أهالي العسكريّين يتبلّغون من قائد الجيش نتائج الفحوص ويصرّون على إعدام القتلة
يعود الشهداء العسكريّون الذين خطفهم تنظيم «داعش» الإرهابي قبل ثلاث سنوات، غداً الجمعة إلى مسقط رأسهم ليواروا في الثرى، وسط حداد رسميّ على أرواحهم وتنكيس الأعلام على الإدارات والمؤسّسات العامّة والبلديات وعلى كلّ السفارات اللبنانية في الخارج.
فقد أبلع قائد الجيش العماد جوزيف عون في مكتبه في وزارة الدفاع أهالي العسكريّين، في حضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي صقر صقر والطبيب المختصّ الذي أشرف على فحوص الحمض النووي «DNA»، النتائج الرسميّة للفحوص التي تثبت أنّ الجثامين تعود إلى أبنائهم.
ثمّ انتقل الأهالي إلى مكتب وزير الدفاع الوطني يعقوب رياض الصرّاف الذي قدّم لهم التعازي باستشهاد أبنائهم، معبِّراً «عن فخره واعتزازه بهؤلاء الأبطال الذين رسموا بدمائهم طريق النصر، وبِاسمهم أعلن قائد الجيش معركة فجر الجرود التي تكلّلت بالنصر».
وأبلغهم «أنّ قضية أبنائهم وطنيّة، وأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة وقائد الجيش مصرّون على متابعتها حتى النهاية»، مشدّداً «على وجوب إبعادها عن التسييس».
في السراي
ومن اليرزة، توجّه أهالي الشهداء إلى ساحة رياض الصلح ومن ثمّ إلى السراي للقاء رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي أكّد إصرار الدولة على القيام بالتحقيقات اللازمة لمعرفة الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة والنكراء بكلّ المقاييس وإحالتهم على القضاء لينالوا عقابهم.
وقال: «نحن نشعر بمعاناتكم ومدى الظلم اللاحق بكم، كلّنا تأثّرنا بجريمة الخطف وبذلنا كلّ ما في وسعنا لتحرير العسكريّين المخطوفين، وقد نجحنا في تحرير من كان منهم لدى «النصرة»، ولكن لم يكن باستطاعتنا تحرير المختطفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي الذي ارتكب هذه الجريمة. «داعش» هذا التنظيم الإرهابي، هو عدو لبنان وكان السبب الأساسي في هذه الجريمة ودخل إلى لبنان لإشعال الفتنة بين اللبنانيّين وإحداث التفرقة بينهم.
نحن حريصون على أن تعرفوا الحقيقة حول كلّ ما حصل، وهذا حقّكم وهناك تحقيق قضائي بدأ وسيستكمل بكشف الحقيقة وملاحقة الجناة والمتورّطين ومحاكمتهم وسيدفعون ثمن ارتكاباتهم.
وبعد اللقاء الذي حضره الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء الركن سعد الله حمد والأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير، تحدّث بِاسم الوفد حسين يوسف، فقال: «في قلوبنا حزن كبير، وهناك دموع في العيون منذ ثلاث سنوات ولكن في الوقت ذاته هناك فخر وعزّة وكرامة. وبعد أن تأكّدنا اليوم من كلّ نتائج الفحوص التي أُجريت، أصبحنا نطلق على العسكريّين المخطوفين العسكريّين الشهداء، ومن هذا المنبر نقول إنّه لن نسمح لأحد أن يلعب بقضيّتنا أكثر ممّا تمّ اللعب بها». أضاف «وما يعزّينا أنّ أبناءنا رفعوا رؤوسنا وتحمّلوا كلّ المآسي والوجع والألم والضغط والإرهاب الذي مورس عليهم، واختاروا أن يموتوا بكراماتهم وشرفهم وفي ملابسهم العسكرية. ونحن لم نتخلَّ عن ملفّهم، وخيمة رياض الصلح للمطالبة بإعادتهم انتهى دورها، ولكن خيام أهالي العسكريّين في بيوتهم وساحات قراهم ستبقى موجودة وسنستمرّ بمتابعة ملفهم حتى اللحظة الأخيرة». وأكّد أنّ «كلّ من تواطأ بملف العسكريين وكان له علاقة بمقتلهم سيطالهم القانون، والمطلب الأول لنا هو محاسبة عمر وبلال ميقاتي، اللذين لهما علاقة مباشرة باستشهاد العسكريّين وهذا المطلب طرحناه مع وزير العدل أوّلاً، والذي تفاعل كثيراً معه. كذلك أعلنّاه أيضاً من القصر الجمهوريّ، وتمّ التفاعل معه واليوم عند قائد الجيش والآن مع الرئيس الحريري المجروح مثلنا منذ 12 سنة، وهو يطالب بحق قضيّة والده. وقضيّة العسكريّين أصبحت اليوم أمانة في عنقه، وهذا حمل كبير عليه وهو وعدنا بمتابعة هذا الموضوع حتى النهاية، ولن نقبل إلّا أن يتكرّم الشهيد بقتل من قتله. لن نتنازل عن هذا الحق، وفي البلد هناك قوانين ولو لم يكن عندنا قانون إعدام، ولكن القوانين الشرعيّة والإنسانيّة تطبّق على إنسان إذا كان إنساناً، ولكنّ الإنسان المجرم والدموي والذي يقطع رؤوساً ويذبح، فلتسمح لنا منظّمات العفو والهيئات الإنسانيّة الذين يدافعون عن حقوق الإنسان. نحن نتكلّم بحقوق الإنسان عندما يكون الإنسان إنساناً، هؤلاء ليسوا بشراً وحتى ليسوا حيوانات».
وتمنّى استصدار حكم إعدام بحقّ كلّ مجرم وضع يده على عسكري.
سُئل: لماذ أعلنتم معارضتكم حضور وزير الداخلية نهاد المشنوق في مراسم تشييع الشهداء؟
أجاب: «الوزير المشنوق في العام 2015 قال إنّه يعمل على تنظيف السجون ونحن لم نكن ضدّ ذلك، ولكن توقيت ذلك في تلك المرحلة كان قاسياً بالنسبة لنا، وقد أثّر في مكان ما على الملف، ولا أريد أن أقول إنّه شارك في قتلهم ولكن في تلك المرحلة استشهد العسكريّون، وقال يومها معالي الوزير لقد قتلوهم ونعتبرهم شهداء ونلصق صورهم على الجدران، وهذا المشهد رأيناه اليوم في وزارة الدفاع. مطلبنا اليوم حرصاً ومحبة واحتراماً لموقعه كوزير للداخلية، أنّ أمهات الشهداء لا يستطيعون رؤيته هناك، لأنّه من الممكن أن يحصل أيّ تصرّف يسيء له وللشهداء، ولذلك تمنّينا عدم حضوره».
وردّاً على سؤال، قال: «نحن نريد كشف الحقيقة منذ اليوم الأول، مروراً بالمتاجرة التي حصلت من قِبل بعض الوسطاء، ولا أريد توجيه اتّهام لشخص معيّن، ولكن كلّ إنسان في هذا البلد كان مسؤولاً عن ملف العسكريّين، وكان يستحقّ هؤلاء العسكريّون أن يكون هناك بعض التنازلات لأجلهم».
وردّاً على سؤال، وجّه يوسف تحيّة إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وقال: «عتبنا عليه لأنّنا نحبّه، ولكن في أحد التصريحات قال كلاماً أذانا كثيراً وأوجعنا، يمكن أن يكون له وضعه وظروفه، ولكن كان يجب أن يضعنا في أجوائها حتى نتدارك تعرّضنا للموت على مدى سنتين. ولم نكن أرسلنا أمّهات ونساء إلى مجرمين وسفّاحين، أنا لا أحمّل مسؤولية للّواء إبراهيم، ولكن أعتب عليه قليلاً، وفي النهاية قد يكون لديه ظروفاً جعلته يمتنع عن إعلان المعلومات التي كانت لديه».
ولفتَ إلى أنّ «مصطفى الحجيري ظهر في شرائط مصوّرة، وأنا أدينه وأعتبره مجرماً، لأنّ كلّ من يواجه الجيش اللبناني يكون مجرماً ويجب أن يحاسب».
مراسم التشييع
وتكريماً لأرواح الشهداء، أعلنت قيادة الجيش أنّها ستُقيم في العاشرة من قبل ظهر غد الجمعة في باحة وزارة الدفاع، في اليرزة، احتفالات رسميّة لتشييع الشهداء في حضور رئيس الجمهورية ورئيسَيْ مجلس النوّاب نبيه برّي والحكومة سعد الحريري ووزير الدفاع وقائد الجيش وأركان القيادة وأهالي الشهداء وشخصيات رسمية وروحيّة واجتماعيّة، على أن يتمّ بعد ذلك نقل الجثامين في مواكب ستمرّ في ساحة رياض الصلح، حيث خيم الأهالي قبل توجّهها إلى قراها.
قضائياً
في غضون ذلك، سلكت قضية قتل العسكريّين المسار القضائي، وبدأت الترتيبات الأولى لمحاسبة المتورّطين والمحرّضين في ما يتعلّق بالهجوم على الجيش اللبناني في عرسال في آب 2014، وحصول عمليّات خطف وأسر ثمّ قتل.
وانطلاقاً ممّا تقدّم به وزير العدل سليم جريصاتي بتكليف رئاسيّ، إلى النيابة العامّة طالباً إجراء التعقّبات بشأن جرائم قتل عسكريّين في عرسال من قبل تنظيمَيْ «داعش» و»جبهة النصرة» الإرهابيَّين، على أن تشمل هذه التعقّبات جميع الجرائم المتفرّعة وجميع الأشخاص الذين شاركوا أو تدخّلوا أو حرّضوا على ارتكابها، طلب المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي صقر صقر، تكليف مخابرات الجيش إجراء التحقيق بشأن إقدام تنظيمات إرهابيّة على خطف، أسر وقتل عناصر من الجيش اللبناني، على أن يشمل التحقيق كلّ من أقدم وشارك وتدخّل وحرّض على هذه الأفعال الجرميّة. كذلك التحقيق بالأفعال الجرميّة المتفرّعة والمرافقة لجرائم الخطف، الأسر والقتل والتوسّع في التحقيق لجهة الأفعال الجرميّة المذكورة في قرار قاضي التحقيق العسكري رقم 92/2016 تاريخ 17/5/2016 في حال توفّر معطيات جديدة غير المذكورة في القرار المشار إليه آنفاً.
من جهته، أعلن جريصاتي أنّ ملف أحداث عرسال «باتَ في عهدة القضاء بعيداً من السياسة»، ووعد «الأهالي بأن يكون القضاء على مستوى هذا التحدّي، جازماً بأنّ لا تسييس على الإطلاق في هذه القضية»، مؤكّداً «أنّ القضاء العسكري يملك أدلّة ثابتة وقاطعة، وأنّ نجل أبو طاقية موجود أمام القضاء الذي يملك هامشاً واسعاً جداً من التحرّي والتحقيق للوصول إلى الحقيقة».
أمّا عن ملف ترحيل المطلوبين من مخيم عين الحلوة، فنفى جريصاتي «وجود أيّ صفقة طالما هناك تعاون من قِبل السلطات الفلسطينيّة المختصة، إنّما المطلوبون سيُلاحَقون أينما وُجدوا».
المشنوق
إلى ذلك، أصدر المكتب الإعلامي للوزير المشنوق بياناً، لفتَ فيه إلى أنّ ما نُسب إلى الوزير قوله عن العسكريّين إنّهم «قتلوهم ونعتبرهم شهداء وسنلصق صورهم على الحيطان»، حين كانوا مخطوفين، لم يرد على لسان الوزير لا كتابة ولا شفهيّاً، ولا هذا أسلوبه في الكلام أو الكتابة. أمّا بالنسبة إلى العملية الأمنيّة في المبنى «ب» من سجن رومية، لا بُدّ من التذكير بأنّها تمّت بعد إعلان المجموعة الإرهابيّة التكفيريّة عن إعدام الجندي علي البزال. وكان الوزير المشنوق قد أجّل تنفيذ العملية، لكنّ التطوّرات الأمنيّة والمتابعة والرصد من قِبل الأجهزة الأمنيّة أدّت إلى اكتشاف اتصالات بين موقوفين في المبنى «ب» وبين انتحاريّين لهم علاقة بتفجيرات متعدّدة في لبنان، من بينها تفجير جبل محسن، فكان الضروري أمنيّاً والواجب وطنياً تنفيذ العمليّة وعدم تأخيرها حفاظاً على أرواح اللبنانيّين وعلى السِّلم الأهلي».
وأكّد أنّ لا رابط بين تحرير سجن رومية من احتلال الموقوفين وإدارتهم الإرهاب من المبنى «ب»، وبين قتل العسكريّين الشهداء على أيدي منظّمة تكفيريّة إرهابيّة. وأشار إلى أنّ «التحقيقات الرسميّة المبدئيّة التي رافقت الكشف عن مصير العسكريين، أفادت بأنّ «أمير «داعش» الشرعي ولقبه أبو بلقيس قتل العسكريّين المخطوفين قبل عامين، أي بعد عام من تنفيذ عملية تحرير سجن رومية بعدما جاء خصيصاً من الرقة لتنفيذ حكم الإعدام بهم، ولمنع التفاوض بشأن مصيرهم».
كرامي
من جهته، عزّى الوزير السابق فيصل كرامي بالعسكري الشهيد إبراهيم مغيط في دارته في القلمون، وكان في استقباله رئيس البلديّة طلال دنكر ووالد مغيط وأفراد العائلة.
وتحدّث نظام مغيط شقيق الشهيد مرحّباً بكرامي،
وقال: «مطلبنا واحد وواضح، وهو ألّا يذهب دم الشهداء هدراً». فيما أكّد كرامي تأييده الرئيس عون في موضوع فتح التحقيق في ملف العسكريّين، والمحاسبة لكلّ من تواطأ وتآمر ونفّذ هذه الجرائم المروّعة بحق لبنان واللبنانيّين.