محمد البحيصي لـ«البناء»: لا شرعيّة للمجلس الوطني الفلسطيني الحالي والدعوة الصحيحة في هذه المرحلة هي لوحدة الصف والمقاومة
دمشق ـ نعيم إبراهيم
أكّد رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية الدكتور محمد البحيصي، أنّ خطاب الرئيس بشار الأسد أمام مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين، كان خطاب ما قبل إعلان النصر الكبير الذي توقّع أن يكون قريباً، وأنّ الخطاب مملوء بالثقة باليقين، ومملوء بالوعد الإلهي بالانتصار.
وقال البحيصي في حديث لـ»البناء» في دمشق، أنّ سورية بتحالفاتها التي بنتها عبر العقود الماضية كانت تتّسم بالرؤية الاستراتيجية ولم تكن تحالفات الضرورة، بل تحالفات الاختيار الواعي والعاقل. وعاد الرئيس الأسد إلى تصنيف القوى المعادية وكيف أنّ مجموعة من العبيد الذين كانوا يتآمرون على سورية بشكل مباشر وهم أدوات العدوان، وكيف أنّ أسياد هؤلاء بدأوا يبحثون الآن عن سورية ويتوسّطون لتقوم سورية بدورها المستقبليّ والتاريخيّ.
واستبعد البحيصي أيّ عدوان صهيوني جديد شامل وواسع راهناً ضدّ سورية، لكنّه توقّع ضربات موضعيّة ومحسوبة بدقّة، خاصة بعد فشل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في تحريض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما في سوتشي، ضدّ سورية وإيران وحزب الله.
وأشار البحيصي إلى أنّ البعض كانوا يراهنون على أنّ سورية بعد كلّ هذه الآلام والفجائع ستعطي ظهرها للقضية الفلسطينية، إلّا أنّ الرئيس الأسد أكّد على وحدة الدم والمسار والمصير مع فلسطين، ومع المقاومة ومع الحلفاء ومع أصدقاء سورية الكبار.
واعتبر البحيصي أنّ وجود الدولة السوريّة القويّة ومعها حلفاؤها الأقوياء والصادقون والأمناء على ملف المنطقة، وهم سوف يشكّلون حالة قلق ليس للكيان الصهيوني وإنّما أيضاً للتحالفات الخليجيّة وغيرها ممّن يدورون في الفلك الأميركي.
وقال البحيصي، إنّ نتنياهو ليس في أحسن أحواله وليس في أقوى أوضاعه، لقد فتحت له ملفات فساد في الكيان الصهيوني. وهناك منافسة حادّة مع اليمين المتطرّف الآخر، والحقيقة أنّهم كلّهم متطرّفون في هذا الكيان. لكنّ نتنياهو يواجه أزمة داخليّة ربما يصدّرها إلى سورية أو إلى غزة أو إلى لبنان، وأضعف الحلقات هي في غزة. ونتنياهو يعلم تماماً أنّ القوة التي يتمتّع بها حزب الله والقوّة التي اكتسبها الجيش السوري والحلفاء من الأخوة في الجمهورية الإسلامية ليس سهلاً أن يخوض مغامرة ضدّها، حيث لا تزال تداعيات حرب العام 2006 ضدّ لبنان والعدوان على غزة العام 2014، وغير ذلك من الحروب العدوانيّة ضدّ المنطقة ماثلة حتى الآن ولم يستطع الانتهاء من تداعياتها.
وأضاف البحيصي، أنّ الحديث الذي يفصل في كلّ المسائل هو الواقع الميداني، ومسار أستانة كان أحد تجلّيات هذا الواقع. ولقاءات أستانة ناقشت بالأساس مناطق تخفيف التوتر، وهذه المناطق تعني أنّ هناك فريقاً قادراً على أن يملي إرادته على الطرف الآخر. وأعني هنا أنّ الدولة السوريّة ومعها حلفاؤها كان لهم اليد العليا في أستانة، ومناطق تخفيف التوتر كانت دلالة واضحة على تمتّع الجيش السوري وحلفائه بقدرة كبيرة على المناورة وعلى العمل. وفي موازاة ذلك، كانت هناك مصالحات وطنيّة كبرى في هذه المناطق تؤذن بأنّ الدولة سوف تبسط سيطرتها وحضورها واستعادة كلّ ما تسرّب من بين أصابعها في لحظة من اللحظات.
لذلك، بتقديري، إنّ لقاءات أستانة هي الأساس وليس مفاوضات جنيف التي هي مرحلة متأخّرة ولا يراهن أحد عليها، بل الحسم الميداني هو الأساس والذي فكّك الجبهة المضادّة من سورية إلى لبنان والعراق، الأمر الذي أعطى سورية هامشاً واسعاً لأن تتقدّم ميدانياً وسياسياً، وأن تعزّز تحالفاتها مع جهات كانت بالأمس من خصوم لدمشق. وأنا مع هذا الانفتاح، لأنّ الكثير من الدول الأوروبيّة باتت ترى أنّ مصلحتها تكمن مع الدولة السورية، وأنّ رهاناتها وحساباتها كانت خاسرة ليس في سورية فقط، بل في العراق ولبنان واليمن وليبيا وغيرها منذ سبع سنوات، حيث خضعت للإرادة الأميركية. لذلك، تأتي استدارتها وفق مصالحها، وهي لا تخجل في ذلك وعندما تلتفت إلى مصالحها. والغرب الذي يقوم على المفهوم الماديّ وليس المبدئيّ، وليس القيمي وليس الأخلاقي، سيعود وسيتعاطى مع مصالح بواقعيّة لأنّه لا يمكن أن يدير ظهره لمصالحه في هذه المنطقة، وربما يحدث هذا الأمر افتراقاً مع الأميركان في هذا المكان أو غيره وتتباين مصالحهم مع حلفاء الأمس. ومن هنا، كان الهجوم الدبلوماسي السوري لأنّه يدرك أنّ الوقت باتَ مواتياً لتسوية اختراقات في الجبهة المضادّة وخاصة في أوروبا.
على صعيد مسار المفاوضات الفلسطينية الصهيونيّة، أكّد البحيصي أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسقط خلال لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن في البيت الأبيض مؤخراً، حلّ الدولتين وكلّ الحلول، وقال لعباس عبارة واحدة هي «عُد إلى مفاوضة الإسرائيليّين وما تتّفقون عليه نحن سننظر فيه». بمعنى أنّه حتى فكرة حلّ الدولتين، صارت وهماً كبيراً، والاستيطان الصهيوني تغوّل أكثر خلال السنوات العجاف منذ ما بعد أوسلو.
فالأميركيّون يستفيدون من الوقت بالاتفاق مع الصهاينة لاستكمال المشروع الاستيطاني والتهويدي للقدس وللضفة الغربية، كما يستفيد الأميركيّون والصهاينة من الانقسام المشؤوم الذي يجتاح الحالة السياسية الفلسطينية ما بين الضفة وغزة. وأيضاً يستفيدون من محاولة إيهام أنفسهم بأنّ الوضع العربي الذي بات منكباً ومندفعاً باتجاه «إسرائيل» للضغط على الفلسطينيين، وأيضاً من وضع عربي ليس في أحسن أحواله ومن تراجع الملف الفلسطيني على المستوى الدولي من القضية الأولى إلى القضية العاشرة، وربما لا تذكر، خاصة في إعلامنا العربي حيث أنّها مغيّبة في غالبيّة هذا الإعلام.
لذلك، من يراهن على السلام مع هذا العدو واهم، وهو يخدع الشعب الفلسطيني لأنّ كلّ أدبيّات الصهاينة تؤكّد أنّ «إسرائيل» وُجدت لتموت فلسطين.
وعن موقفه من الدعوة إلى عقد المجلس الوطني الفلسطيني في مدينة رام الله، قال رئيس جمعية الصداقة الفلسطينيّة الإيرانية، والتي مقرّها في دمشق، لم يعد هناك شرعيّة لهذا المجلس منذ أكثر من عشرين عاماً، وكلّ دعوة في هذه المرحلة غير الدعوة إلى المقاومة وغير الدعوة لوحدة الصف الفلسطيني، هي مرفوضة حتماً. وما جرى في مدينة القدس في الآونة الأخيرة من خروج الجماهير دفاعاً عن المسجد الأقصى المبارك، هو الذي يمثّل الشرعيّة والمرجعيّة للشعب الفلسطيني وقواه المناضلة.
ولو يوجد عندنا في الساحة الفلسطينية قيادة واعية ووطنية وملتزمة، لكان يجب أن تعمّم هذه الظاهرة المقدسيّة التي استطاعت انتزاع الانتصار من الصهاينة في أحلك الظروف. وكان ينبغي على قيادة السلطة الفلسطينية أن تحلّ هذه السلطة منذ محاصرة الرئيس الشهيد ياسر عرفات وقتله مسموماً، والعودة إلى البرنامج الوطني الذي هو الأساس في الساحة الفلسطينيّة، كما ينبغي وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني على الصُّعد كافّة.