مؤتمر دولي حاشد بحث تحدّيات ما بعد الأحاديّة الغربيّة: انتصارات محور المقاومة تؤشّر إلى أفول المشروع الأميركي
محمد حمّية
تمرّ منطقة «الشرق الأوسط» بمرحلة انتقالية تتّسم بالعنف والفوضى، وتنعكس آثارها السلبيّة على المستويين الإقليمي والدولي، في ظلّ نظام دولي بدأ يدخل حقبة «ما بعد الغرب». وهذا التحوّل يخلق تحدّيات إقليميّة ناتجة إمّا عن الفراغ الناشئ عن الانكفاء الغربي، وإمّا عن السياسة العدوانيّة الأميركيّة الساعية لاحتواء ذلك الانكفاء ومنع القوى المنافسة من تعزيز نفوذها الإقليمي.
في هذا السياق، وفي ظلّ التحضيرات لمؤتمر «طهران الأمني» للعام 2018، نظّم «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق» و»المعهد الدولي للدراسات والأبحاث» مؤتمراً دولياً في فندق «رمادا بلازا»، تحت عنوان «غرب آسيا في عالم ما بعد الأحادية الغربيّة: تحدّيات المرحلة الانتقالية». شاركت فيه نخبة من الشخصيات الفكرية والسياسية من لبنان والعالم العربي والإسلامي وأوروبا.
وبحث المؤتمر من خلال جلساته تطوير مقاربات مشتركة حول أربعة تحدّيات أساسيّة في غرب آسيا، وهي «الإرهاب والصراعات المسلّحة، مشاريع أميركا وتدخّلاتها، التنمية والتكامل الاقتصادي، وحدة الدولة الوطنيّة والمشاركة الشعبيّة».
وتخلّل المؤتمر في جلسته الافتتاحية كلمة لرئيس اللجنة العلمية لمؤتمر طهران الأمني السيد جلال دهقاني فيروز أبادي، وكلمة لرئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله، ولرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.
رعد
وأكّد النائب محمد رعد، أنّ هذا المؤتمر ينعقد على وقع انتصارات ميدانيّة مهمة تتوالى في لبنان وسورية والعراق، مضيفاً أنّ هذه الانتصارات تشير إلى أفول مشروع خطير رعته على مدى السنوات الست الماضية الإدارة الأميركيّة وحلفاؤها الغربيّون ووكلاؤها الإقليميّون بهدف إخضاع المنطقة.
وشدّد في كلمته على أنّ هذا المؤتمر يضطلع بمهمة حيويّة كبرى ومعقّدة، في الوقت الذي تتوثّب فيه شعوب المنطقة لتغيير أوضاعها أو تطويرها بما يتناسب مع حقّها في التحرّر والعيش بكرامة وأمان.
فضل الله
من جهته، أكّد الدكتور عبد الحليم فضل الله، أنّ هذا المؤتمر ينعقد في لحظة زمنيّة مفصليّة تنتقل بالمنطقة من مرحلة إلى أخرى، وقال: «إنّ ربط التحدّيات الانتقالية التي تمرّ بها المنطقة بأفول نجم الأحاديّة الغربيّة، كما في عنوان هذا المؤتمر، يأتي في سياق التأكيد على أنّ الأدوات المفاهيميّة السائدة لم تعد صالحة لتحليل أوضاع عالم متغيّر ومتحوّل، وإنّ الحقائق الجيوسياسيّة الجديدة تملي علينا القيام بمراجعات لطريقة تحليلنا للتحوّلات الدولية وموقع منطقتنا فيها».
وأضاف فضل الله: «قبضة الولايات المتحدة الأميركيّة بدورها تتراخى عالمياً على وقع الوهن المتزايد في عناصر القوّة الأربعة التي مكّنتها في السابق من فرض هيمنتها وشقّ طريقها نحو الأحادية القطبية. تخفق القوة العسكرية التي أسالت الكثير من الدماء، مرة بعد أخرى، في فرض سياسات واشنطن ذات التسلّح الهائل على المنطقة والعالم، و تغرق القوة الاقتصادية في مستنقع أزمة بنيويّة يمثّلها على نحو خاص انزياح مركز العولمة من الغرب إلى الشرق، وفشل الاقتصاد الأميركي في الحفاظ على تفوّقه من خلال الانتقال مثلاً من النيوليبراليّة إلى ما بعدها، وباتت القوة الدبلوماسيّة أقلّ قدرة ممّا مضى في «إقناع» الحلفاء فضلاً عن المنافسين والخصوم باتّباع خطى واشنطن، وفي جعل المؤسّسات الدوليّة ومن ضمنها مجلس الأمن جزءاً من ترسانتها السياسيّة أمّا القوة الثقافية فقد فقدت الكثير من جاذبيّتها وهيمنتها الإيديولوجيّة، ولا يخلو من دلالة في هذا السياق تراجع مستوى النخب القياديّة الحاليّة في الغرب مقارنة بالأجيال السابقة.
وأشار فضل الله إلى أنّ «النجاحات التي سجّلتها وتسجّلها قوى المقاومة المتحالفة مع الجيوش الوطنيّة، والهيئات الشعبيّة ذات العمق الدولي، هي تعبير عن أنّ قيام ائتلافات عريضة ذات تمثيل واسع وعميق، من شأنه تمكين دول المنطقة وشعوبها ومجتمعاتها من استعادة زمام المبادرة واتخاذ قراراتها بنفسها والتحكّم بأقدارها ومصائرها، وهو يعبّر كذلك عن أنّ موازين القوى الشعبية – الاجتماعية الحقيقية في المنطقة تفصح عن نفسها في كلّ مرة تتراخى فيه قبضة الهيمنة ويتراجع فيها النفوذ الأجنبي».
وتابع: «يحاول مؤتمرنا هذا فهم الأزمات ورسم الخيارات انطلاقاً من الحقائق الإقليميّة والدولية المذكورة، لكنّه لا يقف عندها، هو يأخذ بعين الاعتبار أيضاً الأسباب الذاتيّة الواقفة خلف الانقسامات والحروب والويلات التي نعاني منها، والشروط الوطنيّة والإقليميّة الموسّعة التي لا بدّ منها للخروج من نفق الأزمة وإعادة البناء. إنّ أيّ مقاربة مشتركة من هذا القبيل لا بُدّ وأن تعنى أولاً بمواجهة المخاطر الخارجيّة وفي مقدّمها التدخّلات الأجنبية الداعمة علناً أو سرّاً للإرهاب، لكن عليها أيضاً وقبل أيّ شيء آخر أن تمتلك تصوّرات واضحة لسبل التقدّم والتنمية الاقتصاديَّين، وآليّات إعادة البناء الداخلي على أُسُس الاختيار الشعبي. وهذا هو حجر الأساس في قيام نظام إقليمي يستبدّ إلى الشراكة الواسعة بين دول غرب آسيا ومجتمعاتها المتنوّعة من ناحية، وبينها وبين جوارها الآسيوي والأوراسي من ناحيةٍ ثانية».
وتحدّث الدكتور فضل لله لـ»البناء» عن تراجع واضح في قوّة الولايات المتحدة الأميركيّة التي كان لديها أهداف في المنطقة وفي العالم، «لكنّها لم تستطع تحقيقها، ليس لأنّها غيّرت استراتيجيتها واعتمدت مقاربة جديدة، بل لافتقادها الأدوات الذاتيّة والموضوعيّة التي تمكّنها من فرض إرادتها على الآخرين، لكن ملامح ودور قوّة الولايات المتحدة العسكرية تغيّرت»، ولفتَ إلى أنّ «أميركا لديها ترسانة تسلّح وقدرات قتاليّة معروفة، لكنّها عاجزة اليوم عن اتخاذ قرار الدخول في حروب جديدة، ليس فقط لأنّها لا تضمن نتائج هذه الحروب، بل لأنّها سجّلت الفشل تلو الآخر وغير جاهزة اجتماعياً واقتصادياً ولا سياسياً لتحمّل التكاليف». وأضاف فضل الله، أنّ القوة الأميركيّة الاقتصاديّة تراجعت اليوم، ولولا السطوة والهيمنة الأميركية عبر المؤسّسات المختلفة لكان التراجع أكبر، فهناك الآن صعود لقوى اقتصاديّة منافسة في العالم، وهناك أزمة بنيويّة اقتصادية تغرق فيها أميركا وأيضاً تراجع في القوة السياسية والدبلوماسيّة، فمنذ 10 سنوات حتى الآن لم تستطع الولايات المتحدة فرض قرار دولي عبر مجلس الأمن كما تريد، وحتى عندما تمّ تمرير قرارات تتناسب مع مصالحها، لم توضع موضع التطبيق بما يتناسب مع الإرادة الأميركيّة، كما أنّ القوّة الناعمة الأميركيّة تراجعت، وبالتالي النموذج الأميركي لم يعد برّاقاً كما كان في السابق».
حطيط
وقال الخبير في الشؤون الاستراتيجية العميد الدكتور أمين حطيط لـ»البناء»، إنّ «أهمية المؤتمر هو في توقيته ومواجهة التحدّيات التي سيبحثها المؤتمرون»، وأشار إلى أنّ «غرب آسيا اليوم، الذي يشمل المنطقة الواقعة من أفغانستان وإيران شرقاً إلى حدود المتوسط والبحر الأحمر غرباً، هذه المنطقة التي أطلق عليها الإمام الخامنئي تسمية مصطلحيّة جديدة، تعتبر اليوم قلباً متحرّكاً في العالم المشتعل، ونتيجة ما سيترتب في المنطقة سيُبنى العالم»، وأضاف حطيط: «قلنا في السابق إنّه من الرحم السوريّ يولد النظام العالمي الجديد، ونقول اليوم إنّ في مهد غرب آسيا يثبت هذا النظام الإقليمي الذي يُبنى عليه النظام العالمي الجديد، لذلك نعتبر أنّ أهميّة المؤتمر تأتي في لحظة انتصارات ميدانيّة لمشروع محور المقاومة في مقابل هزيمة مشروع أميركيّ غربيّ».
وعن السّياق الذي توضع فيه المناورات «الإسرائيليّة» الأضخم منذ عشرين عاماً في ظلّ غياب قرار الأميركي بالحرب، لفتَ حطيط إلى أنّ «القوى الاستعمارية من «إسرائيل» إلى أوروبا بقيادة أميركية، فقدت القدرة على اتّخاذ قرار الحرب والذهاب به في الميدان وهي تحلم بالحرب لتركع المنطقة، لكن هذه القوة التي تمتلكها باتت عاجزة عن تحقيق المراد، لذلك نحن نقول إنّ نتائج ما حصل في السنوات الست الماضية، غيّرت من طبيعة المشهد ونقلت هذه القوة من القادرة إلى القوّة العاجزة عن الدخول في حرب، وعاجزة أيضاً عن اتّقاء مخاطر هذه الحرب إذا وقعت، ولهذا السبب النظر إلى المناورات «الإسرائيليّة» وفقاً لطبيعتها ووفقاً لحجمها على أساس أنّها مناورات ذات طابع دفاعي تجرى بهذا الحجم وبهذه الطبيعة».
مشاركات في المؤتمر
بدوره، قال مستشار رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص رفعت بدوي، إنّ المؤتمر يحمل أهميّة كبيرة لأنّ المستقبل هو لغرب آسيا، لافتاً إلى أنّ «الشرق الأوسط» الذي لطالما أرادته الولايات المتحدة انتهى، والمشاريع الأمريكيّة أسقطها صمود الشعوب في المنطقة وإنجازات المقاومة.
ماتوزوف
وعن رؤى القوى الأوراسيّة الأوروبية الآسيوية لتحدّيات المرحلة الانتقالية، أكّد الباحث في القضايا السياسيّة فياشيسلاف ماتوزوف، أنّ المرحلة الانتقالية المقبلة تقوم على العمل السياسي وليس المعارك المسلّحة، لافتاً إلى أنّ مرحلة الحرب انتهت.
وتابع، أنّ «العمل السياسي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الإنجازات التي قام بها الجيش السوري وحلفاؤه في سورية والمنطقة، خصوصاً في دير الزور».