوصيف التي تحملها هذه الكلمات مع إيجاد «داعش» ورفع عبارات التأييد له من المحيط إلى الخليج، والمبايعات من أفغانستان إلى ماليزيا من دون أن ننسى باكستان والشيشان وربما غداً إقليم شينغ يانغ في الصين، كل ذلك يجعل من استخدام هذه «الترهات» حتمياً في بعض الأحيان.

عاد أوباما إلى العراق قائداً لحربٍ ضدّ همجية لا تفهم سوى لغة القوة، وتحرك الحلفاء في المنطقة. وضمن لعبة تبادل الأدوار والسيناريوات المفتوحة، دخل التركي على خط المنطقة العازلة في شمال سورية، والصهيوني على خط المنطقة العازلة في جنوب سورية، بينما دخل حزب الله الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية ضمن صراع مزدوج يهدف إلى استنزافه داخل لبنان من الشرق في مناطق عمله لتأمين المعركة في سورية عبر «النصرة»، ومن الجنوب عبر الكيان المحتل، فهل تتغيّر المعادلات في المنطقة بعد التصدي الناجح في شرق لبنان، والعبوة الناسفة في جنوب لبنان؟

نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم أعلن أن عملية المقاومة الإسلامية في مزارع شبعا حققت أهدافها بالكامل، وشدد في مقابلة تلفزيونية على أن العملية تقول لـ«الإسرائيلي» إن المقاومة جاهزة للرد على أي اعتداء. وكان حزب الله قد تبنّى عملية تفجير عبوة ناسفة بدورية «إسرائيلية» في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ما أدّى إلى إصابة جنديين للاحتلال.

إن تبنّي الحزب العملية في مزارع شبعا هو الأول من نوعه منذ عام 2006 ومن الواضح أنه يندرج في سياق الآتي:

تغيير المعادلات في المنطقة مع دخول واشنطن على خط قيادة الحرب على سورية، هنا يفسّر الموقف الواضح للسيد حسن نصرالله من ملف التحالف الدولي الذي تقوده الإدارة الأميركية في المنطقة، وهو ما ينسحب على الموقف الإيراني.

لا خلاف ضمن أضلاع محور المقاومة، بل إن استراتيجية تبادل الأدوار وتدوير الجبهات مرشّحة لتصدّر المشهد الميداني للصراع من جانب جميع الأطراف المنخرطة في الحرب داخل سورية، وهنا من الواضح أن الحزب تعمّد إرسال تحذير واضح لتل أبيب وواشنطن مفاده أن التغيير واللعب على وتر الحدود وسايكس بيكو لا يقتصر فقط على حدود سورية والعراق، أو ما صار يبرّر بتمدّد «داعش» خارج إطار حدود سايكس بيكو كنوعٍ من التبرير الغربي التافه لنظرية انتهاء صلاحية حدود سايكس بيكو.

شبعا مقابل الجولان مبدئياً، وأي محاولة لتغيير قواعد اللعبة على الأرض وفتح جبهات جديدة على حزب الله سيؤدي بالضرورة إلى الرد في جبهات نائمة، أو جبهات جديدة على المدى المنظور وفقاً لتطور الأمور على أرض المعركة داخل سورية، خصوصاً في المناطق الحدودية الشمالية والجنوبية.

حزب الله يعمل وفق مفهوم الجبهات المستقلة وهو ما لا يدركه الغرب حتى اللحظة، فالمقاتلون على جبهة الاحتلال «الإسرائيلي» هم غيرهم على جبهة سورية و أي جبهة أخرى في داخل لبنان بما فيها محاولة استدراج حرب على الحزب من التنظيمات المتطرّفة التي يدافع عنها ويحميها بعض الساسة اللبنانيون والتي صار بعضها كـ«النصرة» يحرّك اعتصامات أهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين بطريقة مباشرة وعلنيّة.

الواضح أن المعركة في سورية تحكمها تطورات لحظية تفرض تغييرات سريعة نظراً إلى غياب السيناريو الأميركي عن كيفية إدارة الحرب من ناحية، ومن ناحية أخرى كيفية التحكم بتحالف لكل دولة فيه مصالحها الخاصة وإرهابييها على الأرض، وعليه تبدو المنطقة والمحور المضاد في مواجهة قرارات لا بد أن تتخذ وفقاً لتكتيك التصعيد التدريجي المضبوط ضد أعداء بلغ فيهم الجنون ما بلغه.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى